صفحة جزء
[ ص: 413 ] باب نكاح أهل الشرك ( وإذا تزوج الكافر بلا شهود أو في عدة كافر وذلك في دينهم جائز ثم أسلما أقرا عليه ) وهذا عند أبي حنيفة وقال زفر : النكاح فاسد في الوجهين إلا أنه لا يتعرض لهم قبل الإسلام والمرافعة إلى الحكام . وقال أبو يوسف ومحمد في الوجه الأول كما قال أبو حنيفة ، وفي الوجه الثاني كما قال زفر . له إن الخطابات عامة ما مر من قبل فتلزمهم ، وإنما لا يتعرض لهم لذمتهم إعراضا لا تقريرا ، فإذا ترافعوا أو أسلموا والحرمة قائمة وجب التفريق . ولهما أن حرمة نكاح المعتدة مجمع عليها فكانوا ملتزمين لها ، وحرمة النكاح بغير شهود مختلف فيها ولم يلتزموا أحكامنا بجميع الاختلافات . [ ص: 414 ] ولأبي حنيفة أن الحرمة لا يمكن إثباتها حقا للشرع ; لأنهم لا يخاطبون بحقوقه ، ولا وجه إلى إيجاب العدة حقا للزوج ; لأنه لا يعتقده ، بخلاف ما إذا كانت تحت مسلم ; لأنه يعتقده ، وإذا صح النكاح فحالة المرافعة والإسلام حالة البقاء والشهادة ليست شرطا فيها ، وكذا العدة لا تنافيها كالمنكوحة إذا وطئت بشبهة


[ ص: 412 ] ( باب نكاح أهل الشرك ) لما فرغ من نكاح المسلمين بمرتبتيه من الأحرار والأرقاء شرع في بيان نكاح الكفار مطلقا كتابيين أو غيرهم ، وهو المراد بأهل الشرك إما تغليبا وإما ذهابا إلى أن أهل الكتاب داخلون في المشركين على ما اختاره بعض الصحابة وقد قدمناه في فصل المحرمات . وإما إطلاقا للمشركين عليهم باعتبار قول طائفة منهم عزير ابن الله والمسيح ابن الله ، تعالى الله رب العزة والكبرياء عن ذلك . وقدمنا أنه إنما أعقب باب المهر بفصل مهور الكفار تتميما لباب المهر تبعا . واعلم أن كل نكاح صحيح في حق المسلمين فهو صحيح إذا تحقق بين أهل الكفر لتظافر الاعتقادين على صحته ولعموم الرسالة ، فحيث وقع من الكفار على وفق الشرع العام وجب الحكم بصحته ، وبه قال الشافعي وأحمد .

وقال مالك : لا تصح أنكحتهم بناء على تناول الخطاب العام إياهم مع ملزومية أنكحتهم لعدم بعض الشروط كالولاية وشهادة المسلمين . واستشكله بعض المالكية لثبوت ولاية الكافر على الكافر ، ولعدم اشتراط الشهادة في العقد عندهم . قال : ولو قلنا إنها شرط فإذا عقده جماعة من المسلمين ينبغي أن يصح لكنهم يطلقون عدم الصحة .

قال : فينبغي أن يقال ما صادف شروط الصحة فهو صحيح وما لا ففاسد . ولنا قوله تعالى { وامرأته حمالة الحطب } وقوله صلى الله عليه وسلم { ولدت من نكاح لا من سفاح } وأسلم فيروز على أختين فقال صلى الله عليه وسلم { اختر إحداهما } وأسلم ابن غيلان على عشر فقال له صلى الله عليه وسلم { أمسك أربعا } الحديث . ومن حين ظهرت دعوته صلى الله عليه وسلم والناس يتواردون الإسلام إلى أن توفي صلى الله عليه وسلم على ما قيل عن سبعين ألف مسلم غير النساء ، ولم ينقل قط أن أهل بيت جددوا أنكحتهم بطريق صحيح ولا [ ص: 413 ] ضعيف ، ولو كان لقضت العادة بنقله ، فعلم أنه قول باطل ( وقوله وإذا تزوج الكافر بغير شهود أو في عدة كافر وذلك في دينهم جائز ثم أسلما أقرا عليه ، وهذا عند أبي حنيفة . وقال زفر : النكاح فاسد في الوجهين ) أي النكاح بغير شهود وفي عدة كافر ( إلا أنا لا نتعرض لهم قبل الإسلام والمرافعة إلى الحكام ) فالواو بمعنى أو ( وقال أبو يوسف ومحمد في الوجه الأول ) وهو النكاح بلا شهود ( كما قال أبو حنيفة وفي الوجه الثاني ) وهو ما في عدة كافر ( كما قال زفر . لزفر أن الخطابات عامة على ما مر ) في الفصل الذي بذيل باب المهر من وجوب ثبوت الحكم على العموم لعموم الخطابات وهم مخاطبون بالمعاملات والنكاح منها ( وإنما لا يتعرض لهم لذمتهم إعراضا لا تقريرا ، فإذا ترافعوا أو أسلموا والحرمة قائمة وجب التفريق ) لقوله تعالى { وأن احكم بينهم بما أنزل الله } ولهما [ ص: 414 ] وهو الفرق أن نكاح المعتدة مجمع على بطلانه عندنا فكانوا ملتزمين لها على ما مر هناك أيضا من أن مذهبهما أن أهل الذمة التزموا أحكامنا فيما يرجع إلى المعاملات وهذا تقييد له حيث أفاد أنهم التزموا المجمع عليه في ملتنا لا مطلقا ( قوله ولأبي حنيفة أن الحرمة ) أي حرمة النكاح بغير شهود ونكاح المعتدة ( لا يمكن إثباتها حقا للشرع ) أي الشارع ( لأنهم لا يخاطبون بحقوقه ، ولا وجه إلى إيجاب العدة حقا للزوج ; لأنه لا يعتقده ، بخلاف ما إذا كانت ) الكتابية ( تحت مسلم ) طلقها فإنه تجب العدة حقا له ( لأنه يعتقده ) فلا يصح نكاح هذه الكتابية فيها .

