صفحة جزء
( ومن طاف لعمرته وسعى على غير وضوء وحل فما دام بمكة يعيدهما ولا شيء عليه ) أما إعادة الطواف فلتمكن النقص فيه بسبب الحدث . وأما السعي فلأنه تبع للطواف ، وإذا أعادهما لا شيء عليه لارتفاع النقصان ( وإن رجع إلى أهله قبل أن يعيد فعليه دم ) لترك الطهارة فيه ، ولا يؤمر بالعود لوقوع التحلل بأداء الركن إذ النقصان يسير ، وليس عليه في السعي شيء ; لأنه أتى به على أثر طواف معتد به ، وكذا إذا أعاد الطواف ولم يعد السعي في الصحيح .


( قوله : وليس عليه لترك السعي شيء ) عطف على قوله فعليه دم ، والمراد ليس عليه لترك جابر السعي شيء : أي لا يجب باعتبار مجرد السعي محدثا شيء ; لأنه لا تجب الطهارة فيه ، بل الواجب فيه الطهارة في الطواف الذي هو عقيبه وقد جبر ذلك بالدم إذ فوت ، وقدمنا أن شرط جواز السعي كونه بعد أكثر طواف ، والله أعلم . وما في البدائع من قوله لا يشترط له الطهارة ; لأنه نسك غير متعلق بالبيت ، إلا أنه يشترط أن يكون [ ص: 58 ] الطواف على طهارة من الجنابة والحيض ، إلى أن قال : والحاصل أن حصول الطواف على الطهارة عن الحيض والجنابة من شرائط جواز السعي تساهل وهذا بالاتفاق ، بخلاف ما إذا أعاد الطواف وحده ذكر فيه الخلاف وصحح عدم الوجوب وهو قول شمس الأئمة والمحبوبي .

وذهب كثير من شارحي الجامع الصغير إلى وجوب الدم بناء على انفساخ الأول بالثاني وإلا كانا فرضين أو الأول فلا يعتد بالثاني ولا قائل به فيلزم كون المعتبر الثاني فحينئذ وقع السعي قبل الطواف فلا يعتد به ، بخلاف ما إذا لم يعد فإنه لا يوجب انفساخ الأول . والجواب منع الحصر بل الطواف الثاني معتد به جابرا كالدم ، والأول معتد به في حق الفرض ، وهذا أسهل من الفسخ خصوصا وهو نقصان بسبب الحدث الأصغر . ومن واجبات الطواف ستر العورة والمشي ، وأن لا يكون منكوسا بأن يجعل البيت عن يمينه لا يساره . وكلها وإن تقدم ذكرها لكن لا قصدا بل في ضمن التعاليل . أما الستر فلما تقدم من قوله عليه الصلاة والسلام { ألا لا يطوفن بهذا البيت بعد العام مشرك ولا عريان } وأما المشي فلأن الراكب ليس طائفا حقيقة بل الطائف حقيقة مركوبه وهو في حكمه إذ كان حركته عن حركة المركوب ، وطوافه عليه الصلاة والسلام راكبا فيما ركب فيه قدمنا ما روي فيه من كلام الصحابة أنه كان ليظهر فيقتدى بفعله ، وهذا عذر أي عذر ، فإنه كان مأمورا بتعليمهم ، وهذا طريق ما أمر به فيباح له . ونحن نقول : إذا ركب من عذر فلا شيء عليه وإلا أعاده ، وإن لم يعده لزمه دم ، وكذا إذا طاف زحفا . ولو نذر أن يطوف زحفا وهو قادر على المشي لزمه أن يطوف ماشيا ; لأنه نذر العبادة بوجه غير مشروع فلغت وبقي النذر بأصل العبادة كما إذا نذر أن يطوف للحج بلا طهارة ، ثم إن طاف زحفا أعاده ، فإن رجع إلى أهله ، ولم يعده فعليه دم ; لأنه ترك الواجب كذا ذكر في الأصل .

وذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي أنه إذا طاف زحفا أجزأه ; لأنه أدى ما أوجب على نفسه كمن نذر أن يصلي في أرض مغصوبة أو يصوم يوم النحر فإنه يجب عليه أن يصلي في موضع آخر ويصوم يوما آخر ; ولو صلى في المغصوبة أو صام يوم النحر أجزأه وخرج عن عهدة النذر ، كذا هذا ، هكذا حكي في البدائع . وسوقه يقتضي أن المذكور في شرح القاضي مخالف لما في الأصل ، وليس كذلك إلا لو صرح بنفي الدم ، وهو لم يذكر سوى الإجزاء ، وما في الأصل لا ينفيه ، ولو كان خلافا كان ما في الأصل هو الحق ; لأن الأصل أن العبادة متى شرع فيها جابر لتفويت شيء من واجباتها ففوت وجب الجبر ، وإن كان لو لم يجبر صحت كالصلاة بالسجود في السهو وبالإعادة في العمد ، فقد قلنا : كل صلاة أديت مع كراهة التحريم يجب إعادتها ، وباب الحج مما تحقق فيه ذلك فيجب الجبر أولا بجنسه إذا فوت واجبه ، فإن لم يعد وجب الجابر الآخر وهو الدم ، بخلاف الصوم فإنه لم يتحقق فيه جبر ، وبخلاف الصلاة في الأرض المغصوبة فإن عدم حل الصلاة فيها ليس من واجبات الصلاة بل الواجب عدم الكون فيها مطلقا في الصلاة وغيرها .

وأما جعل البيت عن يساره فاختلف فيه ، والأصح الوجوب بفعله عليه الصلاة والسلام كذلك على سبيل المواظبة من غير ترك في الحج وجميع عمره مع ما ذكرنا أن ما فعله عليه الصلاة والسلام في موضع التعليم يحمل على الوجوب إلى أن يقوم دليل على عدمه خصوصا اقتران ما فعله في الحج بقوله { خذوا عني مناسككم } فعليه أن يعيد ، فإن لم يعد حتى رجع إلى أهله لزمه دم . وأما الافتتاح من الحجر ففي ظاهر الرواية هو سنة يكره تركها . وذكر محمد في الرقيات : لا يعتد بذلك الشوط إلى أن يصل إلى [ ص: 59 ] الحجر فيعتبر ابتداء الطواف منه ، وقدمنا فيما سلف أنه ينبغي أن يكون واجبا إذ لا فرق بينه وبين جعلالبيت عن يساره في الدليل ، وجعل البيت عن يسار الطائف واجب ، فكذا ابتداء الطواف من الحجر واجب ألبتة .

التالي السابق


الخدمات العلمية