صفحة جزء
باب طلاق المريض [ ص: 145 ] ( وإذا طلق الرجل امرأته في مرض موته طلاقا بائنا فمات وهي في العدة ورثته ، وإن مات بعد انقضاء العدة فلا ميراث لها ) وقال الشافعي رحمه الله : لا ترث في الوجهين لأن الزوجية قد بطلت بهذا العارض وهي السبب [ ص: 146 ] ولهذا لا يرثها إذا ماتت . ولنا أن الزوجية سبب إرثها في مرض موته والزوج قصد إبطاله فيرد عليه قصده بتأخير عمله إلى زمان انقضاء العدة دفعا للضرر عنها ، وقد أمكن لأن النكاح في العدة يبقى في حق بعض الآثار فجاز أن يبقى [ ص: 147 ] في حق إرثها عنه ، بخلاف ما بعد الانقضاء لأنه لا إمكان ، والزوجية في هذه الحالة ليست بسبب لإرثه عنها فتبطل في حقه خصوصا إذا رضي به .


( باب طلاق المريض ) لما فرغ من طلاق الصحيح بأقسامه من التنجيز والتعليق والصريح والكناية وكلا وجزءا شرع في بيان طلاق المريض إذ المرض من العوارض ، وتصور مفهومه ضروري إذ لا شك أن فهم المراد من لفظ المرض أجلى من [ ص: 145 ] فهمه من قولنا معنى يزول بحلوله في بدن الحي اعتدال الطبائع الأربع ، بل ذلك يجري مجرى التعريف بالأخفى ( قوله في مرض موته ) احتراز عما لو صح من ذلك المرض بعد ما طلقها ثم مات وهي في العدة لا يكون له حكم مرض الموت فلا ترثه ، وقيد بالبائن لأن في الرجعي يرثه وترثه في العدة وإن طلق في الصحة لقيام النكاح .

قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم أن في طلاق يملك الرجعة بعد الدخول يتوارثان في العدة .

وأجمعوا أنه لو طلقها في الصحة في كل طهر واحدة ثم مات أحدهما لا يرثه الآخر ، وبالعدة لأنها لا ترثه إذا مات بعد انقضائها ، خلافا لمالك في قوله ترث وإن تزوجت بعشرة أزواج .

ولابن أبي ليلى في قوله ترث ما لم تتزوج وهو قول أحمد ، ويعرف من تقييد الإرث بالعدة أنه لو طلق امرأته التي لم يدخل بها في مرض مات فيه لا ترث لأنها لا عدة عليها من ذلك الطلاق ، وقيد بغير الرضا ، لأنه لو طلقها برضاها لا ترث ، ولا بد من قيد كونهما ممن يتوارثان حال الطلاق لأنه تعلق حقها بماله إذا مرض هو إذ ذاك ، حتى لو كانت كتابية أو أحدهما مملوكا وقت الطلاق لا ترث ، وإن أسلمت في العدة قبل موته أو عتق لا ترث .

أما لو قال في مرضه إذا أسلمت فأنت طالق بائنا ترثه لأنه علق بزمان تعلق حقها بماله .

واختلفوا فيما إذا دام به المرض أكثر من سنتين ثم مات ثم جاءت بولد بعد موته لأقل من ستة أشهر ، فعند أبي يوسف ترث ، وعندهما لا ترث بناء على أن المبانة إذا جاءت بولد لأكثر من سنتين تنقضي به العدة عنده حملا على أنه حادث في العدة من زنا فلا يثبت نسبه منه ، ويتيقن بوضعه براءة الرحم فتنقضي به العدة بعد موته فترث .

وعندهما لا يحمل على الزنا وإن قالته ، بل على أنه من زوج آخر بعد عدة الأول فتبين أن عدتها انقضت قبل موته فلا ترث ، وستأتي المسألة في ثبوت النسب ( قوله وهي السبب ) أي الزوجية هي السبب في الإرث وقد انقطعت بالبينونة ، وكذا لا يرثها إذا ماتت في العدة ، فلو كانت الزوجية باقية لاقتضت التوارث من الجانبين ، وبمذهبنا قال عمر وابنه وعثمان وابن مسعود والمغيرة ، ونقله أبو بكر الرازي عن علي وأبي بن كعب وعبد الرحمن بن عوف وعائشة وزيد ابن ثابت ، ولم يعلم عن صحابي خلافه ، وهو مذهب النخعي والشعبي وسعيد بن المسيب وابن سيرين وعروة [ ص: 146 ] وشريح وربيعة بن عبد الرحمن وطاوس وابن شبرمة والثوري وحماد بن أبي سليمان والحرث العكلي .

لنا الإجماع والقياس .

أما الإجماع فلأن عثمان رضي الله عنه ورث تماضر بنت الأصبغ بن زياد الكلبية ، وقيل بنت عمرو بن الشريد السلمية من عبد الرحمن بن عوف لما بت طلاقها في مرضه ومات وهي في العدة بمحضر من الصحابة فلم ينكر عليه أحد فكان إجماعا ، وقال : ما اتهمته ولكن أردت السنة .

وهذه الرواية أليق مما روي عن عثمان أنه قال حين ورثها فر من كتاب الله .

وقد ذكر عن عبد الرحمن أنه قال : ما فررت من كتاب الله .

وقول ابن الزبير في خلافته : لو كنت أنا لم أورثها ، أراد به لعدم علمي إذ ذاك بأن الحكم الشرعي في حقها ذلك ، وهو بعد انعقاد الإجماع فيه فلا يقدح فيه .

