صفحة جزء
قال ( وتستحب المتعة لكل مطلقة إلا لمطلقة واحدة وهي التي طلقها الزوج قبل الدخول بها وقد سمى لها مهرا ) وقال الشافعي : تجب لكل مطلقة إلا لهذه ; لأنها وجبت صلة من الزوج ; لأنه أوحشها [ ص: 336 ] بالفراق ، إلا أن في هذه الصورة نصف المهر طريقة المتعة ; لأن الطلاق فسخ في هذه الحالة والمتعة لا تتكرر [ ص: 337 ] ( ولنا أن المتعة خلف عن مهر المثل في المفوضة ) ; لأنه سقط مهر المثل ووجبت المتعة ، والعقد يوجب العوض فكان خلفا والخلف لا يجامع الأصل ولا شيئا منه [ ص: 338 ] فلا تجب مع وجوب شيء من المهر ، وهو غير جان في الإيحاش فلا تلحقه الغرامة به فكان من باب الفضل .


( قوله وتستحب المتعة لكل مطلقة إلا لمطلقة واحدة وهي التي طلقها الزوج قبل الدخول وقد سمى لها مهرا ) وفي كل من الصدر والاستثناء إشكال . أما الأول فإن المطلقة قبل الدخول التي لم يسم لها مهرا داخلة في عمومه والمتعة واجبة لها . وأما الثاني فالمطلقة قبل الدخول المفروض لها ذكر في المبسوط والمحيط والمختلف والحصر أن المتعة تستحب لها . وأجيب عن الأول أن الاستحباب مستعمل في أعم من الوجوب : يعني أنه بالمعنى اللغوي أو هو عام مخصوص بالصورة السابقة ، وقرينة التخصيص هو تقدم ذكرها فكأنه قال : وتستحب لكل مطلقة غير تلك . وعن الثاني أنه قول القدوري تبعه فيه .

وفي بعض مشكلات القدوري المتعة أربعة أقسام : واجبة وهي ما تقدم ، ومستحبة وهي التي طلقها بعد الدخول ولم يسم لها مهرا ، وسنة وهي التي طلقها بعد الدخول وقد سمى لها المهر ، والرابعة ليست بواجبة ولا سنة ولا مستحبة وهي التي طلقها قبل الدخول وقد سمى لها مهرا ; لأن نصف المهر ثابت لها فيقوم مقام المتعة .

وقيل الصحيح أن هنا تغييرا وقع من الكاتب ، فذكر بعضهم أن في بعض النسخ ولم يسم لها مهرا ، ونقل في الدراية ضبطه كذلك عن غير واحد ( قوله وقال الشافعي رحمه الله : تجب لكل مطلقة إلا لهذه ) وعن أحمد رواية كقوله ورواية كقولنا وتقدم تفصيل مالك . [ ص: 336 ] وجه قول الشافعي أنها في المطلقة قبل الدخول ، والتسمية واجبة اتفاقا بالنص . وأما في المدخول بها فلأن وجوب المتعة الواجبة في صورة عدم التسمية للإيحاش بالطلاق ، وما سلم لها من المهر ليس في مقابلته بل في مقابلة البضع فتجب دفعا للإيحاش .

وأما التي لم يدخل بها وقد سمى لها فوجوب نصف المهر الثابت لها بقوله تعالى { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم } بطريق المتعة : أي بطريق إيجاب المتعة في غيرها وهو جبر صدع الإيحاش لا المهر لعدم استيفاء منافع بضعها فلا تجب متعة أخرى وإلا تكررت .

وقوله فسخ مجازا ; لأنه وقع طلاقا حتى انتقص به عدد الطلاق ، لكنه كالفسخ من جهة أنه كالحالة السابقة على النكاح بسبب عود المعقود عليه سالما إليها فلا يلزم كون ما ذكر على قول من قال يسقط كل المهر بهذا الطلاق ; لأنه فسخ ، ثم يجب بطريق المتعة مخالفا لقول المحققين إنه يبقى نصف المهر ويسقط نصفه بالنص .

وله أيضا قوله تعالى { وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين } خص منها تلك المطلقة بنص { فنصف ما فرضتم } جعله تمام حكمها ، وبه يحمل قوله تعالى { إذا نكحتم المؤمنات } إلى قوله فمتعوهن على غير المفروض لها لعقلية أن نصف مهرها [ ص: 337 ] بطريق المتعة ( قوله ولنا أن المتعة خلف عن مهر المثل في المفوضة ) بكسر الواو المشددة وقع به السماع ; لأنها مفوضة أمر نفسها لوليها وللزوج ، ويجوز فتحها : أي فوضها وليها للزوج وهي التي زوجت بلا مهر مسمى .

وحاصله منع كون علة الوجوب في الأصل وهي المفوضة الإيحاش ، وأبطل مناسبته للعلية آخرا بقوله وهو غير جان في الإيحاش ; لأنه بإذن الشرع بل الوجوب فيها تعويض عما كان واجبا لها من نصف مهر المثل ; لأنه أقرب إلى فهم من علم أنه تعالى أسقط ما كان واجبا لها ثم أوجب لها شيئا آخر مكانه ، وعلم أن لا جناية في الطلاق بل قد يكون مستحبا في التي لا تصلي والفاجرة ، ولا سقوط في المدخول بها مطلقا فلا تجب لانتفاء العلة المساوية ، ولا نسلم أن ما سلم للمدخول بها في مقابلة البضع بل بقبولها العقد على نفسها الملصق به المال في قوله تعالى { أن تبتغوا بأموالكم محصنين } ولهذا كان لها المطالبة به قبل الدخول ، غير أن بالدخول يتقرر ما كان على شرف السقوط وقوله تعالى { وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين } إما أن اللام للعهد الذكري في المطلقات التي لم يسم لهن مهر ; لأنهن تقدم ذكرهن بقوله تعالى { لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة } ثم قال { ومتعوهن } أو يراد بمتعوهن إيجاب نفقة العدة وكسوتها ، وأما غير المدخول بها المسمى لها فمحل الاتفاق ، [ ص: 338 ] وإنما أثبتنا الاستحباب في المدخولات لقوله تعالى { أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا } وهن مدخولات

التالي السابق


الخدمات العلمية