صفحة جزء
[ ص: 82 ] ( وليس في قتل الغراب والحدأة والذئب والحية والعقرب والفأرة والكلب العقور جزاء ) ; لقوله صلى الله عليه وسلم : { خمس من الفواسق يقتلن في الحل والحرم ، الحدأة والحية والعقرب ، والفأرة والكلب العقور } وقال صلى الله عليه وسلم { يقتل المحرم الفأرة والغراب والحدأة والعقرب والحية والكلب العقور } وقد ذكر الذئب في بعض الروايات . وقيل المراد بالكلب العقور الذئب ، أو يقال إن الذئب في معناه ، [ ص: 83 ] والمراد بالغراب الذي يأكل الجيف ويخلط ; لأنه يبتدئ بالأذى ، أما العقعق فغير مستثنى ; لأنه لا يسمى غرابا ولا يبتدئ بالأذى . وعن أبي حنيفة رحمه الله أن الكلب العقور وغير العقور والمستأنس والمتوحش منهما سواء ; لأن المعتبر في ذلك الجنس ، [ ص: 84 ] وكذا الفأرة الأهلية والوحشية سواء . والضب واليربوع ليسا من الخمس المستثناة ; لأنهما لا يبتدئان بالأذى .


( قوله وليس في قتل الغراب ) لم يقل ليس في قتل المحرم إلخ جزاء ، بل أطلق نفي الجزاء في قتلهن ; ليفيد أنه لا يستعقب جزاء في الحرم ولا في الإحرام ، فلهذا استدل بما يفيد إباحة قتلهن في الحرم وبما يفيد في الإحرام ، فالأول هو ما في الصحيحين من قوله عليه الصلاة والسلام { خمس من الفواسق يقتلن في الحل والحرم : الغراب والحدأة ، والعقرب والفأرة ، والكلب العقور } وفي لفظ لمسلم " الحية " عوض العقرب ، وقال فيه : { الغراب الأبقع } . والثاني ما في الصحيحين عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح : العقرب والفأرة ، والكلب العقور ، والغراب والحدأة } وأخرجاه أيضا عن ابن عمر قال : حدثتني إحدى نسوة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " يقتل المحرم " فذكر الخمسة ، وزاد فيه مسلم " والحية " قال : وفي الصلاة أيضا . وروى أبو داود عن أبي سعيد الخدري { سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يقتل المحرم ؟ قال : يقتل الحية والعقرب ، والفويسقة والكلب العقور ، والحدأة والسبع العادي ، ويرمي الغراب ولا يقتله } ولم يذكر فيه الترمذي السبع العادي ، وقال : حديث حسن ، وحمل الغراب المنهي عن قتله هنا على غير الأبقع وهو الذي يأكل الزرع كما ذكره المصنف ، وإنما يرميه ; لينفره عن الزرع .

وأخرج الدارقطني عن ابن عمر قال { أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المحرم بقتل الذئب والفأرة والحدأة والغراب } وفيه الحجاج بن أرطاة ، ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه مقتصرا على الذئب ، وأخرج نحوه عن عمر وابن عمر ، وأخرج عن عطاء قال : يقتل المحرم الذئب وكل عدو ، ولم يذكر في الكتاب ، وهذا ما قال المصنف ، وذكر الذئب في بعض الروايات . وأخرج الطحاوي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو حديث مالك والليث إلا أنه قال فيه : { والحية والذئب والكلب العقور } . وقال السرقسطي في غريبه : الكلب العقور يقال لكل عاقر حتى اللص المقاتل . ( قوله : وقيل المراد بالكلب العقور الذئب ) وقيل المراد به الأسد ، أسنده السرقسطي عن أبي هريرة قال : حدثنا محمد بن علي قال : حدثنا سعيد بن منصور ، حدثنا حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم عن ابن سيلان عن أبي هريرة أنه قال : الكلب العقور : الأسد . ( قوله : أو يقال إن الذئب في معناه ) يعني [ ص: 83 ] فيلحق به دلالة ، ولا بد من تعيين ذلك الموجب للإلحاق في الدلالة .

والذي يدور عليه كلامه هو كونهن مبتدئات بالأذى ، وضم غيره إلى ذلك مخالطتها : يعني كونها تعيش بالاختطاف والانتهاب ، وسنذكر لهذا إتماما إن شاء الله تعالى . ( قوله : لأن المعتبر في ذلك الجنس ) وإن كان وصفه بالعقور إيماء إلى العلة لما روى أبو داود في المراسيل ، وذكر الكلب من غير وصفه بالعقور فعلم أن المراد الجنس ، والذي ذكر وصفه بالعقورية يراد به الكلب الوحشي ; لأنه يكون عقورا مبتدئا بالأذى ، فأفاد أنه وإن كان صيدا لا شيء فيه ; لكونه عقورا ، ويكون ما في المراسيل تعميم النوع بنفي الجزاء ; لأن أحد صنفيه مؤذ وهو الصيد ، والآخر ليس بصيد أصلا ، إلا أن هذا يقتضي أن يكون بعض النوع الواحد وحشيا وبعضه لا . فإن استبعد ذلك وادعي أن كل نوع فطرته في الوحشية وعدمها شاملة ، لكل أفراده ثم يعرض لبعضها خلاف الطبع الأصلي من التوحش والاستئناس . قلنا على التنزل نختار أن جنس الكلب غير وحشي ، وإن وجد منه وحشي فالتوحش عارض له فاقتضى أن لا يجب بقتل شيء منه جزاء .

وفائدة التنصيص على وصف بخصوصه بنفي الجزاء : أعني ما هو معروض التوحش دفع توهم أنه وحشي بالأصالة فيجب بقتله الجزاء ، وأنه لو كان وحشيا لم يكن فيه شيء لكونه عقورا ، على أن الحق جواز الانقسام . وقولهم [ ص: 84 ] الفأرة الوحشية والأهلية يفيده ، وهذا كله إذا حكم بإرادة حقيقة الكلب ، أما إذا قيل بأن المراد من الكلب العقور الذئب أو الأسد فلا إشكال حينئذ ، إلا أنه يجب أن يحمل الأسد المحكوم عليه بأنه هو المراد بالكلب العقور على الأسد العادي عندهم ; لأنهم يوجبون الجزاء بقتل الأسد إذا لم يصل ، ويدل على هذه الإرادة ما ذكرناه من حديث الترمذي وأبي داود . ( قوله : وكذا الفأرة الأهلية والوحشية ) لوجود المبيح في الوحشية وهو فسقها ، والسنور كذلك في رواية الحسن عن أبي حنيفة ، وفي رواية هشام عن محمد : ما كان منه بريا فهو متوحش كالصيود يجب بقتله الجزاء .

التالي السابق


الخدمات العلمية