صفحة جزء
. ( ثم الكفاءة تعتبر في النسب ) ; لأنه يقع به التفاخر [ ص: 295 ] ( فقريش بعضهم أكفاء لبعض ، والعرب بعضهم أكفاء لبعض ) والأصل فيه قوله عليه الصلاة والسلام [ ص: 296 ] { قريش بعضهم أكفاء لبعض بطن ببطن ، والعرب بعضهم أكفاء لبعض قبيلة بقبيلة ، [ ص: 297 ] والموالي بعضهم أكفاء لبعض رجل برجل } ولا يعتبر التفاضل فيما بين قريش لما روينا . وعن محمد كذلك إلا أن يكون نسبا مشهورا كأهل بيت الخلافة ، كأنه قال تعظيما للخلافة وتسكينا للفتنة . [ ص: 298 ] وبنو باهلة ليسوا بأكفاء لعامة العرب ; لأنهم معروفون بالخساسة .


( قوله ثم الكفاءة تعتبر في النسب ) جميع ما ذكر في المبسوط وفتاوى الولوالجي [ ص: 295 ] مذكور في الكتاب وسيورده ، إلا الكفاءة في العقل ذكره الولوالجي ولم يذكره هنا ، قال بعضهم : لا رواية في اعتبار العقل في الكفاءة . واختلف فيه ، فقيل يعتبر ; لأنه يفوت بعدمه مقصود النكاح ، وقيل لا ; لأنه مرض ، ولا تعتبر الكفاءة عندنا في السلامة من العيوب التي يفسخ بها البيع كالجذام والجنون والبرص والبخر والدفر إلا عند محمد في الثلاثة الأول : أعني الجنون والجذام والبرص إذا كان بحال لا تطيق المقام معه فالحق اعتبار الكفاءة في العقل على قول محمد ، إلا أن الذي له التفريق والفسخ الزوجة لا الولي وكذا في أخويه عنده . [ فرع ]

انتسب إلى غير نسبه لامرأة فتزوجته ثم ظهر خلاف ذلك ، فإن لم يكافئها به كقرشية انتسب لها إلى قريش ثم ظهر أنه عربي غير قرشي فلها الخيار ، ولو رضيت كان للأولياء التفريق وإن كافأها به كعربية ليست قرشية انتسب لها إلى قريش فظهر أنه عربي غير قرشي فلا حق للأولياء ، ولها هي الخيار عندنا إن شاءت فارقته خلافا لزفر . ولنا أنه شرط لنفسها في النكاح زيادة منفعة وهو أن يكون ابنها صالحا للخلافة ، فإذا لم تنل كان لها الخيار ، كشراء العبد على أنه كاتب فظهر خلافه . وأيضا الاستفراش ذل في جانبها فقد ترضى به ممن هو أفضل منها لا من مثلها ، فإذا ظهر خلافه فقد غرها وتبين عدم رضاها بالعقد فيثبت لها الخيار ، ولو كان هذا الانتساب من جانبها والغرور لم يكن له خيار ; لأنه لا يفوت عليه شيء من مقاصد النكاح بما ظهر من غرورها ولتخلصه منها بطريق يمكنه وهو الطلاق فلا حاجة إلى إثبات الخيار ويحتاج بعد هذا إلى فضل تقرير ، وفرق بين هذا وبين إثبات خيار البلوغ للغلام وهو سهل إن شاء الله تعالى .

( قوله فقريش بعضهم أكفاء لبعض ) روى الحاكم بسند فيه مجهول ، فإن شجاع بن الوليد قال : حدثنا بعض إخواننا عن ابن جريج عن عبد الله بن أبي مليكة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { العرب بعضهم أكفاء لبعض قبيلة بقبيلة ورجل برجل ، والموالي بعضهم أكفاء لبعض قبيلة بقبيلة ورجل برجل إلا حائكا أو حجاما } ورواه أبو يعلى بسند فيه عمران بن أبي الفضل الأيلي ، وضعف بأنه موضوع وأن عمران هذا يروي الموضوعات عن الأثبات .

