صفحة جزء
[ ص: 42 ] فصل ( فإن نظر إلى فرج امرأته بشهوة فأمنى لا شيء عليه ) ; لأن المحرم هو الجماع ولم يوجد فصار كما لو تفكر فأمنى ( وإن قبل أو لمس بشهوة فعليه دم ) وفي الجامع الصغير يقول : إذا مس بشهوة فأمنى ، ولا فرق بين ما إذا أنزل أو لم ينزل ذكره في الأصل . وكذا الجواب في الجماع فيما دون الفرج . وعن الشافعي أنه إنما يفسد إحرامه في جميع ذلك إذا أنزل واعتبره بالصوم . [ ص: 43 ] ولنا أن فساد الحج يتعلق بالجماع ولهذا لا يفسد بسائر المحظورات ، وهذا ليس بجماع مقصود فلا يتعلق به ما يتعلق بالجماع إلا أن فيه معنى الاستمتاع والارتفاق بالمرأة وذلك محظور الإحرام فيلزمه الدم بخلاف الصوم ; لأن المحرم فيه قضاء بالشهوة ، ولا يحصل بدون الإنزال فيما دون الفرج .


[ ص: 42 ] ( فصل ) قدم النوع السابق على هذا ; لأنه كالمقدمة له ، إذ الطيب وإزالة الشعر والظفر مهيجات للشهوة لما تعطيه من الراحة والزينة ( قوله : ولا فرق بين ما إذا أنزل أو لم ينزل ) مخالف لما صحح في الجامع الصغير لقاضي خان من اشتراط الإنزال . قال : ليكون جماعا من وجه ، موافق لما في المبسوط حيث قال : وكذلك إذا لم ينزل : يعني يجب الدم عندنا خلافا للشافعي في قول قياسا على الصوم فإنه لا يلزمه شيء إذا لم ينزل بالتقبيل ، لكنا نقول : الجماع فيما دون الفرج من جملة الرفث فكان منهيا عنه بسبب الإحرام . وبالإقدام عليه يصير مرتكبا محظور إحرامه . ا هـ . وقد يقال : إن كان الإلزام للنهي فليس كل نهي يوجب كالرفث ، وإن كان للرفث فكذلك إذ أصله الكلام في الجماع بحضرتهن وليس ذلك موجبا شيئا .

( قوله : في جميع ذلك ) ظاهره إرادة المس بشهوة والقبلة بشهوة والجماع فيما دون الفرج . والمفاد حينئذ بالتركيب المذكور : أعني قوله إنما يفسد إحرامه في جميع ذلك إذا أنزل أنه إذا أنزل يفسد إحرامه ، وإذا لم ينزل لم يلزمه دم ; وهذا لأنه لو أريد مجرد معنى الجملة الأول وهو إذا أنزل يفسد كان لفظ [ ص: 43 ] إنما لغوا ، إذ هذا المعنى ثابت مع الاقتصار على قوله وقال الشافعي : يفسد في جميع ذلك إذا أنزل ، فالمعنى ما ذكرنا ، وتحقيقه أنه قصر الصور المذكورة على حكم هو الفساد إذا أنزل ، وفيه تقديم وتأخير ، والأصل إنما في جميع تلك الصور فساد الإحرام بالإنزال ، وهو معنى قولنا : لا حكم فيها إلا الفساد بالإنزال ، فيفيد مجموع الأمرين من الفساد بالإنزال ، وعدم وجوب شيء عند عدم الإنزال ; لأنه لم يجعل فيها حكما سوى ما ذكر ، ثم مذهب الشافعي هو مجموع الأمرين في قوله بالصوم صالح لإثباتهما معا فيحمل عليه ، وعادتهم نصب الخلاف باعتبار قول ثم قصد المصنف اتباع ما في المبسوط ، والذي فيه ما علمت من قوله خلافا للشافعي في قول قياسا على الصوم فإنه لا يلزمه شيء إذا لم ينزل ، ثم ذكر المصنف الفرق الذي ذكره ، وعلى المصنف على هذا أن يتعرض في تقرير المذهب للطرفين ويمكن تحميله لكلامه ، فالتعرض للأول بقوله : ( ولنا أن فساد الإحرام يتعلق بالجماع ) يعني إنما يتعلق به ثم استدل على هذا بعدم فساد شيء من المحظورات بقوله : ( ولهذا لا يفسد بسائر المحظورات ) .

وتفصيله أن المعلوم أن سائرها لا يفسد بمباشرتها الإحرام ، والنص ورد به في الجماع بصورته ، فإنه صلى الله عليه وسلم إنما سئل عن الجماع ومطلقه ينصرف إلى ما هو بالصورة الخاصة فيتعلق الجواب بالفساد بحقيقته ، ولولا ذلك النص لم نقل بأن الجماع أيضا مفسد ; ولأن أقصى ما يجب في الحج القضاء وفي الصوم الكفارة فكانا متوازيين ، والكفارة في الصوم لا تجب بالإنزال مع المس ، فكذا قضاء الحج ، وعدم وجوب القضاء حكم عدم الفساد فيثبت عدمه وهو المطلوب ، والتعرض للثاني بقوله : ( إلا أن فيه معنى الاستمتاع إلخ ) .

وجهه أن مرجع ضمير فيه لفظ جميع ذلك ، والمراد به ما قلنا من المس بشهوة والتقبيل والجماع فيما دون الفرج لا بقيد الإنزال كما يفيد لفظ النهاية . وإلا لم يكن لقوله بعد ذلك إذا أنزل معنى ، وكان ينحل إلى قولنا في المس بشهوة مع الإنزال إذا أنزل . فالحاصل من العبارة إلى قوله فيما دون الفرج إلا أن في المس بشهوة والتقبيل والوطء فيما دون الفرج استمتاعا بالمرأة أعم من كونه مع إنزال أو لا ، وذلك محظور إحرامه فيلزم الدم ، بخلاف الصوم الذي قست عليه عدم لزوم شيء إذا لم ينزل والفساد إذا أنزل ; لأن المحرم فيه قضاء الشهوة فلا يحصل المحرم فيه فيما دون الفرج إلا بالإنزال ، ثم إنما يفسد عنده ; لأن تحريمه بسبب كونه تفويتا للركن الذي هو الكف عن قضاء الشهوة من المرأة وقبله لم يوجد محرم أصلا ، بل الثابت فعل مكروه فلا يوجب شيئا بخلاف ما نحن فيه فإن بالاستمتاع [ ص: 44 ] بلا إنزال يحصل محظور الإحرام فيستعقب الجزاء ، ومع الإنزال يثبت الفساد بالنص .

التالي السابق


الخدمات العلمية