صفحة جزء
( ومن أدرك الوقوف بعرفة ما بين زوال الشمس من يومها إلى طلوع الفجر من يوم النحر فقد أدرك الحج ) فأول وقت الوقوف بعد الزوال عندنا لما روي أن النبي عليه الصلاة والسلام وقف بعد الزوال ، وهذا بيان أول الوقت . وقال عليه الصلاة والسلام { من أدرك عرفة بليل فقد أدرك [ ص: 509 ] الحج ، ومن فاته عرفة بليل فقد فاته الحج } وهذا بيان آخر الوقت . ومالك رحمه الله إن كان يقول : إن أول وقته بعد طلوع الفجر أو بعد طلوع الشمس فهو محجوج عليه بما روينا ( ثم إذا وقف بعد الزوال وأفاض من ساعته أجزأه ) عندنا لأنه صلى الله عليه وسلم ذكره بكلمة أو فإنه قال { الحج عرفة فمن وقف بعرفة ساعة من ليل أو نهار فقد تم حجه } وهي كلمة التخيير .

وقال مالك : لا يجزيه إلا أن يقف في اليوم وجزء من الليل ، ولكن الحجة عليه ما رويناه


( قوله لما روي { أن النبي عليه الصلاة والسلام وقف بعد الزوال } ) تقدم في حديث جابر الطويل ، وقال { من أدرك عرفة } إلخ رواه الدارقطني عنه صلى الله عليه وسلم { من وقف بعرفة بليل فقد أدرك الحج ، ومن فاته عرفات بليل فقد فاته الحج ، فليحل بعمرة وعليه الحج من قابل } وفي سنده رحمة بن مصعب قال الدارقطني : ولم يأت به غيره [ ص: 509 ] وفي ذكر الجملتين معا أحاديث أخر لم تسلم ، وأخرجه الأربعة مقتصرا على الجملة الأولى عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي { أن ناسا من أهل نجد أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بعرفة فسألوه ، فأمر مناديا ينادي : الحج عرفة ، فمن جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج } . الحديث ، وما أظن أن في معنى الجملة الثانية خلافا بين الأئمة فيحتاج إلى إثباته .

ورواه الحاكم وصححه ، وعبد الرحمن هذا ذكره البغوي في الصحابة وروى له الترمذي والنسائي حديثا آخر في النهي عن المزفت ، وبه بطل قول ابن عبد البر لم يرو عنه غير هذا الحديث ( قوله فهو محجوج عليه بما روينا ) حجة مالك الحديث الذي سنذكره من قوله عليه الصلاة والسلام { الحج عرفة ، فمن وقف بعرفة ساعة من ليل أو نهار فقد تم حجه } وتقدم من حديث عروة بن مضرس وليس فيه لفظ الحج عرفة ، وهو في حديث الديلي ، فمجموع هذا اللفظ يتحصل من مجموع الحديثين .

وحاصل حجة المصنف أن فعله عليه الصلاة والسلام كان من الزوال ، وهو وقع بيانا لوقت الوقوف الذي دلت الإشارة على افتراضه في قوله تعالى { فإذا أفضتم من عرفات } وعليه أن يقال : إنما يلزم لو لم يثبت غير ذلك الفعل ، فأما إذا ثبت قول أيضا فيه يصرح بأن وقته لا يقتصر على ذلك القدر عرف به أن فعله كان بيانا لسنة الوقوف الأولى فيه ، ويثبت بالقول بيان أصل الوقت المباح وغيره ، فقول ابن عمر رضي الله عنهما للحجاج حين زالت الشمس : الساعة إن أردت السنة ، مراد به السنة الاصطلاحية في عرف الفقهاء ، ألا ترى أنه لا يتعين الذهاب إلى الموقف من ذلك الوقت بل لو أخره جاز ( قوله وقال مالك رحمه الله : لا يجزيه إن وقف من النهار إلا أن يقف في اليوم وجزء من الليل ) التحرير في العبارة أن يقال : وقال مالك : لا يجزيه إن وقف من النهار إلا أن يقف معه جزءا من الليل ، وهذا لأنه إذا لم [ ص: 510 ] يقف إلا من الليل أجزأه عنده .

والحاصل أنه يلزم الجمع بين جزء من الليل مع جزء من النهار لمن وقف بالنهار وهو بأن يفيض بعد الغروب ، وملجؤه فعله صلى الله عليه وسلم . ووجه الاستدلال به مثل ما قلنا معه في أن أول الوقت من الزوال .

ويرد عليه هنا مثل ما أوردناه علينا من جهته هناك ، وهو أنه قد ثبت قول يفيد عدم تعين ذلك ، وبه يقع البيان كالفعل فتحمل الإفاضة بعد الغروب على أنه السنة الواجبة ، وقبله على أنه الركن بالقول المذكور مع ترك الواجب

التالي السابق


الخدمات العلمية