صفحة جزء
والمني نجس يجب غسله إن كان رطبا ( فإذا جف على الثوب أجزأ فيه الفرك ) لقوله عليه الصلاة والسلام لعائشة { فاغسليه إن كان رطبا وافركيه إن [ ص: 197 ] كان يابسا } وقال الشافعي رحمه الله : المني طاهر ، والحجة عليه ما رويناه .

وقال عليه الصلاة والسلام { إنما [ ص: 198 ] يغسل الثوب من خمس ، وذكر منها المني } ولو أصاب البدن .

قال مشايخنا رحمهم الله : يطهر بالفرك لأن البلوى فيه أشد .

وعن أبي حنيفة رحمه الله أنه لا يطهر إلا بالغسل لأن حرارة البدن جاذبة فلا يعود إلى الجرم والبدن لا يمكن فركه .


( قوله لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة ) الذي في صحيح أبي عوانة عن { عائشة قالت كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يابسا ، وأمسحه أو أغسله ، شك الحميدي ، إذا كان رطبا } ورواه [ ص: 197 ] الدارقطني وأغسله من غير شك ، فهذا فعلها .

وأما أنه صلى الله عليه وسلم قال لها ذلك ، فالله أعلم ، لكن الظاهر أن ذلك بعلم النبي صلى الله عليه وسلم خصوصا إذا تكرر منها مع التفاته صلى الله عليه وسلم إلى طهارة ثوبه وفحصه عن حاله ، وأظهر منه قولها { كنت أغسله من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخرج إلى الصلاة وإن بقع الماء في ثوبه } فإن الظاهر أنه يحس ببلل ثوبه وهو موجب الالتفات إلى حال الثوب والفحص عن خبره وعند ذلك يبدو له السبب في ذلك وقد أقرها عليه ، فلو كان طاهرا لمنعها من إتلاف الماء لغير حاجة فإنه حينئذ سرف في الماء إذ ليس السرف في الماء إلا صرفه لغير حاجة ومن إتعاب نفسها فيه لغير ضرورة ، على أن في مسلم عن عائشة { أنه صلى الله عليه وسلم كان يغسل المني ثم يخرج إلى الصلاة في ذلك الثوب وأنا أنظر إلى أثر الغسل فيه } فإن حمل على حقيقته من أنه فعله بنفسه فظاهر أو على مجازه وهو أمره بذلك فهو فرع علمه .

وأما حديث { إنما يغسل الثوب من خمس } فرواه الدارقطني عن عمار بن ياسر قال { أتى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا على بئر أدلو ماء في ركوة قال : يا عمار ما تصنع ؟ قلت : يا رسول الله بأبي وأمي أغسل ثوبي من نخامة أصابته ، فقال : يا عمار إنما يغسل الثوب من خمس : من الغائط والبول ، والقيء ، والدم ، والمني ، يا عمار ما نخامتك ودموع عينك والماء الذي في ركوتك إلا سواء } قال : لم يروه عن علي بن زيد غير ثابت بن حماد ، وهو ضعيف وله أحاديث في أسانيدها الثقات وهي مناكير ومقلوبات . ودفع بأنه وجد له متابع عند الطبراني . رواه في الكبير من حديث حماد بن سلمة عن علي بن زيد سندا ومتنا ، وبقية الإسناد : حدثنا الحسين بن إسحاق التستري ، حدثنا علي بن بحر ، حدثنا إبراهيم بن زكريا العجلي ، حدثنا حماد بن سلمة به ، فبطل جزم البيهقي ببطلان الحديث بسبب أنه لم يروه عن علي بن زيد سوى ثابت . وقوله في علي هذا إنه غير محتج به دفع بأن مسلما روى له مقرونا بغيره ، وقال العجلي : لا بأس به ، وروى له الحاكم في المستدرك ، وقال الترمذي صدوق ، وإبراهيم بن زكريا ضعفه غير واحد ووثقه البزار ( قوله وقال الشافعي : المني طاهر ) تمسك هو أيضا بالحديث الأول ، فلو كان نجسا لم يكتف بفركه ، وبما عن ابن عباس عنه صلى الله عليه وسلم { أنه سئل عن المني يصيب الثوب فقال : إنما هو بمنزلة المخاط أو البزاق ، وقال : إنما يكفيك أن تمسحه بخرقة أو إذخرة } قال الدارقطني : لم يرفعه غير إسحاق الأزرق عن شريك القاضي ، ورواه البيهقي من طريق الشافعي [ ص: 198 ] موقوفا على ابن عباس قال هذا هو الصحيح ، وقد روي عن شريك عن ابن أبي ليلى عن عطاء مرفوعا ولا يثبت ا هـ . لكن قال ابن الجوزي في التحقيق : إسحاق الأزرق إمام مخرج له في الصحيحين ورفعه زيادة وهي من الثقة مقبولة ولأنه مبدأ خلق الإنسان وهو مكرم فلا يكون أصله نجسا ، وهذا ممنوع فإن تكريمه يحصل بعد تطويره الأطوار المعلومة من المائية والمضغية والعلقية ، ألا يرى أن العلقة نجسة ، وأن نفس المني أصله دم فيصدق أن أصل الإنسان دم وهو نجس ، والحديث بعد تسليم حجيته رفعه معارض بما قدمنا ، ويترجح ذلك بأن المحرم مقدم على المبيح ، ثم قيل : إنما يطهر بالفرك إذا لم يسبقه مذي ، فإن سبقه لا يطهر إلا بالغسل .

وعن هذا قال شمس الأئمة : مسألة المني مشكلة لأن كل فحل يمذي ثم يمني ، إلا أن يقال : إنه مغلوب بالمني مستهلك فيه فيجعل تبعا ا هـ .

وهذا ظاهر فإنه إذا كان الواقع أنه لا يمني حتى يمذي وقد طهره الشرع بالفرك يابسا يلزم أنه اعتبر ذلك الاعتبار للضرورة ، بخلاف ما إذا بال ولم يستنج بالماء حتى أمنى فإنه لا يطهر حينئذ إلا بالغسل لعدم الملجئ كما قيل . وقيل لو بال ولم ينتشر البول على رأس الذكر بأن لم يجاوز الثقب فأمنى لا يحكم بتنجس المني ، وكذا إن جاوز لكن خرج المني دفقا من غير أن ينتشر على رأس الذكر لأنه لم يوجد سوى مروره على البول في مجراه ولا أثر لذلك في الباطن ، ولو كان للمصاب بطانة نفذ إليها اختلف فيه ، قال التمرتاشي : والصحيح أنه يطهر بالفرك لأنه من أجزاء المني ، وقال الفضلي : مني المرأة لا يطهر بالفرك لأنه رقيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية