صفحة جزء
[ ص: 109 ] باب مجاوزة الوقت بغير إحرام ( وإذا أتى الكوفي بستان بني عامر فأحرم بعمرة ، فإن رجع إلى ذات عرق ولبى بطل عنه دم الوقت ، وإن رجع إليه ولم يلب حتى دخل مكة وطاف لعمرته فعليه دم ) وهذا عند أبي حنيفة ، وقالا : إن رجع إليه محرما فليس عليه شيء لبى أو لم يلب . وقال زفر : لا يسقط لبى أو لم يلب لأن جنايته لم ترتفع بالعود وصار كما إذا أفاض من عرفات ثم عاد إليه بعد الغروب . ولنا أنه تدارك المتروك في أوانه وذلك قبل الشروع في الأفعال فيسقط الدم ، بخلاف الإفاضة ; لأنه لم يتدارك المتروك على ما مر . غير أن التدارك عندهما بعوده محرما ; لأنه أظهر حق الميقات كما [ ص: 110 ] إذا مر به محرما ساكنا .

وعنده رحمه الله بعوده محرما ملبيا ; لأن العزيمة في الإحرام من دويرة أهله ، فإذا ترخص بالتأخير إلى الميقات وجب عليه قضاء حقه بإنشاء التلبية فكان التلافي بعوده ملبيا ، وعلى هذا الخلاف إذا أحرم بحجة بعد المجاوزة مكان العمرة في جميع ما ذكرنا . ولو عاد بعدما ابتدأ بالطواف ، واستلم الحجر لا يسقط عنه الدم بالاتفاق ، ولو عاد إليه قبل الإحرام يسقط بالاتفاق ( وهذا ) الذي ذكرنا ( إذا كان يريد الحج أو العمرة ، [ ص: 111 ] فإن دخل البستان لحاجة فله أن يدخل مكة بغير إحرام ، ووقته البستان ، وهو وصاحب المنزل سواء ) ; لأن البستان غير واجب التعظيم فلا يلزمه الإحرام بقصده ، وإذا دخله التحق بأهله ، وللبستاني أن يدخل مكة بغير إحرام للحاجة فكذلك له .

والمراد بقوله ووقته البستان جميع الحل الذي بينه وبين الحرم وقد مر من قبل ، فكذا وقت الداخل الملحق به ( فإن أحرما من الحل ووقفا بعرفة لم يكن عليهما شيء ) يريد به البستاني والداخل فيه ; لأنهما أحرما من ميقاتهما .


[ ص: 108 ] باب مجاوزة الوقت بغير إحرام ) فصله عن الجنايات وأخره ; لأن المتبادر من اسم الجنايات في كتاب الحج ما يقع جناية على الإحرام وهي [ ص: 109 ] ما تكون مسبوقة به ، وهذه الجناية قبله ولا تبادر أيضا . ثم تحقيق ما تقع عليه هذه الجناية أمران : البيت ، والإحرام لا الميقات ، فإنه لم يجب الإحرام منه إلا لتعظيم غيره . فالحاصل أنه أوجب تعظيم البيت بالإحرام من المكان الذي عينه ، فإذا لم يحرم منه كان مخلا بتعظيمه على الوجه الذي أوجبه فيكون جناية على البيت ونقصا في الإحرام ; لأنه لما وجب عليه أن ينشئه من المكان الأقصى فلم يفعل فقد أوجده ناقصا . ( قوله : فإن رجع إلى ذات عرق ) ليس بقيد بل بناء على الظاهر من أنه إذا تدارك بالرجوع فإنما يرجع إلى ميقاته الذي جاوزه ، وإلا فظاهر الرواية أنه لا فرق بين أن يرجع إلى ميقاته أو إلى ميقات آخر من مواقيت الآفاقيين . وعن أبي يوسف : إن كان الذي رجع إليه محاذيا لميقاته أو أبعد منه فكميقاته ، وإلا لم يسقط الدم بالرجوع إليه ، والصحيح ظاهر الرواية ; لما قدمناه أن كلا من المواقيت ميقات لأهله ولغير أهله بالنص مطلقا بلا اعتبار المحاذاة .

