[ ص: 268 - 269 ] قال ( ويجلس للحكم جلوسا ظاهرا في المسجد ) كي لا يشتبه مكانه على الغرباء وبعض المقيمين ، والمسجد الجامع أولى لأنه أشهر . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله : يكره الجلوس في المسجد للقضاء لأنه يحضره المشرك وهو نجس بالنص والحائض وهي ممنوعة عن دخوله . ولنا قوله عليه الصلاة والسلام { nindex.php?page=hadith&LINKID=67271إنما بنيت المساجد لذكر الله تعالى والحكم } . { وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفصل الخصومة في معتكفه } وكذا الخلفاء الراشدون كانوا يجلسون في المساجد لفصل الخصومات ، ولأن القضاء عبادة فيجوز إقامتها في المسجد كالصلاة . [ ص: 270 ] ونجاسة المشرك في اعتقاده لا في ظاهره فلا يمنع من دخوله ، والحائض تخبر بحالها فيخرج القاضي إليها أو إلى باب المسجد أو يبعث من يفصل بينها وبين خصمها كما إذا كانت الخصومة في الدابة . ولو جلس في داره لا بأس به ويأذن للناس بالدخول فيها ، [ ص: 271 ] ويجلس معه من كان قبل ذلك لأن في جلوسه وحده تهمة .
( قوله ويجلس للحكم جلوسا ظاهرا كي لا يشتبه مكانه على الغرباء وبعض المقيمين ) وفي الخلاصة : ولا يتعب نفسه في طول الجلوس ولكن يجلس في طرفي النهار ، وكذا المفتي والفقيه ( والمسجد الجامع أولى لأنه أشهر ) ثم الذي تقام فيه الجماعات وإن لم تصل فيه الجمعة . قال فخر الإسلام : هذا إذا كان الجامع في وسط البلد ، أما إذا كان في طرف منها فلا لزيادة المشقة على أهل الشقة المقابلة له ، فالأولى أن يختار مسجدا في وسط البلد وفي السوق .
ومن تتبع السير رأى من ذلك شيئا كثيرا . ففي nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : " لاعن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم . " . وأسند الإمام nindex.php?page=showalam&ids=11943أبو بكر الرازي إلى الحسن أنه رأى nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان قضى في المسجد وذكر القصة في ذلك ، فما قيل إنه غريب مبني على أن المراد رواية هذا اللفظ ، وليس كذلك .
وفي الطبقات لابن سعد بسنده إلى ربيعة بن أبي عبد الرحمن " أنه رأى nindex.php?page=showalam&ids=11949أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم يقضي في المسجد عند القبر . " ، وكان على القضاء بالمدينة في ولاية nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز وأسند إلى سعيد بن مسلم بن بانك . قال : رأيت nindex.php?page=showalam&ids=15975سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف يقضي في المسجد وكان قد ولي قضاء المدينة .
وإلى محمد بن عمر قال : لما ولى nindex.php?page=showalam&ids=11949أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم إمرة المدينة nindex.php?page=showalam&ids=16673لعمر بن عبد العزيز ولى nindex.php?page=showalam&ids=12060أبا طوالة القضاء بها فكان يقضي في المسجد ، قال : nindex.php?page=showalam&ids=12060أبو طوالة ثقة يروي عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك . وإلى nindex.php?page=showalam&ids=12428إسماعيل بن أبي خالد قال : رأيت nindex.php?page=showalam&ids=16097شريحا يقضي في المسجد ، وإلى الأسود بن شيبان قال : رأيت الشعبي وهو يومئذ قاضي الكوفة يقضي في المسجد ، وكل قضاء صدر من هؤلاء كان بين السلف مشهورا وفيهم الصحابة والتابعون ولم يرو إنكاره عن أحد .
وفي المبسوط : ولا يقضي وهو يمشي أو يسير على دابته لأنه إذ ذاك غير معتدل الحال ، ولما فيه من الاستخفاف بالقضاء ، ولأنه مشغول بما هو فيه ، ولا بأس بأن يتكئ لأنه نوع جلسة كالتربع وغيره ، وطباع الناس في الجلوس مختلفة ، وينبغي أن لا يقضي وهو غضبان أو فرحان أو جائع أو عطشان أو مهموم أو ناعس أو في حال برد شديد أو حر أو وهو يدافع الأخبثين أو به حاجة إلى الجماع . والحاصل أنه لا يقضي حال شغل قلبه ، وأصله حديث { nindex.php?page=hadith&LINKID=31887لا يقضي القاضي وهو غضبان } معلول به ولا ينبغي أن يتطوع بالصوم في اليوم الذي يريد الجلوس ولا يسمع من رجل حجتين فأكثر إلا أن يكون الناس قليلا ، ولا يقدم رجلا جاء الآخر قبله ، ولا يضرب في المسجد حدا ولا تعزيرا ( و ) ينبغي أن ( يجلس معه من كان يجالسه قبل ذلك لأن في جلوسه وحده تهمة ) الرشوة أو الظلم . وروي أن nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان رضي الله عنه ما كان يحكم حتى يحضر أربع من الصحابة ، ويستحب أن يحضر مجلسه جماعة من الفقهاء ويشاورهم ، وكان nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر يحضر nindex.php?page=showalam&ids=2عمر وعثمان nindex.php?page=showalam&ids=8وعليا حتى قال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد : يحضر مجلسه الفقهاء من كل مذهب ويشاورهم فيما يشكل عليه . وفي المبسوط : فإن دخله حصر في قعودهم عنده أو شغله عن شيء من أمور المسلمين جلس وحده ، فإن طباع الناس تختلف ، فمنهم من يمنعهم حشمة الفقهاء من فصل القضاء ، ومنهم من يزداد قوة على ذلك ، فإذا كان ممن يدخله حصر جلس وحده . وفي المبسوط ما حاصله أنه ينبغي للقاضي أن يعتذر للمقضي عليه ويبين له وجه قضائه ويبين له أنه فهم حجته ، ولكن الحكم في الشرع كذا يقتضي القضاء عليه فلم يمكن غيره ليكون ذلك أدفع لشكايته للناس ، ونسبته إلى أنه جار عليه . ومن يسمع يخل ، فربما تفسد العامة غرضه وهو بريء ، وإذا أمكن إقامة الحق مع عدم إيغار الصدور كان أولى .