صفحة جزء
قال ( ذكر تزويج المولى عبده وأمته ولم يذكر رضاهما ) وهذا يرجع إلى مذهبنا أن للمولى إجبارهما على النكاح . وعند الشافعي لا إجبار في العبد وهو رواية عن أبي حنيفة لأن النكاح من خصائص الآدمية والعبد داخل تحت ملك المولى من حيث إنه مال فلا يملك [ ص: 398 ] إنكاحه ، بخلاف الأمة لأنه مالك منافع بضعها فيملك تمليكها . ولنا لأن الإنكاح إصلاح ملكه لأن فيه تحصينه عن الزنا الذي هو سبب الهلاك أو النقصان فيملكه اعتبارا بالأمة ، بخلاف المكاتب والمكاتبة لأنهما التحقا بالأحرار تصرفا فيشترط رضاهما .


( قوله قال ) أي صاحب الهداية ( ذكر ) أي محمد ( تزويج المولى عبده وأمته ولم يذكر رضاهما ) أي لم يشترطه ( وهذا يرجع إلى مذهبنا ) ; لأن المذهب ( أن للمولى إجبارهما ) أي أن يعقد لهما فينفذ عليهما علما ورضيا أو لا كإجبار الولي الصغيرة على ما سلف ( وعند الشافعي لا إجبار في العبد ) بل في الأمة ( وهو رواية ) ذكرها ( عن أبي حنيفة ) صاحب الإيضاح والطحاوي عن أبي يوسف ، وجعلها الوبري رواية شاذة للشافعي وجهان :

أحدهما أن ما يتناوله النكاح لا يملكه المولى فعقدة تصرف فيما لا يملكه فانتفى كالأجنبي وكتزويجه مكاتبه ومكاتبته ، بخلاف أمته يملك ما يتناوله فيملك تمليكه .

ثانيهما : أنه لا يفيد إذ للعبد التطليق في الحال فلا يحصل المقصود ، ونحن نقول مناط نفاذ إنكاحه عليه ملكه له المقتضي لتمكنه من إصلاحه ودفع أسباب الهلاك والنقصان عنه وهو تزويجه ذلك ; لأنه طريق تحصينه عن الزنا الذي هو طريق الهلاك أو النقصان به أو في ماليته لتعيبه .

وأما جعل مناطه ملك ما يتناوله النكاح وأنها علة مساوية ينتفي بانتفائها الحكم فباطل ; لأنها منتقضة طردا في الزوج يملك ما يتناوله النكاح من زوجته ولا يملك تمليكه وعكسا بالولي لا يملكه من موليته ويملك تزويجها . وأما نفي الفائدة فظاهر الانتفاء ، بل الظاهر عدم مبادرته للطلاق من وجهين :

أحدهما أن عقد النكاح مما ترغب فيه النفس غالبا وتدعو إليه فالظاهر عدم طلب قطعه .

والثاني أن حشمة السيد في قلب عبده مانعة من اجترائه عليه بالمبادرة إلى نقض ما فعله ، فكان الظاهر وجود الفائدة لا نفيها .

وأما إلحاقه بالمكاتب والمكاتبة فمع الفارق ; لأنهما التحقا بالأحرار في التصرفات فلا ينفذ تصرفه عليهما إلا برضاهما وعن هذا استطرقت مسألة نقلت من المحيط هي أن المولى إذا زوج [ ص: 398 ] مكاتبته الصغيرة توقف النكاح على إجازتها ; لأنها ملحقة بالبالغة فيما ينبني على الكتابة ، ثم إنها لو لم ترد حتى أدت فعتقت بقي النكاح موقوفا على إجازة المولى لا على إجازتها ; لأنها بعد العتق لم تبق مكاتبة وهي صغيرة والصغيرة ليست من أهل الإجازة ، فاعتبر التوقف على إجازتها في حال رقها ولم يعتبر بعد العتق ، هكذا تواردها الشارحون .

والذي يقتضيه النظر عدم التوقف على إجازته بعد العتق بل بمجرد عتقها ينفذ النكاح لما صرحوا به من أنه إذا تزوج العبد بغير إذن سيده فأعتقه نفذ ; لأنه لو توقف فإما على إجازة المولى وهو ممتنع لانتفاء ولايته ، وإما على العبد فلا وجه له ; لأنه مصدر من جهته فكيف يتوقف عليه ولأنه كان نافذا من جهته وإنما توقف على السيد ، فكذا السيد هنا فإنه ولي مجبر ، وإنما التوقف على إذنها لعقد الكتابة وقد زال فبقي النفاذ من جهة السيد ، فهذا هو الوجه ، وكثيرا ما يقلد الساهون الساهين ، وهذا بخلاف الصبي إذا زوج نفسه بغير إذن وليه فإنه موقوف على إجازة وليه ، فلو بلغ قبل أن يرده لا ينفذ حتى يجيزه الصبي ; لأن العقد حين صدر منه لم يكن نافذا من جهته إذ لا نفاذ في حالة الصبا أو عدم أهلية الرأي ، بخلاف العبد ومولى المكاتبة الصغيرة .

والحاصل أن الصغير والصغيرة ليسا من أهل العبارة ، بخلاف البالغ ، وسيأتي زيادة في ذلك . وأما الاستدلال بقوله تعالى { ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء } وقدرة إبطال ما أمضاه سيده شيء فيكون منتفيا فضعيف ; لأن المراد والله أعلم على شيء من المال لسياقه في مقابلة { ومن رزقناه منا رزقا حسنا } { فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستوون } وللقطع بأنه يملك الطلاق وهو شيء ليس بمال

التالي السابق


الخدمات العلمية