صفحة جزء
( وإذا وصف الطلاق بضرب من الشدة أو الزيادة كان بائنا مثل أن يقول : أنت طالق بائن أو ألبتة ) وقال الشافعي : يقع رجعيا إذا كان بعد الدخول بها لأن الطلاق شرع معقبا للرجعة فكان وصفه بالبينونة خلاف المشروع فيلغو كما إذا قال : أنت طالق على أن لا رجعة لي عليك . ولنا أنه وصفه بما يحتمله لفظه ; ألا ترى أن البينونة قبل الدخول بها وبعد العدة تحصل به فيكون هذا الوصف لتعيين أحد المحتملين ، [ ص: 50 ] ومسألة الرجعة ممنوعة فتقع واحدة بائنة إذا لم تكن له نية أو نوى الثنتين . أما إذا نوى الثلاث فثلاث لما مر من قبل ، ولو عنى بقوله : أنت طالق واحدة وبقوله بائن أو ألبتة أخرى تقع تطليقتان بائنتان لأن هذا الوصف يصلح لابتداء الإيقاع ( وكذا إذا قال : أنت طالق أفحش الطلاق ) لأنه إنما يوصف بهذا الوصف باعتبار أثره وهو البينونة في الحال فصار كقوله بائن ، وكذا إذا قال أخبث الطلاق ( أو أسوأه لما ذكرنا ، وكذا إذا قال طلاق الشيطان [ ص: 51 ] أو طلاق البدعة ) لأن الرجعي هو السني فيكون قوله : البدعة وطلاق الشيطان بائنا . وعن أبي يوسف في قوله : أنت طالق للبدعة أنه لا يكون بائنا إلا بالنية لأن البدعة قد تكون من حيث الإيقاع في حالة حيض فلا بد من النية . وعن محمد أنه إذا قال : أنت طالق للبدعة أو طلاق الشيطان يكون رجعيا لأن هذا الوصف قد يتحقق بالطلاق في حالة الحيض فلا تثبت البينونة بالشك ( وكذا إذا قال : كالجبل ) لأن التشبيه به يوجب زيادة لا محالة وذلك بإثبات زيادة الوصف ، وكذا إذا قال : مثل الجبل لما قلنا ، وقال أبو يوسف : يكون رجعيا لأن الجبل شيء واحد فكان تشبيها به في توحده


( قوله وإذا وصف الطلاق بضرب من الشدة أو الزيادة كان بائنا مثل أن يقول : أنت طالق بائن أو ألبتة . وقال الشافعي : يقع رجعيا إذا كان بعد الدخول ) وبقوله قال مالك وأحمد ; لأن الطلاق شرع معقبا للرجعة فكان وصفه بالبينونة خلاف المشروع فيلغو لأنه تغيير المشروع فصار كسلام من عليه السهو بقصد القطع لا يعمل قصده ويجب عليه سجود السهو ، وكقوله : وهبتك على أن يثبت ملكك قبل القبض أو طالق على أن لا رجعة لي عليك .

ولنا أنه وصف الطلاق بما يحتمله وهو البينونة فإنه يثبت به البينونة قبل الدخول في الحال ، وكذا عند ذكر المآل وبعده بعد العدة فيقع واحدة بائنة إذا لم تكن له نية أو نوى الثنتين ، أما إذا نوى الثلاث فثلاث لما مر من أن اسم الواحدة لا يحتمل العدد المحض ، ولو سلم فالفرق أن لا رجعة تصريح بنفي المشروع ، وفي مسألتنا وصفه بالبينونة ولم ينف الرجعة صريحا بل يلزم ضمنا .

