صفحة جزء
( والرجعة أن يقول راجعتك أو راجعت امرأتي ) وهذا صريح في الرجعة ولا خلاف فيه بين الأئمة قال ( أو يطأها أو يقبلها أو يلمسها بشهوة أو ينظر إلى فرجها بشهوة ) وهذا عندنا [ ص: 160 ] وقال الشافعي رحمة الله تعالى عليه : لا تصح الرجعة إلا بالقول مع القدرة عليه لأن الرجعة بمنزلة ابتداء النكاح حتى يحرم وطؤها ، وعندنا هو استدامة النكاح على ما بيناه وسنقرره إن شاء الله تعالى ، والفعل قد يقع دلالة على الاستدامة كما في إسقاط الخيار ، [ ص: 161 ] والدلالة فعل يختص بالنكاح وهذه الأفاعيل تختص به خصوصا في الحرة ، بخلاف النظر والمس بغير شهوة لأنه قد يحل بدون النكاح كما في القابلة والطبيب وغيرهما ، والنظر إلى غير الفرج قد يقع بين المساكنين والزوج يساكنها في العدة ، فلو كان رجعة لطلقها فتطول العدة عليها .


( قوله وهذا صريح ) ألفاظ الرجعة صريح وكناية ، فالصريح راجعتك في حال خطابها وراجعت امرأتي في حال غيبتها وحضورها أيضا ، ومن الصريح ارتجعتك ورجعتك ورددتك وأمسكتك .

وفي المحيط : مسكتك بمنزلة أمسكتك وهما لغتان ، فهذه يصير مراجعا بها بلا نية ، وفي بعض المواضع يشترط في رددتك ذكر الصلة فيقول إلي أو إلى نكاحي أو إلى عصمتي ، ولا يشترط في الارتجاع والمراجعة وهو حسن إذ مطلقه يستعمل لضد القبول .

والكنايات أنت عندي كما كنت وأنت امرأتي فلا يصير مراجعا إلا بالنية .

لأن حقيقته تصدق على إرادته باعتبار الميراث .

واختلفوا في الإمساك والنكاح والتزوج ، فلو تزوجها في العدة لا يكون رجعة عند أبي حنيفة ، وعند محمد هو رجعة ، وعن أبي يوسف روايتان ، قال أبو جعفر : وبقول محمد نأخذ .

وفي الينابيع عليه الفتوى ، وكذا في القنية .

وجه قول أبي حنيفة أن تزوج الزوجة ملغي فلا يعتبر ما في ضمنه .

قلنا نحن لا نعتبره باعتبار ما في ضمنه بل باعتبار لفظ التزوج مجازا في معنى الإمساك .

وفي الذخيرة : لو قال راجعتك بمهر ألف درهم إن قبلت صح وإلا فلا لأنها زيادة في المهر فيشترط قبولها .

وفي المرغيناني والحاوي قال : راجعتك على ألف ، قال أبو بكر : لا تجب الألف ولا تصير زيادة في المهر كما في الإقالة ( قوله ولا خلاف فيه بين الأئمة ) كأنه لم يعتبر أحد قولي مالك خلافا ، فإنه ذكر في الجواهر في حصول الرجعة براجعتك بلا نية قولان لمالك كما في نكاح الهازل ( قوله أو يقبلها أو يلمسها بشهوة ) يحتمل كون الشهوة قيدا في اللمس لا فيهما لأنه أفرد النظر إلى الفرج بقيد الشهوة ، فلو كان من غرضه التشريك في القيد لاقتصر على ذكره بعد الكل .

وفي المبسوط والذخيرة : التقبيل بشهوة والنظر إلى داخل فرجها بشهوة رجعة ، ولم يقيد التقبيل في الكتاب .

وأما النظر إلى دبرها فليس برجعة على قياس قول أبي حنيفة .

وفي البدائع وهو قول محمد المرجوع إليه ، وفي بعض المواضع يكره التقبيل واللمس بغير شهوة ، فدل أنهما لا يكونان رجعة .

وفي الخلاصة أجمعوا على أنه لو مكنها أو قبلها بشهوة أو لمسها بشهوة تثبت الرجعة فقيد القبلة بالشهوة ، لكن قولهم في الاستدلال إن الفعل يصلح دليلا على الاستدامة والدلالة إنما تقوم بفعل يختص بالنكاح : أي يختص حكمه به يفيد عدم [ ص: 160 ] اشتراطها في القبلة لأن القبلة مطلقا يختص حكمها به ، بخلاف اللمس والنظر فإنهما لا يختصان به إلا إذا كانا عن شهوة لما يذكر فلا يكونان عن غير شهوة دليلا ، ولا يكون النظر بشهوة إلى غير داخل الفرج منها رجعة .

