صفحة جزء
قال ( والمضمضة والاستنشاق ) لأنه عليه الصلاة والسلام فعلهما على المواظبة . وكيفيته أن يمضمض ثلاثا يأخذ لكل مرة ماء جديدا ثم يستنشق كذلك [ ص: 26 ] هو المحكي من وضوء صلى الله عليه وسلم


( قوله والمضمضة والاستنشاق ) والسنة فيهما المبالغة لغير الصائم وهو في المضمضة إلى الغرغرة ، وفي الاستنشاق إلى ما اشتد من الأنف ،ولو شرب الماء عبا أجزأ عن المضمضة ، وهو يفيد أن مجه ليس من حقيقتها ، وقيل لا يجزئه ، ومصا لا يجزئه .

( قوله : لأنه عليه الصلاة والسلام فعلهما على المواظبة ) جميع من حكى وضوءه عليه الصلاة والسلام فعلا وقولا اثنان وعشرون نفرا ، ولا بأس بإفادة حصرهم تكميلا وإسعافا : الأول عبد الله بن زيد فعلا ، وفيه مضمض واستنشق واستنثر ثلاثا بثلاث غرفات ، وفيه فمسح رأسه فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة ، رواه الستة عنه ، والمراد عبد الله بن زيد بن عاصم ، ووهم ابن عيينة في جعله إياه ابن زيد بن عبد ربه راوي الأذان . وفي قوله مسح مرتين إلا أن يكون رواه بمعنى أقبل وأدبر . الثاني عثمان فعلا في الصحيحين ، ولم يذكر في المضمضة والاستنشاق عدد غرفات ، ولا في المسح إقبالا ولا غيره . الثالث ابن عباس فعلا في البخاري وفيه { أخذ غرفة من ماء فتمضمض بها واستنشق } وفيه { ثم أخذ [ ص: 26 ] غرفة من ماء فغسل بها يده اليمنى ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها يده اليسرى ثم مسح برأسه } . الرابع المغيرة رواه البخاري في كتاب اللباس . الخامس علي بن أبي طالب فعلا رواه أصحاب السنن الأربعة ، وفيه { فمسح برأسه مرة واحدة } ، وفي رواية أبي داود في المضمضة والاستنشاق قال بماء واحد . السادس المقدام بن معدي كرب قولا دون تنصيص على عدد في شيء رواه أبو داود . السابع أبو مالك الأشعري فعلا كالذي قبله ، رواه عبد الرزاق والطبراني وأحمد وابن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه . الثامن أبو بكرة قولا كالذي قبله ، رواه البزار التاسع أبو هريرة قولا كالذي قبله ، رواه أحمد وأبو يعلى ، وزاد " أنه صلى الله عليه وسلم نضح تحت ثوبه ثم قال : هذا إسباغ الوضوء . العاشر وائل بن حجر ، رواه الترمذي عنه قولا ، وفيه { ثم مسح على رأسه ثلاثا وظاهر أذنيه ثلاثا وظاهر رقبته } ، وأظنه قال وظاهر لحيته ثلاثا ثم غسل قدمه اليمنى وفصل بين أصابعه ، أو قال خلل بين أصابعه ورفع الماء حتى جاوز الكعب ثم رفعه إلى الساق ، ثم فعل باليسرى مثل ذلك ، ثم أخذ حفنة من ماء فملأ بها يده ثم وضعها على رأسه حتى انحدر الماء من جوانبه وقال : هذا إتمام الوضوء ، ولم أره ينشف بثوب " . قال الإمام : يرويه محمد بن حجر بن عبد الجبار ، قال البخاري فيه نظر .

الحادي عشر جبير بن نفير ، رواه ابن حبان دون تنصيص على عدد في الرأس وغرفات المضمضة والاستنشاق . الثاني عشر أبو أمامة فرواه أحمد في مسنده . الثالث عشر أنس أخرج الدارقطني عن الحسن البصري أنه توضأ ثم قال : حدثني أنس بن مالك أن هذا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم دون ذلك التنصيص .

