صفحة جزء
( وإن كانت لا تحيض من صغر أو كبر فعدتها ثلاثة أشهر ) لقوله تعالى { واللائي يئسن من المحيض من نسائكم } الآية [ ص: 310 ] ( وكذا التي بلغت بالسن ولم تحض ) بآخر الآية .


( قوله وإن كانت لا تحيض ) لصغر بأن لم تبلغ سن الحيض على الخلاف فيه ، وأقله تسع على المختار ، أو كبر بأن بلغت سن الإياس وانقطع حيضها فعدتها ثلاثة أشهر لقوله تعالى { واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر } ذكر أن بعضهم لما نزلت آية القروء قالوا : قد علمنا عدة التي تحيض فالتي لا تحيض لا ندري ما عدتها ، فأنزل الله تعالى هذه الآية .

والمعنى : إن ارتبتم في عدة التي لم تحض فلم تعلموها فإنها ثلاثة أشهر . وقيل إن ارتبتم في الدم الذي تراه من بلغت سن الإياس أهو حيض أو فساد فعدتهن ثلاثة أشهر . ثم قال المصنف : وكذا التي بلغت بالسن ولم تحض بآخر الآية : يعني قوله تعالى { واللائي لم يحضن } يعني التي لم تبلغ بالحيض بل بالسن بأن بلغت خمس عشرة سنة على [ ص: 312 ] قولهما وسبع عشرة سنة على قول أبي حنيفة ومالك ولم تحض إذا طلقت تعتد بالأشهر أيضا ، ثم إن وقع الطلاق في أول الشهر اعتدت بأشهر هلالية اتفاقا ، وإن وقع في أثناء الشهر اعتبر كلها بالأيام فلا تنقضي إلا بتسعين يوما عند أبي حنيفة ، وعندهما يكمل الأول ثلاثين من الشهر الأخير والشهران المتوسطان بالأهلة ، والله أعلم . ثم لا يخفى ما في كلام المصنف من عدم التحرير فإنه جمع بين التي لا تحيض لصغر أو كبر في الاعتداد بثلاثة أشهر ، واستدل على ذلك بقوله تعالى { واللائي يئسن من المحيض } الآية ، ثم خص التي بلغت بالسن ولم تحض بآخرها حيث قال : وكذلك التي بلغت بالسن بآخر الآية .

ولا يخفى أن آخرها : أعني قوله تعالى { واللائي لم يحضن } هو المفيد للاعتداد بثلاثة أشهر التي لم تحض لصغر كما أنه المفيد للاعتداد بها في التي بلغت بالسن . والحاصل أن من كان طهرها أصليا فعدتها بالأشهر سواء بلغت بالسن ولم تحض ، وإن استمرت لا تحيض إلى ثلاثين سنة فعدتها ثلاثة أشهر أو هي مراهقة أو لم تبلغ إلى سن يحكم بالبلوغ فيه على اختلافهم فيه أنه تسع أو سبع ، والأول أصح .

وعن الشيخ أبي بكر محمد بن الفضل أنها إذا كانت مراهقة لا تنقضي عدتها بالأشهر بل يوقف حالها حتى يظهر هل حبلت من ذلك الوطء أم لا ، فإن ظهر حبلها اعتدت بالوضع ، وإن لم يظهر فبالأشهر . وينبغي على هذا أن تحتسب بالأشهر التي وقفت ليظهر حبلها إذا لم يظهر ، فإنه ظهر بعدم الحبل أن تلك الأشهر كانت هي العدة ، وغاية الأمر أنها لم تدر وجه عدتها حتى انقضت .

ولو حاضت التي بلغت بالسن والمراهقة في أثناء الأشهر الثلاثة استأنفت العدة بالحيض .

هذا وممن ذكر أنها تعتد بالأشهر المستحاضة التي نسيت عادتها ، وهو مما يلغز فيقال : مطلقة شابة ترى ما يصلح حيضا في كل شهر وعدتها بالأشهر ، لكن في التحقيق ليس عدتها إلا بالحيض ، لكن لما نسيت عادتها جاز كونها أول كل شهر أو آخره ، فإذا قدرت بثلاثة أشهر علم أنها حاضت ثلاث حيض بيقين ، بخلاف التي لم تنس فإنها ترد إلى أيام عادتها ، فجاز كون عادتها أول الشهر فتخرج من العدة في خمسة أو ستة من الثالث .

واعلم أن إطلاقهم في الانقضاء بثلاثة أشهر في المستحاضة الناسية لعادتها لا يصح إلا فيما إذا طلقها أول الشهر ، أما لو طلقها بعد ما مضى من الشهر قدر ما يصح حيضة ينبغي أن يعتبر ثلاثة أشهر غير باقي هذا الشهر والوجه ظاهر . ويجب في التي بلغت مستحاضة مثل المستحاضة التي ضلت عادتها ثلاثة أشهر ، ثم أكثر المشايخ لا يطلقون لفظ الوجوب على هذه الصغيرة لأنها غير مخاطبة بل يقولون تعتد .

وفي المبسوط : قال بعض علمائنا هي لا تخاطب بالاعتداد ، ولكن الولي يخاطب بأن لا يزوجها حتى تنقضي مدة العدة مع أن العدة مجرد مضي المدة فثبوتها في حقها لا يؤدي إلى توجيه خطاب الشرع عليها ، ولا يخفى أن القائل الأول قوله مبني على أنه يراها الحرمات أو التربص الواجب . فإن قلت : وعلى تقدير كونها مضي المدة أليس أن فيها يجب أن لا تتزوج فلا بد أن يتعلق [ ص: 313 ] خطاب نهي التزوج بالولي فجعلها المدة كما قال شمس الأئمة : لا يستلزم انتفاء قول الأول يخاطب الولي بأن لا يزوجها . فالجواب لا يلزم ، فإنا إذا قلنا بأنها المدة فالثابت فيها عدم صحة التزوج لا خطاب أحد بل وضع الشارع عدم الصحة لو فعل .

التالي السابق


الخدمات العلمية