صفحة جزء
( والهدي لا يذبح إلا بمكة ) لقوله تعالى { هديا بالغ الكعبة } ( ويجوز الإطعام في غيرها ( جزاء صيد المحرم بمكة ) ) خلافا للشافعي رحمه الله . هو يعتبره بالهدي والجامع التوسعة على سكان الحرم ، ونحن نقول : الهدي قربة غير معقولة فيختص بمكان أو زمان . أما الصدقة قربة معقولة في كل زمان ومكان ( والصوم يجوز في غير مكة ) ; لأنه قربة في كل مكان ( فإن ذبح الهدي بالكوفة أجزأه عن الطعام ) معناه إذا تصدق باللحم وفيه وفاء بقيمة الطعام ; لأن الإراقة لا تنوب عنه . وإذا وقع الاختيار على الهدي يهدي ما يجزيه في الأضحية [ ص: 79 ] لأن مطلق اسم الهدي منصرف إليه . وقال محمد والشافعي : يجزي صغار النعم فيها ; لأن الصحابة رضي الله عنهم أوجبوا عناقا وجفرة .

وعند أبي حنيفة وأبي يوسف يجوز الصغار على وجه الإطعام : يعني إذا تصدق . وإذا وقع الاختيار على الطعام يقوم المتلف بالطعام عندنا ; لأنه هو المضمون فتعتبر قيمته ( وإذا اشترى بالقيمة طعاما تصدق على كل مسكين نصف صاع من بر أو صاعا من تمر أو شعير ، ولا يجوز أن يطعم المسكين أقل من نصف صاع ) ; لأن [ ص: 80 ] الطعام المذكور ينصرف إلى ما هو المعهود في الشرع ( وإن اختار الصيام يقوم المقتول طعاما ثم يصوم عن كل نصف صاع من بر أو صاع من تمر أو شعير يوما ) ; لأن تقدير الصيام بالمقتول غير ممكن إذ لا قيمة للصيام فقدرناه بالطعام ، والتقدير على هذا الوجه معهود في الشرع كما في باب الفدية ( فإن فضل من الطعام أقل من نصف صاع فهو مخير إن شاء تصدق به ، وإن شاء صام عنه يوما كاملا ) ; لأن الصوم أقل من يوم غير مشروع ، وكذلك إن كان الواجب دون طعام مسكين يطعم قدر الواجب أو يصوم يوما كاملا لما قلنا .


( قوله : ونحن نقول إلخ ) وذلك أنه لما عين الهدي أحد الواجبات علم أنه ليس المراد مجرد التصدق باللحم وإلا لحصل التصدق بالقيمة أو بلحم يشتريه ، بل المراد التقرب بالإراقة مع التصدق بلحم القربان ، وهو تبع متمم لمقصوده فلا ينعدم الإجزاء بفواته عن ضرورة ، فلذا لو سرق بعد الإراقة أجزأه ، بخلاف ما لو سرق قبلها أو ذبح بالكوفة فسرق لا يجزيه ; لأن القربة هناك لا تحصل إلا بالتصدق لاختصاص قربة الإراقة بمكان مخصوص أعني الحرم ، ولا يتصدق بشيء من الجزاء على من لا تقبل شهادته له ويجوز على أهل الذمة والمسلم أحب ، ولو أكل من الجزاء غرم قيمة ما أكل .

( قوله : وإذا وقع الاختيار على الهدي يهدي ما يجزي في الأضحية ) حتى لو لم تبلغ قيمة المقتول إلا عناقا أو حملا كفر بالإطعام أو الصوم لا بالهدي ، ولا يتصور التكفير بالهدي إلا أن تبلغ قيمته جذعا عظيما من الضأن أو ثنيا من غيره ، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف ، وعند محمد رحمه الله يكفر بالهدي وإن لم يبلغ ذلك ، ومنهم من جعل قول [ ص: 79 ] أبي يوسف كقول محمد ; لأن الصحابة أوجبوا عناقا وجفرة على ما ذكرناه من قريب . وأبو حنيفة يقول : المنصوص عليه الهدي ومطلقه في الشرع ينصرف إلى ما يبلغ ذلك السن ; لأنه المعهود من إطلاقه في هدي المتعة والقران والأضحية فيحمل عليه . وإنما يراد به غير ما ذكرنا مجازا فيتقيد جواز اعتباره بالقرينة كما لو قال ثوبي هدي لزمه الثوب لتقيد الهدي بذكره ، ولذا لو قال : إن فعلت كذا فعلي هدي لزمه شاة . ثم إذا اختار الهدي وبلغ ما يضحي به قال المصنف لا يذبح إلا بمكة ، يريد الحرم مطلقا ، ولو ذبحه في الحل لا يجزيه من الهدي بل من الإطعام فيشترط أن يعطي كل فقير قدر قيمة نصف صاع حنطة أو صاع من غيرها ، فإن كانت قيمة اللحم مثل قيمة المقتول أجزأه وإلا فيكمل ، ويجوز أن يتصدق بالشاة الواقعة هديا على مسكين واحد كما في هدي المتعة .

( قوله : وعند أبي حنيفة وأبي يوسف : يجوز الصغار على وجه الإطعام إلخ ) يتضمن جوابهما : يعني أن المنفي وقوع الصغار هديا تتعلق القربة فيه بنفسه بمجرد الإراقة لا جوازها مطلقا بل نجيزها باعتبار القيمة إطعاما فيجوز كون حكم الصحابة كان على هذا الاعتبار في الصغار ، فمجرد فعلهم ذلك حينئذ لا ينافي ما ذهب إليه فلا ينتهض عليه ، وأما صيرورة ولد الهدي هديا فللتبعية كولد الأضحية . ( قوله : عندنا ) قيد بالظرف لنفي قول محمد إنه يقوم النظير على ما ذكر ; لأنه الواجب عينا إذا كان للمقتول نظير . وقوله : ( لأنه ) راجع إلى المتلف : يعني المتلف ( هو المضمون ) فلا معنى لتقوم غيره لجبره ، ولو سلم أن النظير هو الواجب عينا عند اختيار الهدي لم يلزم منه وجوب تقويمه عند اختيار خصلة أخرى فكيف وهو ممنوع ( قوله : ولا يجوز أن يطعم المسكين أقل من نصف صاع ) ولا يمنع أن يعطيه أكثر ، ولو كان كل الطعام ، غير أنه إن فعل أجزأ عن إطعام مسكين نصف صاع وعليه أن يكمل بحسابه ويقع الباقي تطوعا ، بخلاف الشاة [ ص: 80 ] في الهدي بناء على أن أصل القربة قد حصلت بالإراقة وإطعامه تبع متمم له .

التالي السابق


الخدمات العلمية