صفحة جزء
قال : ( والمحصر بالحج إذا تحلل فعليه حجة وعمرة ) هكذا روي عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم ، ولأن الحجة [ ص: 131 ] يجب قضاؤها لصحة الشروع فيها والعمرة لما أنه في معنى فائت الحج ( وعلى المحصر بالعمرة القضاء ) والإحصار عنها يتحقق عندنا . وقال مالك رحمه الله : لا يتحقق ; لأنها لا تتوقت . ولنا أن النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه رضي الله عنهم أحصروا بالحديبية وكانوا عمارا ; ولأن شرع التحلل لدفع الحرج وهذا موجود في إحرام العمرة ، وإذا تحقق الإحصار فعليه القضاء إذا تحلل كما في الحج .


( قوله : هكذا روي عن ابن عباس وابن عمر ) وذكره الرازي عن ابن عباس وابن مسعود ، ثم ذكر وجهه من القياس وهو على فائت الحج . وقد يورد عليه أن وجوب العمرة على فائت الحج إنما هو ; للتحلل بها ، والمحصر يتحلل بالهدي فلا تجب العمرة عليه . والجواب أن الهدي ; لتعجيل الإحلال قبل الأعمال ، وهذا ; لأنه قد تحقق من الشرع أنه متى صح الشروع في الإحرام انعقد لازما ولا يخرج عنه إلا بأداء الأفعال : أي أفعال حج أو عمرة ، حتى أنه إذا فاته ما أحرم به من الحج لم يسوغ خروجه إلا بأفعال هي أفعال عمرة ، وإذا أحرم بالحج ينوي الفرض ثم ظهر له أنه كان أداه لزمه المضي فيه ، بخلاف الصلاة والصوم حيث لا يلزم بالشروع فيه مظنون الوجوب .

، وإذا أفسده وجب المضي في الفاسد ولا يخرج عن عهدته إلا بالأفعال بخلاف سائر العبادات ، وإذا صح شروع المحصر لا يتحلل بمقتضى ما ذكرنا إلا بأفعال عمرة ، كفائت ; للحج فإنه عجز عن الإتمام بعد الشروع ، فإذا لم يفعل وجب أن يحكم بوجوب قضائها ردا إلى ما عهد من أمر الحج في الشرع ، وأن الدم وجب عليه بتعجيل الإحلال قبل الأعمال ، وهو لا ينفي بقاء ذلك الواجب ، وعن هذا [ ص: 131 ] قلنا : لو لم يحل حتى تحقق بوصف الفوات تحلل بالأفعال بلا دم ولا عمرة في القضاء ، ثم ما ذكرناه من وجوب الحجة والعمرة في القضاء على المحصر هو فيما إذا قضاها من قابل ، فلو قضى الحجة من عامه لا تجب معها عمرة ; لأنه لا يكون كفائت الحج كذا عن أبي حنيفة . وعنه لا يحتاج إلى نية التعيين إذا قضاها في تلك السنة ، ذكرهما محمد في الأصل .

وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه عليه حجة وعمرة في الوجهين وعليه نية القضاء ، وهو قول زفر ، وعلى هذا الاختلاف والتفصيل ما إذا أحرمت المرأة بحجة تطوع فمنعها زوجها وحللها ثم أذن لها بالإحرام فأحرمت من عامها أو تحولت السنة ، وإذا قضاهما من قابل إن شاء قرن بهما ، وإن شاء أفردهما . واعلم أن نية القضاء إنما تلزم إذا تحولت السنة اتفاقا فيما إذا كان الإحصار بحج نفل ، أما إذا كان بحجة الإسلام فلا ; لأنها قد بقيت عليه حين لم يؤدها فينوي حجة الإسلام من قابل . ( قوله : لأنها لا تتوقت ) فلا يتحقق خوف الفوات . قلنا خوف الفوات ليس هو المبيح ; للتحلل ، وإلا لم يجز التحلل ; لأنه إذا فاته الحج يتحلل بأفعال العمرة ، وذلك لا يفوت ، فعلم أن التحلل إنما أبيح ; لما قدمناه من ضرر امتداد الإحرام مع ظهور عجزه عن الأداء .

ومن فروع الإحصار بالعمرة : رجل أهل بنسك مبهم فأحصر قبل التعيين فعليه أن يبعث بهدي واحد ويقضي عمرة استحسانا . وفي القياس حجة وعمرة ; لأن إحرامه إن كان للحج لزماه فكان فيه الاحتياط لكنه استحسن المتيقن وهو العمرة فتصير هي دينا في ذمته ، وفيه نظر ; ولأنه كان متمكنا من الخروج عن هذا الإحرام بأداء عمرة فكذا بعده . وعن هذا أيضا قلنا : لو جامع قبل التعيين لزمه دم الجماع والمضي في أفعال العمرة وقضاؤها ، بخلاف ما لو كان عين نسكا فنسيه ثم أحصر ; لأن هناك تيقنا عدم نية الحج وهنا جاز كون المنوي كان الحج فيحل بهدي وعليه حجة وعمرة لهذا الاحتياط . ولو أحرم بشيئين والباقي بحاله فأحصر بعث بهديين ويقضي حجة وعمرتين استحسانا وقد قدمنا هذه .

التالي السابق


الخدمات العلمية