صفحة جزء
( وإن قال لها : طلقي نفسك قالت : أبنت نفسي طلقت ) ولو قالت : قد اخترت نفسي لم تطلق لأن الإبانة من ألفاظ الطلاق ، ألا ترى أنه لو قال لامرأته : أبنتك ينوي به الطلاق أو قالت : أبنت نفسي فقال الزوج : قد أجزت ذلك بانت فكانت موافقة للتفويض في الأصل إلا أنها زادت فيه وصفا وهو [ ص: 98 ] تعجيل الإبانة فيلغو الوصف الزائد ويثبت الأصل ، كما إذا قالت : طلقت نفسي تطليقة بائنة ، وينبغي أن تقع تطليقة رجعية . بخلاف الاختيار لأنه ليس من ألفاظ الطلاق ; ألا ترى أنه لو قال لامرأته اخترتك أو اختاري ينوي الطلاق لم يقع ، لو قالت ابتداء : اخترت نفسي فقال الزوج : قد أجزت لا يقع شيء إلا أنه عرف طلاقا بالإجماع إذا حصل جوابا للتخيير ، وقوله طلقي نفسك ليس بتنجيز فيلغو . وعن أبي حنيفة أنه لا يقع شيء بقولها أبنت نفسي لأنها أتت بغير ما فوض إليها إذ الإبانة تغاير الطلاق .


( قوله وإن قال لها : طلقي نفسك فقالت : أبنت نفسي طلقت ) أي رجعيا ، ولو قالت : اخترت نفسي لم تطلق . وحاصل الفرق بين صحة الجواب بأبنت وعدمه باخترت أن المفوض الطلاق ، والإبانة من ألفاظه التي تستعمل في إيقاعه كناية فقد أجابت بما فوض إليها ، بخلاف الاختيار لأنه ليس من ألفاظ الطلاق لا صريحا ولا كناية ، ولهذا لو قالت : أبنت نفسي توقف على إجازته ، ولو قالت اخترت نفسي فهو باطل ولا تلحقه إجازة ، وإنما صار كناية بإجماع الصحابة رضي الله عنهم فيما إذا جعل جوابا للتخيير ، غير أنها زادت وصف تعجيل البينونة فيه فيلغو الوصف ويثبت الأصل . لا يقال : قد صح جوابا للأمر باليد . لأنا نقول : الأمر باليد هو التخيير معنى فيثبت جوابا له بدلالة نص إجماعهم على التخيير . وهذا لأن قوله أمرك بيدك ليس معناه إلا أنك مخيرة في أمرك الذي هو الطلاق بين إيقاعه وعدمه ، فحيث جعل جوابا للتخيير بلفظ التخيير كان جوابا للتخيير بمرادفه للعلم بأن خصوص اللفظ ملغى ، بخلاف طلقي لأنه وضعا طلب الطلاق لا التخيير بينه وبين عدمه ، ثم إذا أجابت باخترت نفسي خرج الأمر من يدها باشتغالها بما لا يعنيها في ذلك الأمر . وعن أبي حنيفة أنه لا يقع بجوابها بأبنت نفسي لأنها أتت بغير ما فوض إليها ، لأن الإبانة تغاير الطلاق [ ص: 98 ] لحصول كل منهما دون الآخر ، ويخرج الأمر من يدها كما يخرج بقولها اخترت ، وصار كما لو قال : طلقي نفسك نصف تطليقة فطلقت تطليقة أو قال : ثلاثا فطلقت ألفا لا يقع شيء . الجواب أنها خالفته فيهما في الأصل ، في الأولى ظاهر وكذا في الثانية ، لأن الإيقاع بالعدد عند ذكره لا بالوصف على ما تقدم فيكون خلافا معتبرا ، بخلاف ما نحن فيه لأنها خالفت في الوصف بعد موافقتها في الأصل فلا يعد خلافا إذ الوصف تابع . واعلم أن المسألتين ذكرهما التمرتاشي ، والخلاف فيهما في الأصل إنما هو باعتبار صورة اللفظ ليس غيره ، إذ لو أوقعت على المرافقة : أعني الثلاث والنصف كان الواقع هو الواقع بالتطليقة والألف ، والخلاف في مسألة الكتاب باعتبار المعنى ، فإن الواقع بمجرد الصريح ليس هو الواقع بالبائن ، وقد اعتبر الخلاف لمجرد اللفظ بلا مخالفة في المعنى خلافا نظرا إلى أنه الأصل في الإيقاع ، والخلاف في المعنى غير خلاف وفيه ما لا يخفى

التالي السابق


الخدمات العلمية