صفحة جزء
( وإذا أسلمت المرأة وزوجها كافر عرض عليه الإسلام [ ص: 419 ] فإن أسلم فهي امرأته ، وإن أبى فرق القاضي بينهما ، وكان ذلك طلاقا عند أبي حنيفة ومحمد ، وإن أسلم الزوج وتحته مجوسية عرض عليها الإسلام ، فإن أسلمت فهي امرأته ، وإن أبت فرق القاضي بينهما ولم تكن الفرقة طلاقا ) وقال أبو يوسف ; لا تكون الفرقة طلاقا في الوجهين ، وأما العرض فمذهبنا ، وقال الشافعي : لا يعرض الإسلام ; لأن فيه تعرضا لهم وقد ضمنا بعقد الذمة أن لا نتعرض لهم ، إلا أن ملك النكاح قبل الدخول غير متأكد فينقطع بنفس الإسلام ، وبعده متأكد فيتأجل إلى انقضاء ثلاث حيض كما في الطلاق . [ ص: 420 ] ولنا أن المقاصد قد فاتت فلا بد من سبب تبتنى عليه الفرقة ، والإسلام طاعة لا يصلح سببا فيعرض الإسلام لتحصل المقاصد بالإسلام أو تثبت الفرقة بالإباء . وجه قول أبي يوسف [ ص: 421 ] أن الفرقة بسبب يشترك فيه الزوجان فلا يكون طلاقا كالفرقة بسبب الملك . ولهما أن بالإباء امتنع الزوج عن الإمساك بالمعروف مع قدرته عليه بالإسلام فينوب القاضي منابه في التسريح كما في الجب والعنة ، أما المرأة فليست بأهل للطلاق فلا ينوب القاضي منابها عند إبائها ( ثم إذا فرق بينهما بإبائها فلها المهر إن كان دخل بها ) لتأكده بالدخول ( وإن لم يكن دخل بها فلا مهر لها ) ; لأن الفرقة من قبلها والمهر لم يتأكد فأشبه الردة والمطاوعة .


( قوله وإذا أسلمت المرأة وزوجها كافر ) سواء كان كتابيا أو غيره ، إذ لا يصح تزوج الكافر مطلقا مسلمة ، ولو وقع عوقب وعوقبت أيضا إن كانت عالمة بحاله والساعي بينهما أيضا امرأة أو رجلا ، ولا يصير به ناقضا لعهده إن كان ذميا فلا يقتل خلافا لمالك ; قاسه على ما إذا جعل نفسه طليعة للمشركين بجامع أنه باشر ما ضمن بعقد الذمة أن لا يفعله . قلنا : كإلزام المسلم بالإسلام أن لا يفعل محظوره ، وبفعله لا يصير شرعا ناقضا لإيمانه فبفعل الذمي ما التزم بعقد الذمة أن لا يفعله لا يصير ناقضا لأمانه ، وقتل الطليعة ; لأنه محارب معنى ، ولو أسلم بعد النكاح لا يقران عليه ولا يلحقه إجازة ; لأنه وقع باطلا .

وقال في إسلام الرجل وتحته مجوسية ; لأن كفر المرأة مطلقا لا يمنع تزوج المسلم بل غير الكتابية فلهذا [ ص: 419 ] فرضها في المجوسية .

وحاصل المسألة أنه إذا أسلم أحد الزوجين اللذين هما مجوسيان أو الزوجة منهما مجوسية والزوج كتابي أو الزوجة من الكتابيين أو الزوجة كتابية والزوج مجوسي عرض على المصر الإسلام إذا كان بالغا أو صبيا يعقل الأديان ; لأن ردته معتبرة فكذا إباؤه والنكاح قائم ، فإن أبى فرق بينهما ، وإن كان الصبي مجنونا عرض على أبويه ، وينبغي أن يكون معنى هذا أن أي ألأبوين أسلم بقي النكاح ; لأنه يتبع المسلم منهما وإن لم يكن مجنونا لكنه لا يعقل الأديان بعد انتظر عقله ; لأن له غاية معلومة ، بخلاف الجنون ، هذا على قولهما .

أما على قول أبي يوسف فاختلف المشايخ في إباء الصبي ، قيل لا يعتبر كما لا تعتبر ردته عنده ، وقيل يعتبر ، وصححه بعضهم وفرق بينه وبين الردة ، وحكم الصبية كالصبي وما لم يفرق القاضي هي امرأته حتى لو مات الزوج قبل أن تسلم امرأته الكافرة وجب لها المهر وإن لم يدخل بها ; لأن النكاح كان قائما ويتقرر بالموت .

وقال الشافعي : لا يعرض على المصر ; لأنه تعرض منهي عنه ، بل إن كان الإسلام قبل الدخول انقطع النكاح في الحال لعدم تأكده وإن كان بعده تأجل إلى انقضاء ثلاثة أطهار . وقول المصنف ثلاث حيض لا يتأتى على مذهبه في العدة ، فإن لم يسلم تزوجت . قلنا : اعتبار انقضاء العدة قبل الفرقة وإضافة انقطاع النكاح إلى الإسلام لا نظير له في الشرع ولا أصل يلحق به قياسا بجامع صحيح ولا سمعي يفيده ، بل الثابت شرعا اعتبار العدة بعد الفرقة .

ولنا أنه لا بد من سبب تضاف الفرقة إليه والإسلام عاصم قال صلى الله عليه وسلم { فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم } واختلاف الدين منتقض بتزوج المسلم كتابية ، ولأنه يرجع إلى إسلام المسلم ; لأنه الذي به حصل الاختلاف ، وكفر المصر لا يمنع وإلا لم يصح النكاح من الأصل فلم يبق إلا إباء الإسلام ; لأنه يصلح قاطعا فأضفنا انقطاع النكاح إليه فكان هو المناسب .

وفي الموطإ عن ابن شهاب الزهري { أن ابنة الوليد بن المغيرة كانت تحت صفوان بن أمية فأسلمت يوم الفتح وهرب زوجها صفوان بن أمية من الإسلام فلم يفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين امرأته حتى أسلم صفوان } واستقرت عنده امرأته بذلك النكاح والتعرض الممتنع الجبر ، أما نفس الكلام معه تخييرا لا يمتنع ولأنه استعلام حكم شرعي هل نزل بالمرأة أو لا ، ثم تأيد بما ذكره الطحاوي وابن العربي في المعارضة أن عمر فرق بين نصراني وبين نصرانية بإبائه عن الإسلام . وذكر أصحابنا أن رجلا من تغلب أسلمت امرأته وهي نصرانية فرفعت إلى عمر بن الخطاب فقال له أسلم وإلا فرقت بينكما فأبى ، ففرق بينهما ، وظهر حكمه بينهم ، ولم ينقل خلاف أحد له ( قوله وكان ذلك ) يعني تفريق القاضي عند إباء الزوج ( طلاقا ) بائنا . والحاصل أن أبا يوسف لا يفرق بين التفريق في الصورتين [ ص: 420 ] فيجعله فسخا لا ينقص شيئا من عدد الطلاق ، وأبو حنيفة ومحمد يجعلان الفرقة بإباء الزوج طلاقا وبإباء المرأة فسخا . لأبي يوسف أن الفرقة بسبب يشتركان فيه . يعني الإباء فإنه ممن أسلم عن الكفر وممن لم يسلم عن الإسلام أو هو على معنى أنه يمكن تحققه من كل منهما ، فإذا وجد منه لا يكون طلاقا فإنه يوجد منها ولا يكون طلاقا ، والفرض وحدة السبب فصار كالفرقة بسبب الملك وخيار البلوغ والمحرمية بالرضاع فإنهما يشتركان فيه بمعنى أنه يتحقق سببا من كل منهما فكان فسخا . ولهما أنه فات الإمساك بالمعروف فوجب التسريح بإحسان ، فإن طلق وإلا ناب القاضي منابه في ذلك فيكون طلاقا إذا كان نائبا عمن إليه الطلاق ; لأنه إنما ينوب عنه فيما إليه التفريق به والذي إليه الطلاق .

وأما المرأة فالذي إليها عند قدرتها على الفرقة شرعا الفسخ ، فإذا أبت ناب القاضي منابها فيما إليها التفريق به فلا تكون الفرقة إلا فسخا فالقاضي نائب منابهما فيهما ، بخلاف ما قاس عليه من الملك والمحرمية فإن الفرقة فيهما لا بهذا المعنى بل للتنافي . وأما خيار البلوغ فإن ملك الفرقة فيه لتطرق الخلل إلى المقاصد بسبب قصور شفقة العاقد لقصور قرابته . وعلى اعتبار تحقق هذا التطرق لا يكون للنكاح انعقاد من الأصل ، فالوجه في الفرقة الكائنة عنه كونها فسخا . وبخلاف ردته أيضا على قول أبي حنيفة ; لأن الفرقة فيها للتنافي : أي هي تنافي النكاح ابتداء فكذا بقاء ، ولذا لا يحتاج في ذلك كله إلى حكم الحاكم ، وإنما احتيج إليه في خيار البلوغ ; لأنه لدفع ضرر خفي ، والضرر في هذه جلي ولا يحتاج إليه في الإباء ، فعلم أن الإباء غير مناف للنكاح .

[ فرع ]

يقع طلاق زوج المرتدة وزوج المسلمة الآبي بعد التفريق عليهما ما دامتا في العدة ، أما في الإباء فلأن الفرقة بالطلاق ، وأما في الردة فلأن الحرمة بالردة غير متأبدة فإنها ترتفع بالإسلام فيقع طلاقه عليها في العدة مستتبعا فائدته من حرمتها عليه بعد الثلاث حرمة مغياة بوطء زوج آخر . بخلاف حرمة المحرمية فإنها متأبدة لا غاية [ ص: 421 ] لها فلا يفيد لحوق الطلاق فائدة

التالي السابق


الخدمات العلمية