صفحة جزء
( وصفته أن يبتدئ من الميقات في أشهر الحج فيحرم بالعمرة ويدخل مكة فيطوف لها ويسعى ويحلق أو يقصر وقد حل من عمرته ) [ ص: 5 ] وهذا هو تفسير العمرة ، وكذلك إذا أراد أن يفرد بالعمرة فعل ما ذكرنا ، هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة القضاء . وقال مالك : لا حلق عليه ، إنما العمرة الطواف والسعي ، وحجتنا عليه ما روينا . وقوله تعالى { محلقين رءوسكم } الآية . نزلت في عمرة القضاء ; ولأنها لما كان لها تحرم بالتلبية كان لها تحلل بالحلق كالحج ( ويقطع التلبية إذا ابتدأ بالطواف ) وقال مالك رحمه الله : كلما وقع بصره على البيت ; لأن العمرة زيارة البيت وتتم به .

ولنا { أن النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة القضاء قطع التلبية حين استلم الحجر } ولأن المقصود هو الطواف فيقطعها عند افتتاحه ، ولهذا يقطعها الحاج عند افتتاح الرمي . قال ( ويقيم بمكة حلالا ) ; لأنه حل من العمرة ، قال ( فإذا كان [ ص: 6 ] يوم التروية أحرم بالحج من المسجد ) والشرط أن يحرم من الحرم أما المسجد فليس بلازم ; وهذا لأنه في معنى المكي ، وميقات المكي في الحج الحرم على ما بينا ( وفعل ما يفعله الحاج المفرد ) ; لأنه مؤد للحج إلا أنه يرمل في طواف الزيارة ويسعى بعده ; لأن هذا أول طواف له في الحج ، بخلاف المفرد ; لأنه قد سعى مرة ، ولو كان هذا المتمتع بعدما أحرم بالحج طاف وسعى قبل أن يروح إلى منى لم يرمل في طواف الزيارة ولا يسعى بعده ; لأنه قد أتى بذلك مرة ( وعليه دم المتمتع ) للنص الذي تلوناه ( فإن لم يجد صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله ) على الوجه الذي بيناه في القران ( فإن صام ثلاثة أيام من شوال ثم اعتمر لم يجزه عن الثلاثة ) ; لأن سبب وجوب هذا الصوم التمتع ; لأنه بدل عن الهدي وهو في هذه الحالة غير متمتع فلا يجوز أداؤه قبل وجود سببه ( وإن صامها ) بمكة ( بعدما أحرم بالعمرة قبل أن يطوف جاز عندنا ) خلافا للشافعي رحمه الله له قوله تعالى [ ص: 7 ] { فصيام ثلاثة أيام في الحج } ولنا أنه أداه بعد انعقاد سببه ، والمراد بالحج المذكور في النص وقته على ما بينا . ( والأفضل تأخيرها إلى آخر وقتها وهو يوم عرفة ) لما بينا في القران .


( قوله : فيطوف لها ويسعى إلخ ) لم يذكر طواف القدوم ; لأنه ليس للعمرة طواف قدوم ولا صدر [ ص: 5 ] وذكر من الصفة الحلق أو التقصير فظاهره لزوم ذلك في التمتع وليس كذلك ، بل لو لم يحلق حتى أحرم بالحج وحلق بمنى كان متمتعا وهو أولى بالتمتع ممن أحرم بالحج بعد طواف أربعة أشواط للعمرة على ما ذكرناه آنفا . ( قوله هكذا فعل إلخ ) أما أن أفعال العمرة ما ذكر غير الحلق أو التقصير فضروري لا يحتاج إلى بيان . وأما أن منها الحلق أو التقصير خلافا لمالك رحمه الله فيدل عليه ما قدمناه في بحث القران من حديث معاوية { قصرت عن رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشقص } ومعلوم أن التقصير عند المروة لا يكون إلا في عمرة غير أن عند البخاري ومسلم : { قصرت أو رأيته يقصر عن رأسه } فإن كان الواقع الأول تعين كونها عمرة الجعرانة كما قدمناه ، وإن كان الثاني لم يلزم وهو حجة على مالك رحمه الله ( قوله : وقال مالك كما وقع بصره على البيت ) وعنه كما رأى بيوت مكة . ولنا ما روى الترمذي عن ابن عباس { أنه عليه الصلاة والسلام كان يمسك عن التلبية في العمرة إذا استلم } وقال : حديث صحيح .