هذا ولا فرق بين كون القبلة واللمس والنظر منها أو منه في كونه رجعة إذا كان ما صدر منها بعلمه ولم يمنعها اتفاقا ، فإن كان اختلاسا منها بأن كان نائما مثلا لا بتمكينه ، أو فعلته وهو مكره أو معتوه ذكرشيخ الإسلام وشمس الأئمة أن على قول أبي حنيفة ومحمد تثبت الرجعة خلافا لأبي يوسف انتهى ، وعن محمد كقول أبي يوسف .

وذكر أن أبا يوسف مع أبي حنيفة .

وجه الأول الاعتبار بالمصاهرة لا فرق في ثبوت حرمتها بين كون ذلك منها أو منه ، وكذا إذا أدخلت فرجه في فرجها وهو نائم أو مجنون كانت رجعة اتفاقا ، كالجارية المبيعة بشرط الخيار للبائع إذا فعلت بالبائع ذلك في مدة الخيار ينفسخ البيع .

وأبو يوسف فرق بأن إسقاط الخيار قد يكونان بفعلها كما إذا جنت على نفسها والرجعة لا تكون بفعلها قط .

وعن أبي يوسف أيضا أنه قال في الجارية لا يسقط الخيار بفعلها ، هذا إذا صدقها الزوج في الشهوة ، فإذا أنكر لا تثبت الرجعة ، وكذا إن مات فصدقها الورثة ، ولا تقبل البينة على الشهوة لأنها غيب ، كذا في الخلاصة .

ولا تكون الخلوة ولا المسافرة بها رجعة إلا عند زفر وأبي يوسف في رواية ، وتكره المسافرة بها ككراهة خروجها من المنزل ، وعن أبي حنيفة لا تكره ، ويأتي الكلام في ذلك ( قوله مع القدرة ) احتراز عن الأخرس ومعتقل اللسان ( قوله لأن الرجعة بمنزلة ابتداء النكاح إلخ ) الحاصل أن الخلاف هنا مبني على أن الرجعة سبب استدامة الملك القائم أو سبب استحداث الحل الزائل .

قلنا بالأول وقال بالثاني ، وعلى هذا ينبني حل الوطء وحرمته ، فعندنا يحل لقيام ملك النكاح من كل وجه ، وإنما يزول عند انقضاء العدة فيكون الحل قائما قبل انقضائها ، وعنده إنشاء النكاح من وجه واستيفاء من وجه فتثبت الحرمة احتياطا ، وعلى هذا ينبني أن الإشهاد ليس بشرط عندنا وشرط عنده على قول له لأنه إنشاء النكاح من وجه كذا في التحفة ( قوله على ما بيناه ) يعني قوله ألا ترى أنه يسمى إمساكا ( قوله وسنقرره ) أي في آخر هذا الباب وهو قوله ولنا أنها : أي الزوجية قائمة إلى آخره ، وهناك نتكلم عليه ( قوله كما في إسقاط الخيار ) يحصل بالفعل المختص [ ص: 161 ] بالملك كمن باع أمته على أنه بالخيار ثم وطئها قبل انقضاء مدته يكون دليلا على استدامة ملكه فيها فيسقط خياره ، فكما أن سقوط الخيار باستدامة ملك الرقبة يثبت بالفعل كذلك استدامة ملك النكاح بعد سبب الزوال بل أولى ، لأن البيع معه يزيل الملك إلى ثلاثة أيام ، والطلاق يزيله إلى ثلاث حيض فكان أضعف في زوال الملك من البيع .

وبقولنا قال كثير من الفقهاء .

قال ابن المنذر : الجماع رجعة عند ابن المسيب والحسن البصري وابن سيرين وطاوس وعطاء والزهري والأوزاعي والثوري وابن أبي ليلى وجابر والشعبي وسليمان التيمي .

وقال مالك وإسحاق : إن أراد به الرجعة فهو رجعة ( قوله خصوصا في الحرة ) فإنه لا سبب لحلها فيها مطلقا إلا النكاح ، بخلاف الأمة فإنه يحل فيها بأمرين ( قوله وغيرهما ) كالخاتنة والشاهد على الزنا ( قوله فلو كان ) أي النظر إلى غير الفرج رجعة لطلقها لأن مقصوده الطلاق ، وهذا التعميم يفيد أن النظر إلى دبرها لا يكون رجعة وبه صرح في نكاح الزيادات .

واختلفوا في الوطء في الدبر أشار القدوري إلى أنه ليس برجعة ، والفتوى على أنه رجعة إذ هو مس بشهوة وزيادة لا ترفع الرجعة بعد ثبوتها ، ورجعة المجنون بالفعل ولا تصح بالقول ، وقيل بالعكس .

وقيل بهما .

ولو طلقها بعد الخلوة ثم قال وطئتها وأنكرت له الرجعة .

ولو قال لم أدخل بها لا رجعة له عليها .

وتعليق الرجعة بالشرط وإضافتها إلى وقت في المستقبل باطل كالنكاح ، والمستحب أنه يراجع بالقول .

وفي الينابيع : الرجعة سنية وبدعية ، [ ص: 162 ] فالسنية بالقول

التالي السابق


الخدمات العلمية