وروى الدارقطني عن ابن عمر مرفوعا { الناس أكفاء قبيلة لقبيلة وعربي لعربي ومولى لمولى إلا حائكا أو حجاما } وضعف ببقية بن الوليد وهو مخيل إن عنعن الحديث ليس غير ، وبأن محمد بن الفضل مطعون فيه . ورواه ابن عدي في الكامل من حديث علي وعمر باللفظ الأول ، وفيه علي بن عروة قال منكر الحديث ، وعثمان بن عبد الرحمن قال صاحب التنقيح هو الطرائفي من أهل حران يروي المجاهيل ، وقد روي هذا الحديث من وجه آخر عن عائشة وهو ضعيف ا هـ كلامه .

وروى البزار عن خالد بن معدان عن معاذ بن جبل يرفعه { العرب بعضهم أكفاء لبعض } ا هـ .

وابن معدان لم يسمع من معاذ ، وفيه سليمان بن أبي الجون قال ابن القطان : لم أجد له ذكرا . وبالجملة فللحديث أصل ، فإذا [ ص: 296 ] ثبت اعتبار الكفاءة بما قدمناه فيمكن ثبوت تفصيلها أيضا بالنظر إلى عرف الناس فيما يحقرونه ويعيرون به فيستأنس بالحديث الضعيف في ذلك ، خصوصا وبعض طرقه كحديث بقية ليس من الضعف بذاك ، فقد كان شعبة معظما لبقية وناهيك باحتياط شعبة ، وأيضا تعدد طرق الحديث الضعيف يرفعه إلى الحسن ، ثم القرشيان من جمعهما أب هو النضر بن كنانة فمن دونه ، ومن لم ينسب إلا إلى أب فوقه فهو عربي غير قرشي ، وإنما سميت أولاد النضر قريشا تشبيها لهم بدابة في البحر تدعى قرشا تأكل دوابه ; لأنهم من أعظم دواب البر عزة وفخرا ونسبا ، وعلى هذا قال اللهبي :


وقريش هي التي تسكن البحر بها سميت قريش قريشا

وقيل ; لأن النضر كان يسمى قريشا وهو اختيار الشعبي سمي به ; لأنه كان يقرش عن خلة الناس ليسد حاجاتهم بماله والتقريش التفتيش ، قال الحارث :

أيها الناطق المقرش عنا     عند عمرو فهل لنا إبقاء

وقيل ; لأنه خرج يوما على نادي قومه فقال بعضهم : انظر إلى النضر كأنه جمل قريش ، وقيل سميت بقريش بن الحارث بن مخلد كان صاحب عيرهم فكانوا يقولون قدمت عير قريش وخرجت عير قريش ولهذا الرجل ابن يسمى بدرا وهو الذي حفر بئر بدر وسميت به ، وقيل لتجارتهم والقرش الكسب .

وقيل سميت به ; لأن فهر بن مالك : قيل إن اسمه قريش ، وإنما فهر لقبه قاله ابن عباس لمعاوية حين سأله عن ذلك ، وعلى هذا ينبغي أن لا يكون قرشيا إلا من كان من أبناء فهر ، وقيل هو من الجمع ، والتقريش التجميع ; لأن قصيا جمع بني النضر في الحرم من بعد تفرقهم ، وقيل لما نزل قصي الحرم فعل أفعالا جميلة فقيل له القرش فهو أول من سمي به ، وعلى هذا ينبغي كون القرشيين من جمعهما أب هو قصي ، والظاهر الأول ، ويكون من التجمع لا التجميع الذي هو فعل قصي والتجمع كان من أبناء النضر وإن كان القائل قال : أبوكم قصي كان يدعى مجمعا به جمع الله القبائل من فهر ; لأنه ابن ابنه ; لأنه ابن مالك بن النضر غير أن القافية اتفقت كذلك ، وإلا فبعد نقل أن قصيا سمي مجمعا لجمعه أولاد النضر عرف أن القرشيين من جمعهما النضر .

هذا وقريش عمارة تحتها بطون لؤي بن غالب وقصي وعدي ومنهم الفاروق رضي الله عنه .