ورواه أبو داود ولفظه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال { يلبي المعتمر حتى يستلم الحجر } ( قوله : ولهذا يقطعها الحاج إلخ ) إنما تتم هذه الملازمة لو كان الرمي هو المقصود في الحج وهو منتف ، بل المقصود الوقوف والطواف . فالصواب في التقرير على رأينا أن يقال : كما لم تقطع التلبية في الحج قبل الشروع في الأفعال ، [ ص: 6 ] كذا لا تقطع في العمرة قبله فبطل قولكم بقطعها قبل الطواف . وعلى رأيه بطريق الإلزام أن يقال : كما أنها لم تقطع في الحج إلا عند الشروع في المقاصد ، وهو الوقوف عندك يجب في العمرة أن لا تقطع إلا عند الشروع في مقاصدها وهو الطواف .

( قوله : والمسجد ليس بلازم ) بل هو أفضل ، ومكة أفضل من غيرها من الحرم ، والشرط الحرم ( قوله : وفعل ما يفعله الحاج المفرد ) إلا طواف التحية ; لأنه في حكم أهل مكة ولا طواف قدوم عليهم ( قوله : ولو كان هذا المتمتع بعدما أحرم بالحج طاف ) أي للتحية ( وسعى قبل أن يروح إلى منى لم يرمل في طواف الزيارة ) سواء كان رمل في طواف التحية أو لا ( ولا يسعى بعده ; لأنه قد أتى بالسعي مرة ) قيل هذا دليل على أن طواف التحية مشروع للتمتع حتى اعتبر سعيه عقيبه . ا هـ . ولا يخلو من شيء ، فإن الظاهر أن المراد أنه إذا طاف ثم سعى أجزأه عن السعي لا أنه يشترط للإجزاء اعتباره طواف تحية ، بل المقصود أن السعي لا بد أن يترتب شرعا على طواف ، فإذا فرضنا أن المتمتع بعد إحرام الحج تنفل بطواف ثم سعى بعده سقط عنه سعي الحج ، ومن قيد إجزاءه بكون الطواف المقدم طواف تحية فعليه البيان .

( قوله : فلا يجوز أداؤه قبل وجود سببه ) فالشرط فيها أن يكون محرما بالعمرة في أشهر الحج مثل ما ذكرناه في القران وإلى آخر ما ذكرناه فيه ( قوله : خلافا للشافعي ) فإنه لا يجزئه إلا بعد إحرام الحج [ ص: 7 ] قوله : لأنه أداه بعد انعقاد سببه ) لا شك أن سببه التمتع اللغوي الذي هو الترفق ; لترتيبه على التمتع في النص ، ومأخذ الاشتقاق علة للمرتب ، والعمرة في أشهر الحج هي السبب فيه ; لأنها التي بها يتحقق الترفق الذي كان ممنوعا في الجاهلية وهو معنى التمتع لا أن الحج معتبر جزء السبب بناء على إرادة التمتع في عرف الفقه لوجهين : أحدهما جعل الحج غاية لهذا التمتع حيث قال { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج } فكان المفاد ترفق بالعمرة في أشهر الحج ترفقا غايته الحج ، وإلا كان ذكر التمتع ذكرا للحج من عامه فلم يحتج إلى ذكره . والثاني أنه على ذلك التقرير كان يلزم أن لا يجوز صوم الثلاثة إلا بعد الفراغ كالسبعة لكنه سبحانه فصل بينهما فجعل الثلاثة في الحج : أي وقته ، والسبعة بعد الفراغ ، فعلم أنه لم يعتبر في السبب المجوز للصوم تحقق حقيقة التمتع بالمعنى الفقهي بل الترفق بالعمرة في أشهر الحج لكن لا مطلقا ، بل المقيد بكون غايته الحج من عامه لا على اعتبار القيد جزءا من السبب أو شرطا في ثبوت سببيته وإلا لزم ما ذكرنا من امتناع الصوم قبل الفراغ وهو منتف ، فكان السبب المقيد لا يشترط قيده في السببية فإذا صام بعد إحرام العمرة في أشهر الحج ثم حج من عامه ظهر أنه صام بعد السبب وفي وقته ، بخلاف ما إذا لم يحج من عامه ; لأنه لم يظهر وقوعه بعد المقيد ، ومثل هذا جائز إذا أمكن وقد أمكن ، وسببه تراخي القيد عنه في الوجود ، أما السبعة فإن السبب وإن تحقق بعد إحرام العمرة لكن لم يجئ وقتها ; لأن الإيجاب معلق بالرجوع ، فالصوم قبله قبل وقته وإن كان بعد السبب .

واعلم أن مقتضى هذا عدم الجواز قبل الفراغ من العمرة ; لأن التمتع : أعني الترفق بالعمرة لا يتحقق بمجرد الإحرام بها ، لكن الحكم هو الجواز بمجرد الإحرام كأنه لثبوت عدم القدرة على الخروج [ ص: 8 ] عن الإحرام بلا فعل وفيه إقناع إلا أن يستلزم خلافه إحداث قول ثالث فيتم المراد .

التالي السابق


الخدمات العلمية