صفحة جزء
[ ص: 315 - 316 ] باب المهر ( ويصح النكاح وإن لم يسم فيه مهرا ) ; لأن النكاح عقد انضمام وازدواج لغة فيتم بالزوجين ، ثم المهر واجب شرعا إبانة لشرف المحل فلا يحتاج إلى ذكره لصحة النكاح ، [ ص: 317 ] وكذا إذا تزوجها بشرط أن لا مهر لها لما بينا ، وفيه خلاف مالك


( باب المهر )

المهر حكم العقد فيتعقبه في الوجود فعقبه إياه في البيان ليحاذي بتحقيقه الوجودي تحقيقه التعليمي ( قوله ويصح النكاح وإن لم يسم فيه مهرا ) لا خلاف في ذلك ( لأن النكاح عقد انضمام ) يعني ليس مأخوذا في مفهومه المال جزءا فيتم بدونه ، إلا أن قوله عقد لا يستلزمه إلا إذا لم يثبت في مفهومه زيادة شروط وهو منتف إذ قد ثبت زيادة عدم المحرمية ونحوه فلا بد من زيادة شرعا على الدعوى ، ويرد حينئذ أن المهر أيضا واجب شرعا فيه فأجاب بأنه وجب شرعا حكما له حيث أفاده بقوله ( فلا يحتاج إلى ذكره ) إذا لم يسم إبانة لشرف المحل .

أما أنه وجب شرعا فلقوله تعالى { وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم } فقيد الإحلال به ، وأما اعتباره حكما لقوله تعالى { لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة } فإن رفع الجناح عن الطلاق قبل الفرض فرع صحة النكاح قبله فكان واجبا ليس متقدما وهو الحكم ، وأما أنه إبانة لشرفه فلعقلية ذلك إذ لم يشرع [ ص: 317 ] بدلا كالثمن والأجرة وإلا لوجب تقديم تسميته فعلمنا أن البدل النفقة وهذا لإظهار خطره فلا يستهان به ، وإذن فقد تأكد شرعا بإظهار شرفه مرة باشتراط الشهادة ومرة بإلزام المهر فتحصل أن المهر حكم العقد فلا يشترط لصحة العقد التنصيص على حكمه ، كالملك لا يشترط لصحة البيع ذكره ثم يثبت هو كذلك فيثبت مهر المثل عند عدم تسمية مهر لها ( قوله وكذا إذا تزوجها بشرط أن لا مهر لها ) أي فيصح النكاح ( وفيه خلاف مالك ) وجه قوله أن النكاح عقد معاوضة كالبيع والمهر كالثمن والبيع بشرط أن لا ثمن لا يصح . فكذا النكاح بشرط أن لا مهر ، وكان مقتضى هذا أن يفسد بترك التسمية أيضا ، إلا أنا تركناه بالنص السابق ثم بحديث ابن مسعود في المفوضة وسنذكره .

قلنا : حديث ابن مسعود على أن المهر اعتبر حكما شرعا ، وإلا لما تم بدون التنصيص عليه إذ لا وجود للشيء بلا ركنه وشرطه ، فحيث كان واجبا ولم يتوقف عليه الوجود كان حكما ، وإذا ثبت كونه حكما كان شرط عدمه شرطا فاسدا ، وبه لا يفسد النكاح ، بخلاف البيع ; لأن الثمن ركنه فلا يتم دون ركنه ، وبهذا ظهر أن ركن البيع بعت بكذا لا مجرد قوله بعت .

هذا ويصح الرهن بمهر المثل ; لأنه كالمسمى في كونه دينا ، فإن هلك وبه وفاء كانت مستوفية ، فإن طلقها قبل الدخول لزمها أن ترد ما زاد على قدر المتعة . ولو كان الرهن قائما وقت الطلاق قبل الدخول فليس لها أن تحبسه بالمتعة في قول أبي يوسف الآخر ، وفي قوله الأول وهو الاستحسان وهو قول محمد لها حبسه بها ; لأنها خلفه ، والرهن بالشيء يحبس بخلفه كالرهن بالعين المغصوبة تكون محبوسة بالقيمة .

وجه الآخر أنها دين آخر ; لأنها ثياب وهي غير الدراهم ، والدليل عليه أن الكفيل بمهر المثل لا يكون كفيلا بالمتعة .

ويتفرع على القولين ما إذا هلك بعد طلب الزوج الرهن بعد الطلاق فمنعته حتى هلك هل تضمن تمام قيمته ؟ ففي قوله الأول لا ضمان عليها ; لأنها حبسته بحق ، وفي الآخر تضمن تمامه ; لأنها غاصبة ، ولو هلك قبل منعها لا ضمان عليها ، ولكنها في قوله الأول تصير مستوفية للمتعة ، وفي قوله الآخر لها أن تطالبه بها .

التالي السابق


الخدمات العلمية