لا يقال : بل على هذا التقرير لم يكن إجماعا لأنه كان سكوتيا ، وحين قال ابن الزبير ذلك ظهر أن سكوته لم يكن وفاقا .

لأنا نقول : نعم لو كان إذ ذاك فقيها لكنه لم يكن في ذلك الزمان من الفقهاء إذ لم يعرف له قبل ذلك فتوى ولا شهرة بفقه ، والحكم في ذلك يتبع ظهور ذلك فخلافه كخلاف ابن عباس في مسألة العول .

وقول المالكية : كان قضاء عثمان بعد العدة معارض بقول الجمهور أنه كان فيها .

وأما القياس فعلى ما لو وهب كل ماله أو تبرع لبعض الورثة في مرض موته بجامع إبطال حق بعد تعلقه بماله فيه ، وهذا لأن حق الورثة يتعلق بماله بالمرض لأنه سبب الموت ، ولذا حجر عن التبرعات بما زاد على الثلث والزوجة من الورثة فقد تم القياس بعد الإجماع ، وهذا القياس لا يتوقف على ظهور قصد الإبطال بل هو دائر مع ثبوت الإبطال سواء قصده أو لم يقصده ولم يخطر له .

وأما القياس المتوقف عليه كما فعل المصنف فهو قياسه على قاتل المورث .

وصورته : هكذا قصد إبطال حقها بعد تعلقه فيثبت نقيض مقصوده كقاتل المورث بجامع كونه فعله محرما لغرض فاسد فالحكم ثبوت نقيض مقصوده ، ولذا اختلف خصوص الثابت في الأصل والفرع ، فإنه في الأصل منع الميراث وفي الفرع ثبوت الميراث .

وهذا التعليل في طريق الآمدي بمناسب غريب إذ لم يشهد له أصل بالاعتبار ، بل الثابت مجرد ثبوت الحكم معه في المحل : أعني القاتل ، وأما عندنا فقد ثبت اعتباره بالإجماع المذكور ، وكان مقتضى القياس أن ترث ولو مات بعد تزوجها كقول مالك ، إلا أن أصحابنا رأوا أن اشتراط عمل هذه العلة الإمكان وهو ببقاء العدة بناء على أن حكم الشرع بالميراث لا بد أن يكون لنسب أو سبب وهو الزوجية والعتق ، فحيث [ ص: 147 ] اقتضى الدليل توريث الشرع إياها لزم أنه اعتبر بقاء النكاح حال الموت ، ومعلوم أن بقاءه إما بالحكم بقيامه حقيقة أو بقيام آثاره من منع الخروج والتزوج وغير ذلك وقيام هذه الآثار ليس إلا بقيام العدة فيلزم ثبوت توريثها بموته في عدمها ، والمصنف لم يعين لقياسه أصلا في الإلحاق ، بل قال : قصد إبطال حقها فيرد عليه قصده دفعا للضرر ، ومثله لا يفعل إلا إذا كان هناك أموال شتى يمكن الإلحاق بكل منها ، وليس يعرف لرد القصد أصل سوى قاتل المورث .

ويمكن أنه اعتبر أصوله كل من ألزم ضررا بطريق غير مباح فإنه يرد ذلك عليه ، إلا أن قوله الزوجية سبب إرثها في مرض موته غير جيد لأنها سبب إرثها عند موته عن مرض أو فجأة .

والوجه أن يقول : الزوجية سبب تعلق حقها بماله في مرض موته والزوج قصد إلخ ( قوله بخلاف ما بعد الانقضاء ) أي انقضاء العدة لأنه لا إمكان للتوريث إذا لم يعهد بقاء شيء من آثار النكاح بعدها .

على أنه روي عن عمر وعائشة وابن مسعود وابن عمر وأبي بن كعب أن امرأة الفار ترث ما دامت في العدة ، وبه يحمل قول أبي بكر الصديق ترث ما لم تتزوج : أي ما لم تقدر على قدرة التزوج وهو بانقضاء العدة : أي ما لم تقدر عليه ( قوله والزوجية إلخ ) جواب عن قوله ولهذا لا يرثها : أي الزوجية في هذه الحالة : أي حالة مرضه ليست سببا لإرثه عنها بل في حال مرضها .

ونقول : لو كانت هي المريضة فأبانت نفسها بأن ارتدت حينئذ يثبت حكم الفرار في حقها فيرثها الزوج ، بخلاف ما لو ارتدت صحيحة لأنها بانت بنفس الردة قبل أن تصير مشرفة على الهلاك ولا هي بالردة مشرفة عليه لأنها لا تقتل ( قوله فتبطل في حقه ) برفع اللام فتبطل الزوجية بالطلاق البائن في حق الرجل حقيقة وحكما فلا يرثها إذا ماتت ، بخلاف ما إذا أبانها في مرض موته ثم مات حيث ترثه لأن الزوجية وإن بطلت بالبائن حقيقة لكنها جعلت باقية في حقها دفعا للضرر عنها لأنه قصد إبطال حقها ، وضبطه بنصب اللام على أنه جواب النفي سهو لأنه حينئذ ينعكس الغرض ، إذ يكون معناه لو كانت الزوجية سببا لإرثه منها لبطلت ، ولكنها ليست بسبب فلا تبطل ، وإذا لم تبطل فيجب أن يرثها ولا يقول به أحد

التالي السابق


الخدمات العلمية