والحاصل أن الآفاقي إذا وصل إلى ميقات من مواقيت الآفاقيين فإما أن يكون بعد ميقات آخر في طريقه أو لا . فإن كان جاز له مجاوزته إلى الميقات الأخير ، وإن لم يكن وجب عليه الإحرام منه كالميقات الأخير . فإن لم يحرم حتى جاوزه ، فإن عاد قبل استلام الحجر إلى الميقات فلبى عنده سقط عنه دم المجاوزة اتفاقا . وإن لم يلب لا يسقط عند أبي حنيفة . عندهما يسقط ، وإن لم يلب ، وعند زفر لا يسقط وإن لبى فيه . ( قوله : بخلاف الإفاضة فإنه لم يتدارك المتروك ) ; لأن الواجب عليه [ ص: 110 ] إذا وقف نهارا إما الكون بها وقت الغروب أو مده إلى الغروب على حسب اختلافهم على ما قدمناه .

وبالعود بعد الغروب لم يتدارك واحد منهما ، أما ما نحن فيه فالواجب التعظيم بالكون محرما في الميقات ; ليقطع المسافة التي بينه وبين مكة متصفا بصفة الإحرام ، وهذا حاصل بالرجوع محرما إليه . وعلى هذا الوجه لا تجب التلبية فيه ، إلا أن أبا حنيفة ألزم ; لسقوط الدم التلبية تحصيلا للصورة بالقدر الممكن ، وفي صورة إنشاء الإحرام لا بد من التلبية أو ما يقوم مقامها ، وكذا إذا أراد أن يجبره ، بخلاف ما إذا رجع محرما حتى جاوز الميقات فلبى ثم رجع ومر به ولم يلب يجوز ; لأنه فوق الواجب عليه في تعظيم البيت .

( قوله : ولو عاد بعدما ابتدأ بالطواف ) ولو شوطا ( لا يسقط بالاتفاق ) ; لأن السقوط بالرجوع باعتبار مبتدإ الإحرام عند الميقات ، وهذا الاعتبار بعد الشروع في الأفعال يستلزم اعتبار بطلان ما وجد منه من الطواف ، ولا سبيل إليه بعد وقوعه معتدا به فكان اعتبارا ملزوما ; للفاسد وملزوم الفاسد فاسد ، وكذا إذا لم يعد حتى شرع في الوقوف بعرفة من غير أن يطوف ; لما ذكرناه بعينه . ( قوله : وهذا إذا أراد الحج أو العمرة ) يوهم ظاهره أن ما ذكرنا من أنه إذا جاوز غير محرم وجب الدم إلا أن يتلافاه محله ما إذا كان الكوفي قاصدا للنسك ، فإن لم يقصده بل قصد التجارة أو السياحة لا شيء عليه بعد الإحرام وليس كذلك ، [ ص: 111 ] بل يجب أن يحمل على أنه إنما ذكره بناء على أن الغالب في قاصدي مكة من الآفاقيين قصد النسك ، فالمراد بقوله إذا أراد الحج أو العمرة : إذا أراد مكة ، وذلك أنه إنما يريد بيان أن ما ذكره من لزوم الإحرام من الميقات إنما هو على من قصد مكة ، أما من قصد مكانا آخر من الحل داخل الميقات فلا يجب عليه الإحرام منه ; لتعظيم مكة ; لأن الإحرام منه ; لتعظيم مكة لا ; لتعظيم ذلك المكان ولا نفس الميقات ، ولذا قابل قوله وهذا إذا أراد الحج بقوله فإن دخل البستان لحاجة إلخ ، ثم موجب هذا الحمل أن جميع الكتب ناطقة بلزوم الإحرام على من قصد مكة سواء قصد النسك أو لا ، ويطول تفصيل المنقولات في ذلك ، وقد صرح به المصنف في فصل المواقيت حيث قال : ثم الآفاقي إذا انتهى إليها على قصد دخول مكة فعليه أن يحرم سواء قصد الحج أو العمرة أو لم يقصد عندنا ; لقوله عليه الصلاة والسلام : { لا يجاوز أحد الميقات إلا محرما } ولأن وجوب الإحرام ; لتعظيم هذه البقعة الشريفة فيستوي فيه التاجر والمعتمر وغيرهما ، ولا أصرح من هذا شيء بل ينبغي أن يعلم قصد الحرم في كونه موجبا ; للإحرام كقصد مكة .

( قوله : فإن دخل البستان إلخ ) اعلم أن عند أبي يوسف أنه إنما يجوز له المجاوزة بغير إحرام إذا كان على قصد أن يقيم بالبستان خمسة عشر يوما ، وإلا لم يجز بغير إحرام ; لأنه يبقى على حكم السفر الأول ولذا يقصر الصلاة ، والأول أوجه ; للمتأمل

التالي السابق


الخدمات العلمية