( وإذا صح النكاح ) حال صدوره ( فحال المرافعة والإسلام حالة البقاء والشهادة ليست شرطا فيها ) بل في ابتداء العقد لصحته ( وكذا العدة لا تنافيها ) أي لا تنافي حالة بقاء العقد ( كالمنكوحة إذا وطئت بشبهة ) حيث يثبت وجوب العدة عليها حال قيام النكاح مع زوجها وحرمتها عليه ، وهذا التقرير يفيد أن العدة لا تجب أصلا عنده حتى لا يثبت للزوج الرجعة بمجرد طلاقها ; لأنه إنما يملكها في العدة ، ولا يثبت نسب ولدها إذا أتت به بعد الطلاق لأقل من ستة أشهر . وبه قالت طائفة من المشايخ . وقيل تجب عدة لكنها ضعيفة لا تمنع من صحة النكاح لضعفها كالاستبراء يجوز تزويج الأمة في حال قيام وجوبه على السيد . وقيل الأليق الأول لما عرف من وجوب تركهم وما يدينون به ، وفيه نظر [ ص: 415 ] لأن تركهم تحرزا عن الغدر لعقد الذمة لا يستلزم صحة ما تركوا وإياه كالكفر تركوا وإياه وهو الباطل الأعظم ، ولو سلم لم يستلزم عدم ثبوت النسب في الصورة المذكورة لجواز أن يقال لا تجب ، وإذا علم من له الولد بطريق آخر وجب إلحاقه به بعد كونه عن فراش صحيح ، ومجيئها به لأقل من ستة أشهر من الطلاق مما يفيد ذلك فيلتحق به وهم لم ينقلوا عن أبي حنيفة ثبوته ولا عدمه ، بل اختلفوا أن قوله بالصحة بناء على عدم وجوبها فيتفرع عليه ذلك أولا فلا ، فلنا أن نقول بعدمها ويثبت النسب في الصورة المذكورة .

وفي المبسوط أن الخلاف بينهم فيما إذا كانت المرافعة أو الإسلام والعدة قائمة ، أما إذا كان بعد انقضائها فلا يفرق بالإجماع . ثم هنا نظران : الأول مقتضى توجيه أبي حنيفة أن الكفار لا يخاطبون بالمعاملات ، وهو خلاف ما ذكره المشايخ في الأصول من أن الاتفاق على أنهم مخاطبون بها في أحكام الدنيا ، والمسألة ليست محفوظة عن المتقدمين وإنما استنبطها مشايخ بخارى من بعض تفريعاتهم ، كمن نذر صوم شهر ثم ارتد ثم أسلم لا يلزمه النذر بعد ذلك ، والعراقيون على أنهم مخاطبون بالكل .

وإنما قلنا إنه خلافه ; لأن النكاح من المعاملات ، وكونه من حقوق الشرع لا ينافي كونه معاملة فيلزم اتفاق الثلاثة على أنهم مخاطبون بأحكام النكاح ، غير أن حكم الخطاب إنما يثبت في حق المكلف ببلوغه إليه ، والشهرة تنزل منزلته وهي متحققة في حق أهل الذمة دون أهل الحرب فمقتضى النظر التفصيل . الثاني أن نفي أبي حنيفة العدة هنا إنما هو فيما إذا كانوا يعتقدون عدمها ، ومقتضاه إذا كانوا يعتقدون وجوبها أن لا يصح ، ويجب التجديد بعد الإسلام ; لأنه حين وقع كان باطلا فيلزم في المهاجرة لزوم العدة إذا كانوا يعتقدون ; لأن المضاف إلى تباين الدار الفرقة لا نفي العدة .

وتعليل النفي هناك بقول المصنف ; لأنها وجبت إظهارا لخطر النكاح السابق ، ولا خطر لملك الحربي بالآية . قد يشكل عليه بقاء ملكه للنكاح إذا سبى الزوجان معا ، وسنذكر له تتمة

التالي السابق


الخدمات العلمية