صفحة جزء
[ ص: 225 ] ( وإذا طلق امرأة طلاقا بائنا أو رجعيا لم يجز له أن يتزوج بأختها حتى تنقضي عدتها ) وقال الشافعي رحمه الله إن كانت العدة عن طلاق بائن أو ثلاث يجوز لانقطاع النكاح بالكلية إعمالا للقاطع ، ولهذا لو وطئها مع العلم بالحرمة يجب الحد . ولنا أن نكاح الأولى قائم لبقاء بعض أحكامه كالنفقة والمنع والفراش والقاطع تأخر عمله [ ص: 226 ] ولهذا بقي القيد ، والحد لا يجب على إشارة كتاب الطلاق ، وعلى عبارة كتاب الحدود يجب لأن الملك قد زال في حق الحل فيتحقق الزنا ولم يرتفع في حق ما ذكرنا فيصير جامعا .


( قوله لم يجز له أن يتزوج بأختها حتى تنقضي عدتها ) وفي المبسوط : لا تتزوج المرأة في عدة أختها من نكاح فاسد أو جائز عن طلاق بائن ( وقال الشافعي : إن كانت العدة عن طلاق بائن جاز ) وعلى هذا الخلاف تزوج أربع سوى المعتدة عن بائن ، وبقوله قال مالك ، وبقولنا قال أحمد وهو قول علي وابن مسعود وابن عباس ، ذكره سليمان بن يسار عنهم ، وبه قال سعيد بن المسيب وعبيدة السلماني ومجاهد والثوري والنخعي ، وروي مذهبه عن زيد بن ثابت إلا أن أبا يوسف ذكر في الأمالي رجوع زيد عن هذا القول ، وكذا ذكره الطحاوي .

حكي أن مروان شاور الصحابة في هذا فاتفقوا على التفريق بينهما ، وخالفهم زيد ثم رجع إلى قولهم . وقال عبيدة : ما اجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على شيء كاجتماعهم على تحريم نكاح الأخت في عدة الأخت والمحافظة على أربع قبل الظهر . ثم إن محل النزاع يتجاذبه أصلان : الطلاق الرجعي ، وما بعد انقضاء العدة ، فقاس البائن على الثاني بجامع انقطاع النكاح إعمالا للقاطع وهو الطلاق البائن . ويدل على انقطاعه أنه لو وطئها عالما بالحرمة حد . وقسنا على الأول بجامع قيام النكاح بناء على منع انقطاعه بالكلية ، وهذا لأنه ليس معنى قولنا النكاح قائم حال قيام العصمة والزوجية فضلا عن حالة وقوع الطلاق الرجعي إلا قيام أحكامه ، لأن لفظ تزوجت وزوجت تلاشى بمجرد انقضائه ، فقيامه بعده ليس إلا قيام حكمه الراجع إلى الاختصاص استمتاعا وإمساكا ، وقد بقي الإمساك والفراش في حق ثبوت النسب حال قيام عدة البائن فيبقى النكاح من وجه ، وإذا كان قائما من وجه حرم تزوج أختها وأربع سواها من وجه فتحرم مطلقا إلحاقا بالرجعي أو بما لا يحصى من الأصول التي اجتمع فيها جهتا تحريم وإباحة مع وجوب الاحتياط في أمر الفروج .

ويخص تزوج الأخت في عدة الأخت دلالة النص المانع من الجمع بين الأختين ، فإنه علل فيه بالقطيعة وهي هنا أظهر وألزم ، فإن مواصلة أختها في حال حبسها بلا استمتاع أغيظ لها من مواصلتها مع مشاركتها في المتعة . والفرع المستدل به على الانقطاع بالكلية ممنوع ، فإن الحد لا يجب على إشارة كتاب الطلاق حيث قال فيه : معتدة عن طلاق ثلاث جاءت بولد لأكثر من سنتين من يوم طلقها زوجها لم يكن الولد [ ص: 226 ] للزوج إذا أنكره .

ففيه دليل على أنه لو ادعى نسبه ثبت ، ويستلزم أن الوطء في عدة الثلاث ليس زنا مستعقبا لوجوب الحد وإلا لم يثبت نسبه ، فكان ذلك رواية في عدم الحد ، وإن سلم كما في عبارة كتاب الحدود فغاية ما يفيد انقطاع الحل بالكلية وقد قلنا به على ما ستسمعه . وإنما قلنا : إن أثر النكاح قائم من وجه وبه يقوم هو من وجه وبه تحرم الأخت من وجه وبه تحرم مطلقا . وفي المجتبى جواز نكاح الأخت في عدة الأخت يؤدي إلى جمع مائه في رحم أختين لجواز العلوق بعد النكاح ، ويثبت في المعتدة النسب إلى سنتين وهو ممتنع بالحديث ا هـ . يعني قوله صلى الله عليه وسلم { من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجمعن ماءه في رحم أختين } ومثله لو علقت المطلقة قبل الطلاق ثم دخل بأختها بعده يلزم ما ذكر أيضا .