ومرة ومن مرة تيم ومنهم الصديق رضي الله عنه . ومخزوم ومنهم خالد بن الوليد المخزومي رضي الله عنه وهما فخذان .

وهاشم فخذ والعباس فصيلة ، وأعم الطبقات الشعب مثل حمير وربيعة ومضر ثم القبيلة مثل كنانة ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { في قريش بطن ببطن ، وفي العرب قبيلة بقبيلة } ونظم بعض الأدباء ترتيب الطبقات فقال :

قبيلة فوقها شعب وبعدهما     عمارة ثم بطن تلوه فخذ
وليس يؤوي الفتى إلا فصيلته     ولا سداد لسهم ما له قذذ

[ ص: 297 ] وذكر بعضهم العشيرة بعد الفصيلة فقال :

اقصد الشعب فهو أكثر حي     عددا في الجواء ثم القبيله
ثم يتلوهما العمارة ثم     البطن والفخذ بعدها والفصيله
ثم من بعدها العشيرة لكن     هي في جنب ما ذكرنا قليله

.

( قوله والموالي ) هم العتقاء ، والمراد هنا غير العرب وإن لم يمسهم رق ; لأنهم لما ضلوا أنسابهم كان التفاخر بينهم بالدين وما نذكره ففي الحديث دليل على أنه لا يعتبر التفاضل في أنساب قريش ، فهو حجة على الشافعي في أن الهاشمي والمطلبي أكفاء دون غيرهم بالنسبة إليهم .

قالوا : وزوج النبي صلى الله عليه وسلم بنتيه من عثمان وهو أموي ، وزوج أم كلثوم من عمر رضي الله عنه وهو عدوي .

وفيه نظر ; إذ قد يقول يجوز كونه لإسقاط حقه في الكفاءة نظرا إلى مصلحة أخرى لكنه يرى أنها شرط في النسب فيلزمه ما ذكرنا ، وعلى أكثر أصحابه في اعتبار الكفاءة في النسب في العجم ، وعلى محمد في اعتباره الزيادة بالخلافة حتى لا يكافئ أهل بيت الخلافة غيرهم من القرشيين ، هذا إن قصد بذلك عدم المكافأة لا إن قصد به تسكين الفتنة .

وفي الجامع لقاضي خان : قالوا الحسيب يكون كفئا للنسيب ، فالعالم العجمي كفء للجاهل العربي والعلوية ، لأن شرف العلم فوق شرف النسب والحسب ومكارم الأخلاق . وفي المحيط عن صدر الإسلام : الحسيب هو الذي له جاه وحشمة ومنصب . وفي الينابيع : والأصح أنه ليس كفئا للعلوية .

وأصل ما ذكره المشايخ من ذلك ما روي عن أبي يوسف أن الذي أسلم بنفسه أو أعتق إذا أحرز من الفضائل ما يقابل به نسب الآخر كان كفئا له ولا يعتبر بالبلاد . في تتمة الفتاوى أن القروي [ ص: 298 ] كفء للمدني ( قوله وبنو باهلة إلخ ) استثناء من قوله والعرب بعضهم أكفاء لبعض ، وباهلة في الأصل اسم امرأة من همدان كانت تحت معن بن أعصر بن سعد بن قيس بن عيلان فنسب ولده إليها وهم معروفون بالخساسة . قيل كانوا يأكلون بقية الطعام مرة ثانية ، وكانوا يأخذون عظام الميتة يطبخونها ويأخذون دسومتها فلذا قيل :

ولا ينفع الأصل من هاشم     إذا كانت النفس من باهله

وقيل :

إذا قيل للكلب يا باهلي     عوى الكلب من لؤم هذا النسب

ولا يخلو من نظر ، فإن النص لم يفصل مع أنه صلى الله عليه وسلم كان أعلم بقبائل العرب وأخلاقهم وقد أطلق ، وليس كل باهلي كذلك بل فيهم الأجواد ، وكون فصيلة منهم أو بطن صعاليك فعلو ذلك لا يسري في حق الكل .

التالي السابق


الخدمات العلمية