الرابع عشر أبو أيوب الأنصاري ، رواه الطبراني وإسحاق بن راهويه قال : { كان صلى الله عليه وسلم إذا توضأ تمضمض واستنشق وأدخل أصابعه من تحت لحيته فخللها } . الخامس عشر كعب بن عمرو اليماني ، رواه أبو داود عنه قال : { دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ ، والماء يسيل من وجهه ولحيته على صدره ، فرأيته يفصل بين المضمضة والاستنشاق } ا هـ . ورواه الطبراني ، وفصل معنى التفصيل وسنذكره عن قريب إن شاء الله تعالى . السادس عشر عبد الله بن أبي أوفى قولا ، رواه أبو يعلى دون ذلك التنصيص . السابع عشر البراء بن عازب فعلا ، رواه الإمام أحمد كذلك . الثامن عشر أبو كاهل قيس بن عائذ قولا ، وفيه { فغسل يعني النبي صلى الله عليه وسلم يده ثلاثا وتمضمض واستنشق ثلاثا ثلاثا وغسل ذراعيه ثلاثا ومسح برأسه ولم يوقت وغسل رجليه ولم يوقت } ، ولعل قوله ذلك هو الوجه للقائلين بعدم سنية التثليث في غسل الرجل ، وقد ضعف بالهيثم بن جماز ، وحديث الربيع بعده صريح في تثليث الرجلين . التاسعة عشر الربيع بنت معوذ فرواه أبو داود عنها قولا قالت فيه : فغسل كفيه ثلاثا ووضأ وجهه ثلاثا ومضمض واستنشق مرة ووضأ يده ثلاثا ، ومسح برأسه مرتين يبدأ بمؤخر رأسه ثم بمقدمه ، وفيه : وضأ رجليه ثلاثا ثلاثا . العشرون عائشة رضي الله عنها فعلا ، رواه النسائي في سننه الكبرى ، وفيه : مسحت رأسها مسحة واحدة إلى مؤخره ثم مرت بيديها بأذنيها ، وليس في شيء منها ذكر التسمية إلا حديث ضعيف أخرجه الدارقطني عن حارثة بن أبي الرجال عن عمرة عن عائشة قالت : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مس طهورا سمى الله تعالى } .

الحادي والعشرون عبد الله بن أنيس فعلا ، رواه الطبراني ، وفيه : مسح برأسه مقبلا ومدبرا ومس أذنيه الثاني والعشرون عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وسنذكرها قريبا ، وقد أشرنا فيها إلى الأطراف المذكورة في كيفية المسح وغرفات المضمضة والاستنشاق ; لأنهما موضعا خلاف فتتيسر الإحالة عند الكلام عليهما ، وكلها نص على المضمضة والاستنشاق فلا شك في ثبوت المواظبة عليهما ( قوله هو المحكي ) تقدم من حكاية عبد الله بن زيد [ ص: 27 ] فمضمض واستنشق واستنثر ثلاثا بثلاث غرفات ، ومعلوم أن الاستنثار ليس أخذ ماء ليكون له غرفات ، والمراد بثلاث غرفات مثل المراد بقوله ثلاثا ، فكما أن المراد كل من المضمضة والاستنشاق ثلاثا فكذا كل من المضمضة والاستنشاق بثلاث غرفات . وقد جاء مصرحا في حديث الطبراني : حدثنا الحسين بن إسحاق التستري ، حدثنا شيبان بن فروخ ، حدثنا أبو سلمة الكندي ، حدثنا ليث بن أبي سليم ، حدثني طلحة بن مشرف عن أبيه عن جده كعب بن عمرو اليامي { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا ، يأخذ لكل واحدة ماء جديدا ، وغسل وجهه ثلاثا ، فلما مسح رأسه قال هكذا ، وأومأ بيديه من مقدم رأسه حتى بلغ بهما إلى أسفل عنقه من قبل قفاه } وقدمنا رواية أبي داود مختصرا وسكت عليه هو والمنذري بعده . وما نقل عن ابن معين أنه سئل : ألكعب صحبة ؟ فقال : المحدثون يقولون إنه رآه صلى الله عليه وسلم ، وأهل بيت طلحة يقولون ليست له صحبة غير قادح ، فإذا اعترف أهل الشأن بأن له صحبة تم الوجه ، ويدل عليه ما رواه ابن سعد في الطبقات : أخبرنا يزيد بن هارون عن عثمان بن مقسم البري عن ليث عن طلحة بن مصرف اليامي عن جده قال { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح هكذا ، ووصف فمسح مقدم رأسه جر يديه إلى قفاه }

وما في حديث علي بماء واحد لا يعارض الصحيح من حديث ابن زيد وكعب ، وما في حديث ابن عباس فأخذ غرفة من ماء إلى آخر ما تقدم يجب صرفه إلى أن المراد تجديد الماء بقرينة قوله بعد ذلك : ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها يده اليمنى ، ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها يده اليسرى ، ومعلوم أن لكل من اليدين ثلاث غرفات لا غرفة واحدة ، فكان المراد أخذ ماء لليمنى ثم ماء لليسرى ، إذ ليس يحكي الفرائض فقد حكى السنن من المضمضة وغيرها ، ولو كان لكان المراد أن ذلك أدنى ما يمكن إقامة المضمضة به ، كما أن ذلك أدنى ما يقام فرض اليد به ; لأن المحكي إنما هو وضوءه الذي كان عليه ليتبعه المحكي لهم ، وما روي بكف واحد فلنفي كونه بكفين معا أو على التعاقب ، كما ذهب إليه بعضهم من أن المضمضة باليمنى والاستنشاق باليسرى

التالي السابق


الخدمات العلمية