صفحة جزء
( فإذا صلى الفجر يوم التروية بمكة خرج إلى منى فيقيم بها حتى [ ص: 467 ] يصلي الفجر من يوم عرفة ) لما روي { أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى الفجر يوم التروية بمكة ، فلما طلعت الشمس راح إلى منى فصلى بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ثم راح إلى عرفات } ( ولو بات بمكة ليلة عرفة وصلى بها الفجر ثم غدا إلى عرفات ومر بمنى أجزأه ) لأنه لا يتعلق بمنى في هذه اليوم إقامة نسك ، ولكنه أساء [ ص: 468 ] بتركه الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم .


( قوله فإذا صلى الفجر يوم التروية بمكة خرج إلى منى ) ظاهر هذا التركيب إعقاب صلاة الفجر بالخروج إلى منى وهو خلاف السنة . والحديث الذي ذكره المصنف في الاستدلال أخص من الدعوى ليفيد أن مضمونه هو السنة ، ولم يبين في المبسوط خصوص وقت الخروج ، واستحب في المحيط كونه بعد الزوال وليس بشيء .

وقال المرغيناني بعد طلوع الشمس ، وهو الصحيح لما عن ابن عمر رضي الله عنه " أنه عليه الصلاة والسلام صلى الفجر يوم التروية بمكة ، فلما طلعت الشمس راح إلى منى فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح يوم عرفة " وكأن مستند الأول ما في حديث جابر { أنه عليه الصلاة والسلام توجه قبل صلاة الظهر } فإنه لا يقال في التخاطب لما بعد طلوع الشمس [ ص: 467 ] جئتك قبل صلاة الظهر ، ولا لما قبل الأذان ودخول الوقت ، وإنما يقال إذ ذاك قبل الظهر أو أذان الظهر ، فإنما يقال ذلك عرفا لما بعد الوقت قبل الصلاة .

لكن حديث ابن عمر رضي الله عنه صريح فيقضى به على المحتمل .

وفي الكافي للحاكم الشهيد : ويستحب أن يصلي الظهر بمنى يوم التروية ، هذا ولا يترك التلبية في أحواله كلها حال إقامته بمكة في المسجد وخارجه إلا حال كونه في الطواف ، ويلبي عند الخروج إلى منى ، ويدعو بما شاء ويقول : اللهم إياك أرجو وإياك أدعو وإليك أرغب ، اللهم بلغني صالح عملي وأصلح لي في ذريتي ، فإذا دخل منى قال : اللهم هذا منى وهذا ما دللتنا عليه من المناسك ، فمن علينا بجوامع الخيرات وبما مننت به على إبراهيم خليلك ومحمد حبيبك وبما مننت به على أهل طاعتك ، فإني عبدك وناصيتي بيدك جئت طالبا مرضاتك ، ويستحب أن ينزل عند مسجد عند الخيف .

( قوله لما روي إلخ ) في حديث جابر الطويل قال { لما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج ، فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بهم الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ، ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس وأمر بقبة من شعر فضربت له بنمرة } الحديث . وذكر المصنف رحمه الله لهذا الحديث يفيد أن السنة عنده الذهاب من منى إلى عرفة بعد طلوع الشمس ، وصرح به في الإيضاح . وعن ذلك حمل في النهاية مرجع ضمير قبله على طلوع الشمس .

ثم اعترضه بأنه كان من حق الكلام أن يقول قبل طلوع الشمس لأنه لم يتقدم ذكر طلوع الشمس لكنه تبع صاحب الإيضاح لأن طلوع الشمس مذكور في الإيضاح متقدما ا هـ . ولا يخفى أن قوله ثم يتوجه إلى عرفات متصل في المتن بقوله حتى يصلي الفجر من يوم عرفة ، إما بناء على عدم توقيت وقت الخروج إلى منى أو توقيته بما بعد صلاة الفجر كما هو مقتضى التركيب الشرطي كما قدمناه .

وقول المصنف : وهذا بيان الأولوية يتعلق به شرحا ، فمرجع ضمير قبله ألبتة صلاة الفجر من يوم عرفة ، ولا شك أنه أخذ في بيان حكم هذا الجواز والجواز متحقق في التوجه قبل الصلاة كما هو متحقق فيه قبل الشمس .

والإساءة لازمة في الوجهين ، فلا حاجة إلى إلزامه أن مرجع الضمير طلوع الشمس ثم اعتراضه ، وقد استفيد من مجموع ما قلنا أن السنة الذهاب إلى عرفات بعد طلوع الشمس أيضا ، ويقول عند التوجه إلى عرفات : اللهم إليك توجهت وعليك توكلت ووجهك أردت ، فاجعل ذنبي مغفورا وحجي مبرورا وارحمني ولا تخيبني ، واقض بعرفات حاجتي إنك على كل شيء قدير ، ويلبي ويهلل ويكبر لقول ابن مسعود رضي الله عنه حين أنكر عليه التلبية : " أجهل الناس أم نسوا ؟ والذي بعث محمدا بالحق لقد خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فما ترك التلبية حتى رمى جمرة العقبة إلا أن يخلطها بتكبير أو تهليل " رواه أبو ذر .

ويستحب أن يسير على طريق ضب ويعود على طريق المأزمين اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم كما في العيد إذا ذهب إلى المصلى ، فإذا قرب من [ ص: 468 ] عرفات ووقع بصره على جبل الرحمة قال : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، ثم يلبي إلى أن يدخل عرفات

التالي السابق


الخدمات العلمية