صفحة جزء
[ ص: 306 ] باب العدة [ ص: 307 ] ( وإذا طلق الرجل امرأته طلاقا بائنا أو رجعيا أو وقعت الفرقة بينهما بغير طلاق وهي حرة ممن تحيض فعدتها ثلاثة أقراء ) لقوله تعالى { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } [ ص: 308 ] والفرقة إذا كانت بغير طلاق فهي في معنى الطلاق لأن العدة وجبت للتعرف عن براءة الرحم في الفرقة الطارئة على النكاح ، وهذا يتحقق فيها .


( باب العدة )

لما ترتبت العدة في الوجود على فرقة النكاح شرعا أوردها عقيب وجوه الفرقة من الطلاق والإيلاء والخلع [ ص: 307 ] واللعان وأحكام العنين . وهي في اللغة : الإحصاء ، عددت الشيء عدة أحصيته إحصاء ، وتقال أيضا على المعدود . وفي الشرع : تربص يلزم المرأة عند زوال النكاح المتأكد بالدخول أو ما يقوم مقامه من الخلوة والموت

وينبغي أن يزاد وشبهته بالجر عطفا على النكاح ، والتربص الانتظار : أي انتظار انقضاء المدة بالتزوج ، فحقيقته ترك لزم شرعا للتزوج والزينة في مدة معينة شرعا ، ولا شك أن سببها النكاح أو شبهته ، وزوال ذلك شرط ، فالإضافة في قولنا عدة الطلاق إلى الشرط ، ولم يخص الزوال بالنكاح فعم الشبهة . قالوا : وركنها حرمات تثبت عند الفرقة ، وعند الشافعي الكف عنها ، وينبني على ذلك أن العدتين إذا وجبتا من رجلين تتداخلان وتنقضيان بمدة واحدة عندنا وعنده لا ، وعلى هذا ينبغي أن يقال في التعريف : هي لزوم التربص ليصح كون ركنها حرمات لأنها لزومات ، وإلا فالتربص فعلها ، والحرمات أحكام الله تعالى فلا يكون نفسه فعلا ، وعلى هذا فما قيل في حكمها : إنه حرمة نكاحها غيره عليها وحرمة نكاح أختها وأربع سواها عليه لا يصح ، لأن الحرمات التي تثبت عند الفرقة ركنها بالفرض ، وحرمة تزوجها بغيره من تلك الحرمات . نعم حرمة تزوجه بأختها لا يكون من العدة فهو حكم عدتها ، ولا شك أنه معنى كونه هو أيضا في العدة لأن معنى العدة وجوب الانتظار بالتزوج إلى مضي المدة وهو كذلك فهو في العدة أيضا ، غير أن اسم العدة اصطلاحا خص بتربصها لا بتربصه ، ولزم مما ذكر أن لا يقال في حق الصغيرة وجب عليها العدة وسنوضحه .

( قوله إذا طلق الرجل امرأته طلاقا بائنا أو رجعيا ) وليس رجعيا في بعض النسخ وشمل طلاق الخلع واللعان خلافا لمن قال : عدة المختلعة حيضة واحدة . قيل : هو بناء على أنها فسخ . والحق أنه ابتداء لما تقدم في باب الخلع من المنقول ، إذ لا يعقل كون الفسخ مؤثرا في نقصان العدة ولذا وجبت ثلاثة أقراء في الفسخ بخيار البلوغ وغيره ، وخلافا لابن عباس في قوله : عدة الملاعنة تسعة أشهر ( قوله وهي حرة ممن تحيض ) يعني ممن تحقق حيضها ولم تبلغ الإياس سواء كانت تحيض أو لا ، حتى لو بلغت فرأت الدم ثلاثة أيام ثم انقطع سنة أو أكثر لم تنقض عدتها حتى تحيض ثلاث حيض أو تدخل الإياس فتعتد بالأشهر ، بخلاف ما لو لم تر شيئا أو رأت أقل من ثلاثة أيام فإنها تعتد بالأشهر .

( قوله أو وقعت الفرقة بينهما بغير طلاق ) مثل الانفساخ بخيار البلوغ والعتق وعدم الكفاءة وملك أحد الزوجين الآخر والردة في بعض الصور والافتراق عن النكاح الفاسد والوطء بشبهة .

( قوله فعدتها ثلاثة أقراء ) مقتضى ما ذكر من ركن العدة كون عدتها في مدة ثلاثة أقراء ; لأن الحرمات تتعلق في مدة الأقراء فكان الأصل أن ينتصب لأنه ظرف زمان معرب واقع خبرا عن اسم معنى [ ص: 308 ] نحو السفر غدا ، لكنه اعتبر فيه الإطلاق المجازي : أعني إطلاق العدة على نفس المدة ، ثم لا يخفى أن سبب العدة مأخوذ منه تأكده بالدخول أو ما يقوم مقامه كما ذكرنا ، وإنما تركه المصنف لشهرة أن الطلاق قبل الدخول لا تجب فيه العدة ، قال الله تعالى { إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها } .

( قوله والفرقة إذا كانت إلخ ) لما جمع بين الطلاق والفرقة بلا طلاق في حكم العدة والدليل السمعي لا يتناول إلا الطلاق ألحقه بالجامع ، وهو أن وجوبها في محل النص وهو الطلاق لتعرف براءة الرحم وجعله ثابتا بدلالة النص حيث قال في معنى الطلاق : يعني يتبادر لكل من علم بوجوب تركها النكاح إلى أن تحيض عند الطلاق بعد الدخول أنه لذلك ، ثم كونها تجب للتعرف لا ينفي أن تجب لغيره أيضا ، وقد أفاد المصنف فيما سيأتي أنها أيضا تجب لقضاء حق النكاح بإظهار الأسف عليه ، فقد يجتمعان كما في مواضع وجوب الأقراء وقد ينفرد الثاني كما في صور الأشهر ، بخلاف غير المتأكد وهو ما قبل الدخول لا يؤسف عليه إذ لا إلف ولا مودة فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية