صفحة جزء
( ولبن الفحل يتعلق به التحريم ، وهو أن ترضع المرأة صبية فتحرم هذه الصبية على زوجها وعلى آبائه وأبنائه ويصير الزوج الذي نزل لها منه اللبن أبا للمرضعة ) وفي أحد قولي الشافعي : لبن الفحل لا يحرم [ ص: 449 ] لأن الحرمة لشبهة البعضية واللبن بعضها لا بعضه . ولنا ما روينا ، والحرمة بالنسب من الجانبين فكذا بالرضاع . وقال عليه الصلاة والسلام لعائشة رضي الله عنها : { ليلج عليك أفلح فإنه عمك من الرضاعة } [ ص: 450 ] ولأنه سبب لنزول اللبن منها فيضاف إليه في موضع الحرمة احتياطا ( ويجوز أن يتزوج الرجل بأخت أخيه من الرضاع ) ; لأنه يجوز أن يتزوج بأخت أخيه من النسب وذلك مثل الأخ من الأب إذا كانت له أخت من أمه جاز لأخيه من أبيه أن يتزوجها . .


( قوله ولبن الفحل ) هو من إضافة الشيء إلى سببه ( يتعلق به التحريم ) يعني اللبن الذي نزل من المرأة بسبب ولادتها من رجل زوج أو سيد يتعلق به التحريم بين من أرضعته وبين ذلك الرجل بأن يكون أبا للرضيع ، فلا تحل له إن كانت صبية ; لأنه أبوها ولا لإخوته ; لأنهم أعمامها ولا لآبائه ; لأنهم أجدادها ولا لأعمامه ; لأنهم أعمام الأب ولا لأولاده وإن كانوا من غير المرضعة ; لأنهم إخوتها لأبيها ولا لأبناء أولاده ; لأن الصبية عمتهم ، وإذا ثبتت هذه الحرمة من زوج المرضعة فمنها أولى فلا تتزوج أباها ; لأنه جدها لأمها ولا أخاها ; لأنه خالها ولا عمها ; لأنها بنت بنت أخيه ولا خالها ; لأنها بنت بنت أخته ولا أبناءها وإن كانوا من غير صاحب اللبن ; لأنهم إخوتها لأمها . ولو كان لرجل زوجتان أرضعت كل منهما بنتا لا يحل لرجل أن يجمع بينهما ; لأنهما أختان من الرضاع لأب ، بخلاف ما لو تزوجت برجل وهي ذات لبن لآخر قبله فأرضعت صبية فإنها ربيبة للثاني وبنت للأول فيحل تزوجها بأبناء الثاني ، ولو كان المرضع صبيا حل له تزوجه ببناته هذا ما لم تلد من الثاني ، فإذا ولدت من الثاني فإن أرضعت رضيعا فهو ولد للثاني ، وإن حبلت من الثاني وهي ذات لبن من الأول فما لم تلد ، اللبن من الأول والرضيع به ولد له عند أبي حنيفة رضي الله عنه [ ص: 449 ] تثبت منه الحرمة خاصة ، وعند محمد رحمه الله ولد لهما فتثبت الحرمة من الزوجين . وقال أبو يوسف : إن علم أن اللبن من الثاني بأمارة كزيادة فهو ولد الثاني ، وإلا فهو ولد الأول .

وعنه : إن كان اللبن من الأول غالبا فهو له ، وإن كان من الثاني غالبا فهو للثاني ، وإن استويا فلهما ، وبقول أبي حنيفة قال الشافعي رضي الله عنه في الجديد ، وقد حكى الخلاف هكذا : إن زاد اللبن بالحبل فهو ابنهما عندهما وابن الأول عند أبي حنيفة رضي الله عنه ، وكونه ابنهما بزيادة اللبن مطلقا أنسب بقول محمد رحمه الله فيما إذا اختلط لبن امرأتين كما سيعلم فيها ، بخلاف ما لو ولدت للزوج فنزل لها لبن فأرضعت به ثم جف لبنها ثم در لها فأرضعت به صبية ، فإن لولد زوج المرضعة من غيرها التزوج بهذه الصبية ; لأن هذا ليس لبن الفحل ليكون هو أباها ، كما لو لم تلد من الزوج أصلا ونزل لها لبن فإنه لا يثبت بإرضاعها تحريم بين ابن زوجها ومن أرضعته ; لأنها ليست بنته ; لأن نسبته إليه بسبب الولادة منه ، فإذا انتفت انتفت النسبة فكان كلبن البكر ، ولبن الزنا كالحلال فإذا أرضعت به بنتا حرمت على الزاني وآبائه وأبنائه وأبناء أبنائهم وإن سفلوا .

وفي التجنيس : من علامة أجناس الناطفي عن الشيخ أبي عبد الله الجرجاني كان يقول في الدرس : لا يجوز للزاني أن يتزوج بالصبية المرضعة ولا لأبيه ولا لأجداده ولا لأحد من أولاده وأولادهم ، ولعم الزاني أن يتزوج بها ، كما يجوز له أن يتزوج بالصبية التي ولدت من الزاني ; لأنه لم يثبت نسبها من الزاني حتى يظهر فيها حكم القرابة ، والتحريم على آباء الزاني وأولاده لاعتبار الجزئية والبعضية ولا جزئية بينهما وبين العم ، وإذا ثبت هذا في حق المتولدة من الزنا فكذا في حق المرضعة بلبن الزنا . قال في الخلاصة : وكذا لو لم تحبل من الزنا وأرضعت لا بلبن الزاني تحرم على الزاني كما تحرم بنتها عليه من النسب . وذكر الوبري أن الحرمة تثبت من جهة الأم خاصة ما لم يثبت النسب حينئذ تثبت من الأب ، وكذا ذكر الإسبيجابي وصاحب الينابيع ، وهو أوجه ; لأن الحرمة من الزنا للبعضية وذلك في الولد نفسه ; لأنه مخلوق من مائه دون اللبن ، إذ ليس اللبن كائنا عن منيه ; لأنه فرع التغذي بخلاف الولد ، والتغذي لا يقع إلا بما يدخل من أعلى المعدة لا من أسفل البدن كالحقنة فلا إنبات فلا حرمة ، بخلاف ثابت النسب ; لأن النص وهو قوله صلى الله عليه وسلم { يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب } أثبت الحرمة منه ، وبه يستدل على إبطال قول ضعيف للشافعي أنه لا تثبت الحرمة من الزوج .

ونقل عن بعض الصحابة رضي الله عنهم ; لأنه لا جزئية بين الرجل وبين من أرضعته زوجته ، ولأنه لو نزل للرجل لبن فارتضعته صغيرة حلت له فكيف تحرم بلبن هو سبب بعيد فيه .

ولنا النظر المذكور ، وما روي عن [ ص: 450 ] عائشة رضي الله عنها في الصحيحين { أن أفلح أخا أبي القعيس استأذن علي بعدما نزل الحجاب وقلت : والله لا آذن له حتى أستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن أخا أبي القعيس ليس هو أرضعني وإنما أرضعتني امرأة أبي القعيس ، فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله إن الرجل ليس هو أرضعني ولكن أرضعتني امرأته ، فقال : ائذني له فإنه عمك تربت يداك } وفي رواية { تربت يمينك } إلى غير ذلك من الأحاديث الشاهدة بالحكم المذكور بحيث يتضاءل معها ذلك المعقول .

على أنه قد قيل إنه لا يتغذى الولد به ، وأما لبن الرجل فسيذكره المصنف رحمه الله ، وإذا ترجح عدم حرمة الرضيعة بلبن الزاني على الزاني كما ذكرنا فعدم حرمتها على من ليس اللبن منه أولى ، بخلاف ما في الخلاصة ، ولأنه يخالف المسطور في الكتب المشهورة إذ يقتضي تحريم بنت المرضعة بلبن غير الزوج على الزوج بطريق أولى ، وتقدم البحث في دلالة حديث { يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب } على حرمة الربيبة من الرضاع ( قوله : ولأنه سبب لنزول اللبن منها فتضاف الحرمة إليه احتياطا ) كالمصاهرة ; وأنت علمت الفرق بل حقيقة الحال أن البعضية تثبت بين المرضعة والرضيع فأثبتت حرمة الأبنية ثم انتشرت لوازم تحريم الولد . .

التالي السابق


الخدمات العلمية