[ فروع : الأول ]

إذا أخبر المطلق عن المطلقة أنها أخبرته أن عدتها انقضت فإما تحتمله المدة أو لا ، لا يصح نكاحه أختها في الثاني لأنه لا يقبل قولها ولا قوله إلا أن يفسره بما هو محتمل من إسقاط سقط مستبين الخلق . وفي الأول يصح نكاحه أختها سواء سكتت المخبر عنها أو صدقته أو كذبته أو كانت غائبة . وقال زفر : إذا كذبته لا يصح نكاحه أختها لأنها أمينة وقد قبل تكذيبها حتى استمرت نفقتها وثبت نسب ولدها إذا أتت به . ومن ضرورة ثبوت النسب والنفقة القول بقيام العدة وهو يستلزم بطلان النكاح . ولنا أنه أخبر عن أمر ديني بينه وبين الله تعالى وهو محتمل فيجب قبوله في الحال وتكذيبها لا ينفع إلا في حقها فقلنا ببقاء النفقة ، بخلاف نكاح الأخت لا حق لها فيه فلا تقبل فيه ، ولا يستلزم الحكم بالنفقة الحكم شرعا بقيام العدة والفراش كالأختين المملوكتين ، بخلاف ما إذا ولدت فإن من ضرورة القضاء بنسبه الحكم بإسناد العلوق فيتيقن بكذبه ، ثم قال في الأصل هنا إن مات لم ترثه وكان الميراث للأخرى .

وذكر في كتاب الطلاق أن الميراث للأولى دون الأخرى ، ولكن وضع المسألة فيما إذا كان مريضا حين قال أخبرتني أن عدتها انقضت وكذبته ، وإنما يتحقق اختلاف الروايات في حكم الميراث إذا كان الطلاق رجعيا ، فأما البائن وهو في الصحة فلا ميراث للأولى وإن لم يخبر الزوج بها . وفي كتاب الطلاق لما وضع المسألة في المريض وكان قد تعلق حقها بماله لم يقبل قوله في إبطال حقها كما في نفقتها وهنا وضعها في الصحيح ولا حق لها في ماله فكان قوله مقبولا في إبطال إرثها . توضيحه أن بقوله ذلك أخبر أن الواقع [ ص: 227 ] يعني الطلاق صار بائنا ، فكأنه أبانها في صحته فلا ميراث لها ، ولو أبانها في مرضه كان لها الميراث .

وقيل هذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف لأن عندهما يجوز جعل الرجعي بائنا خلافا لمحمد ، ومتى كان الميراث للأولى فلا ميراث للثانية . الثاني : لو أعتق أم ولده لم يحل له تزوج أختها حتى تنقضي عدتها ويحل أربع سواها عنده ، وعندهما تحل الأخت أيضا قياسا على تزوج الأربع ، ولأن حقيقة الملك لم تمنع فكيف بالعدة وإنما هي أثره ، وأبو حنيفة يفرق بضعف الفراش قبل العتق وقوته بعده ، ألا ترى أنه كان يتمكن من تزوجها قبله لا بعده حتى تنقضي ، فلو تزوج أختها بعد العتق كان مستلحقا نسب ولدي أختين في زمان واحد وهو لا يجوز وهذا مفقود في الأربع سواها ، إذ غايته أنه جمع بين فرش الخمس ولا بأس به . الثالث : لزوج المرتدة إذا لحقت بدار الحرب تزوج أختها قبل انقضاء عدتها كما إذا ماتت لأنه لا عدة عليها من المسلم للتباين ، فإن عادت مسلمة فإما بعد تزوج الأخت أو قبله ; ففي الأول لا يفسد نكاح الأخت لعدم عود العدة ، وعند أبي يوسف تعود العدة ، وفي إبطال نكاح أختها عنه روايتان ، وفي الثاني كذلك عند أبي حنيفة لأن العدة بعد سقوطها لا تعود بلا سبب جديد ، وعندهما ليس له تزوج الأخت وعودها مسلمة يصير شرعا لحاقها كالغيبة ، ألا ترى أنه يعاد إليها مالها فتعود معتدة .

التالي السابق


الخدمات العلمية