ويرد عليه أنه لو احتمل البينونة لصحت إرادتها بطالق وتقدم في إيقاع الطلاق عدم صحتها . وأجيب بأن عمل النية في الملفوظ لا في غيره ، ولفظ " بائن " ما صار ملفوظا بالنية ، بخلاف طالق بائن ، وفيه نظر إذ ليس معنى عمل النية في الملفوظ إلا توجيهه إلى بعض محتملاته ، فإذا فرض للفظ ذلك صح عمل النية فيه ، وقد فرض بطالق ذلك فتعمل فيه النية ، ولا تكون عاملة بلا لفظ بل ربما يعطي هذا الجواب افتقار " طالق بائن " في وقوع البينونة إلى النية وليس كذلك وإن قلنا في الجواب عدم صحة النية ليس لعدم الاحتمال بل لأنه قصد تنجيز ما علقه الشرع بانقضاء العدة ، وبه علله المصنف هناك . ورد عليه أن تغيير المشروع كما منع من صحة النية يجب أن يمنع من صحة اللفظ إذا كان مغيرا . نعم لو كانت البينونة بلفظ " بائن " على أنه وصف للمرأة " كطالق " لا وصف لطالق ، لكن ذلك منتف لأنه إذا عناها وصفا للمرأة تقع ثنتان ، وهو ما ذكره المصنف بقوله : ولو عنى بأنت [ ص: 50 ] طالق واحدة وبقوله بائن أو ألبتة أخرى تقع تطليقتان بائنتان ، على أن التركيب خبر بعد خبر لأن هذا الوصف يصلح لابتداء الإيقاع ، ولو أمكن أن يقال : الإيقاع ببائن وصفا لها وطالق قرينته فاستغنى به عن النية فلم يحتج إليها كما يحتاج إلى النية لو أفرد لم يبعد لكن فيه ما فيه ، ثم بينونة الأولى ضرورة بينونة الثانية ، إذ معنى الرجعي كونه بحيث يملك رجعتها وذلك منتف باتصال البائنة الثانية فلا فائدة في وصفها بالرجعية . وكل كناية قرنت بطالق يجري فيها ذلك فيقع ثنتان بائنتان ( قوله : وكذا إذا قال : أنت طالق أفحش الطلاق ) معطوف على أنت طالق بائن في الأحكام الأربعة ، وقوع الواحدة بائنة إذا لم ينو شيئا أو نوى ثنتين والثلاث بالنية . ولو عنى بطالق واحدة وبأفحش الطلاق أخرى يقع ثنتان . وإنما وقع البائن لأنه أي الطلاق إنما يوصف بهذا الوصف باعتبار أثره وهو قطع النكاح في الحال في البائن ومؤجلا بالانقضاء في الرجعي .

وأفعل للتفاوت وهو يحصل بالبينونة فإنه أفحش مما يثبت به مؤجلا : أعني الرجعي فصار كقوله بائن ، وكذا إذا قال أخبث الطلاق أو أسوأه . أو أشره أو أخشنه أو أكبره أو أغلظه وأطوله وأعرضه وأعظمه كلها مثل أفحشه ، وسنذكر جواب أنه لم لم يقع ثلاث ، وكذا طلاق الشيطان أو طلاق البدعة يقع به واحدة بائنة بلا نية لأن الرجعي هو السني فيكون البدعي وطلاق الشيطان هو البائن ، وفي عبارته تساهل إذ ليس الرجعي هو السني بل أعم ; لأنه لو طلقها في الحيض كان رجعيا وليس سنيا . [ ص: 51 ] وعن أبي يوسف في قوله : أنت طالق للبدعة لا يكون بائنا إلا بالنية لأن البدعة قد تكون من حيث الإيقاع في الحيض كما تكون بالبينونة فلا بد من النية . ولو قال أقبح الطلاق ، فعند أبي يوسف رجعي لاحتماله القبح الشرعي والطبيعي بأن يطلقها في وقت يكره فيه الطلاق طبعا ، كذا ذكر ، وكأنه الطهر الخالي عن الجماع فتجتمع الكراهة الطبيعية والشرعية ، أو يراد وقت تتفتى نفرة الطباع فيه عن الطلاق ، وعند محمد بائن حملا له على المنهي عنه

( قوله : وعن محمد أنه إذا قال : أنت طالق للبدعة أو طلاق الشيطان يكون رجعيا ) لما ذكرنا في وجه الرواية عن أبي يوسف ( قوله : وكذا إذا قال كالجبل ) لأن التشبيه بالجبل يوجب زيادة العظم فتحصل بإثبات زيادة الوصف البينونة ( وكذا إذا قال : مثل الجبل لما قلنا ، وقال أبو يوسف : يكون رجعيا لأن الجبل شيء واحد فكان التشبيه في توحده ) يعني يمكن ذلك فلا تثبت البينونة بالشك . قلنا المعروف الذي هو كالصريح أن التشبيه بالجبل إنما يراد في الثقل أو العظم فيثبت المشتهر قضية للفظ وتتوقف الوحدة على النية بينه وبين الله تعالى ، أما القاضي فلا يصدقه فيها .

التالي السابق


الخدمات العلمية