صفحة جزء
قال ( وإن تزوجها ولم يسم لها مهرا [ ص: 325 ] أو تزوجها على أن لا مهر لها فله مهر مثلها إن دخل بها أو مات عنها ) وقال الشافعي : لا يجب شيء في الموت ، وأكثرهم على أنه يجب في الدخول . له أن المهر خالص حقها فتتمكن من نفيه ابتداء كما تتمكن من إسقاطه انتهاء ولنا أن المهر وجوبا حق الشرع على ما مر ، وإنما يصير حقها في حالة البقاء فتملك الإبراء دون النفي


( قوله وإن تزوجها ولم يسم لها مهرا إلخ ) الحاصل أن وجوب مهر المثل حكم كل نكاح لا مهر فيه عندنا سواء سكت عن المهر أو شرط نفيه أو سمى في العقد وشرط ردها مثله من جنسه ، وصورة هذا تزوجها على ألف على أن ترد إليه ألفا صح ولها مهر مثلها بمنزلة عدم التسمية ; لأن الألف بمقابلة مثلها فبقي النكاح بلا تسمية ، بخلاف ما لو تزوجها على ألف على أن ترد عليه مائة دينار جاز ، وتنقسم الألف على مائة دينار ومهر مثلها ، فما أصاب الدنانير يكون صرفا مشروطا فيه التقابض ، وما يخص مهر المثل يكون مهرا ، فإن طلقها قبل الدخول ردت نصف ذلك على الزوج إن كانت قبضت الألف ; لأن المقابلة هنا بخلاف الجنس وعند اختلاف الجنس تكون المقابلة باعتبار القيمة ، ولو تفرقا قبل التقابض بطل حصة الدنانير من الدراهم .

وفي هذه الوجوه إن كانت حصة مهر المثل من الألف أقل من عشرة يكمل لها عشرة . ومن صور وجوبه أن يتزوجها على حكمها أو حكمه أو حكم آخر ; لأنه في الجهالة فوق جهالة مهر المثل ، إلا أن في الإضافة إلى نفسه إن حكم لها بقدر مهر المثل أو أكثر صح ، أو دونه فلا إلا إن ترضى ، وإليها إن حكمت بمهر مثلها أو أقل جاز أو أكثر فلا إلا أن يرضى ، وإلى الأجنبي إن حكم لها بمهر المثل جاز لا بالأقل إلا أن ترضى ، ولا بالأكثر إلا أن يرضى ، وكذا إذا تزوجها على ما في بطن جاريته أو أغنامه لا يصح ، بخلاف خلعها على ما في بطن جاريتها ونحوه يصح ; لأن ما في البطن بعرضية أن يصير مالا بالانفصال وإن لم يكن مالا في الحال ، والعوض [ ص: 325 ] في الخلع يحتمل الإضافة كالخلع ، بخلاف النكاح لا يحتملها فلا يحتملها بدله ، ومثله ما يخرجه نخله وما يكسبه غلامه ( قوله أو مات عنها ) وكذا إذا ماتت هي فإنه يجب أيضا مهر المثل لورثتها ( قوله وقال الشافعي ) يعني في قول عنه ( لا يجب في الموت شيء ) للمفوضة وهو قول مالك في صورة نفي المهر وقوله الآخر كقولنا ( قوله وأكثرهم ) أي أكثر أصحابه ( قوله له أن المهر خالص حقها فتتمكن من نفيه ابتداء كما تتمكن من إسقاطه انتهاء ) أي بعد التسمية ، ولا يخفى أن هذا الاستدلال يقتضي نفي وجوبه مطلقا قبل الدخول وبعده وهو خلاف ما نقله عن الأكثر ، ولأن عمر وابنه وعليا وزيدا رضوان الله عليهم قالوا في المفوضة نفسها : حسبها الميراث .

ولنا أن سائلا سأل عبد الله بن مسعود عنها في صورة موت الرجل فقال : بعد شهر أقول فيه بنفسي ، فإن يك صوابا فمن الله ورسوله ، وإن يك خطأ فمن نفسي ، وفي رواية : فمن ابن أم عبد ، وفي رواية : فمني ومن الشيطان ، والله ورسوله عنه بريئان .

أرى لها مهر مثل نسائها لا وكس ولا شطط ، فقام رجل يقال له معقل بن سنان وأبو الجراح حامل راية الأشجعيين فقالا : نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في امرأة منا يقال لها بروع بنت واشق الأشجعية بمثل قضائك هذا ، فسر ابن مسعود سرورا لم يسر مثله قط بعد إسلامه .

وبروع بكسر الباء الموحدة في المشهور ويروى بفتحها هكذا رواه أصحابنا . وروى الترمذي والنسائي وأبو داود هذا الحديث بلفظ أخصر ، وهو أن ابن مسعود قال في رجل تزوج امرأة فمات عنها ولم يدخل بها ولم يفرض لها الصداق : لها الصداق كاملا وعليها العدة ولها الميراث . فقال معقل بن سنان : سمعت { رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في بروع بنت واشق بمثله } . هذا لفظ أبي داود ، وله روايات أخر بألفاظ أخر .

قال البيهقي : جميع روايات هذا الحديث وأسانيدها صحاح . والذي روي من رد علي رضي الله عنه له فلمذهب تفرد به وهو تحليف الراوي إلا أبا بكر الصديق ، ولم ير هذا الرجل ليحلفه لكنه لم يصح عنه ذلك ، وممن أنكر ثبوتها عنه الحافظ المنذري ( قوله ولنا أن المهر وجب حقا للشرع ) أي وجوبه ابتداء حق الشرع لما قدمنا آنفا ، وإنما يصير حقها في حالة البقاء : أي بعد وجوبه على الزوج ابتداء بالشرع يثبت لها شرعا حق أخذه فتتمكن حينئذ من الإبراء لمصادفته حقها دون [ ص: 326 ] نفيه ابتداء عن أن يجب

التالي السابق


الخدمات العلمية