صفحة جزء
( ولا تختضب بالحناء ) لما روينا ( ولا تلبس ثوبا مصبوغا بعصفر ولا بزعفران ) لأنه يفوح منه رائحة الطيب . قال ( ولا حداد على كافرة ) لأنها غير مخاطبة بحقوق الشرع ( ولا على [ ص: 341 ] صغيرة ) لأن الخطاب موضوع عنها ( وعلى الأمة الإحداد ) لأنها مخاطبة بحقوق الله تعالى فيما ليس فيه إبطال حق المولى ، بخلاف المنع من الخروج لأن فيه إبطال حقه وحق العبد مقدم لحاجته .


( قوله لأنه يفوح إلخ ) يفيد أنه إذا كان خلقا لا رائحة له يجوز . وفي الكافي قال : إذا لم يكن لها ثوب إلا المصبوغ فإنه لا بأس به لضرورة ستر العورة لكن لا تقصد الزينة ، وينبغي تقييده بقدر ما تستحدث ثوبا غيره إما ببيعه والاستخلاف بثمنه أو من مالها إن كان لها . وروى مالك وأبو داود والنسائي عن أم سلمة قالت : { قال النبي صلى الله عليه وسلم لا تلبس المتوفى عنها زوجها المعصفر من الثياب ولا الممشقة ولا الحلي ، ولا تختضب ولا تكتحل } هذا لفظ أبي داود . والمشق المغرة ، ولا تلبس العصب عندنا . وأجاز الشافعي رقيقه وغليظه ، ومنع مالك رقيقه دون غليظه . واختلف الحنابلة فيه وفي تفسيره ، في الصحاح : العصب ضرب من برود اليمن ينسج أبيض ثم يصبغ بعد ذلك ، وفي المغني : الصحيح أنه نبت يصبغ به الثياب ، وفسرت في الحديث بأنها ثياب من اليمن فيها بياض وسواد ، ويباح لها لبس الأسود عند الأئمة الأربعة ، وجعله الظاهرية كالأحمر والأخضر .

( قوله ولا حداد على كافرة ) لا حداد عندنا على كافرة ولا صغيرة ولا مجنونة ، خلافا للشافعي ومالك لأنه يجب لموت الزوج [ ص: 341 ] فيعم النساء كالعدة .

قلنا : يجب الحداد عند موت الزوج حقا من حقوق الشرع ، ولهذا لو أمرها الزوج بتركه لا يجوز لها تركه فلا يخاطب هؤلاء به ، ولذا شرط الإيمان فيه حيث قال صلى الله عليه وسلم { لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر } الحديث . قولهم كما تعم العدة عليهن . قلنا : العدة قد تقال على كف النفس عن الحرمات الخاصة وعلى نفس الحرمات وعلى مضي المدة على ما أسلفناه بتحقيقه ، والعدة اللازمة لهن بكل من المفهومين الآخرين على معنى أن عند البينونة بالموت والطلاق يثبت شرعا عدم صحة نكاحهن إلى انقضاء مدة معينة ، فإذا باشره ولي الصغيرة والمجنونة قبلها لا يصح شرعا ، ولا خطاب للعباد فيه تكليفي بل هو من ربط المسببات بالأسباب ، بخلاف منعها عن اللبس والطيب فإنه فعلها الحسي محكوم بحرمته فلا بد فيه من خطاب التكليف ، بخلاف الأول فإنه محكوم بعدم صحته ولا يتوقف على خطاب التكليف ، فلو اكتحلن أو لبسن المزعفر أو اختضبن لا يأثمن لعدم التكليف به . نعم قد ثبت على الكافرة في العدة خطاب عدم التزوج لحق الزوج ، فإن في العدة بهذا المعنى جهتين .

( قوله وعلى الأمة الحداد ) يعني إذا كانت منكوحة في الوفاة والطلاق البائن ، وكذا المدبرة وأم الولد والمكاتبة والمستسعاة لثبوت العلة الموجبة لأنها مخاطبة بحقوقه تعالى فيما ليس فيه إبطال حق المولى ، وليس في الإحداد فوات حقه في الاستخدام ، بخلاف المنع من الخروج فإنه لو لزمها في العدة ثبت ذلك ، فقلنا : لا تمنع من الخروج في عدتها كي لا يفوت حقه في استخدامها ، وحق العبد مقدم على حق الشرع بإذنه لفناه ، قال تعالى { إلا ما اضطررتم إليه } فإن قيل : لو وجب الحداد لعلة فوات نعمة النكاح لوجب بعد شراء المنكوحة . فالجواب أنها لم تفت لقيام الحل والكفاية ، غاية الأمر أنه ثبت على وجه أحط من الحل الثابت بالعقد باعتبار ثبوت النسب بلا دعوة في العقد بخلاف الملك ، ولا أثر لهذا القدر من الأحطية فإن نعمة النكاح ليس فواتها مؤثرا باعتبار ذلك القدر من الخصوصية بل باعتبار فوات ما فيها من أنها سبب لصونها وكفاية مئونتها ، وهذا القدر لم يفت فلا موجب للحداد ، وبهذا التقرير يندفع إشكال أنه لا ينوب الأدنى وهو هذا الحل عن الأعلى والتقصي عنه بالتزام وجوب الحداد على الزوجة المشتراة ، إلا أنه لم يظهر لكونها حلالا حتى لو أعتقها ظهر فإنه دعوى بلا دليل عليها بل دليل نفيها أنه وجوب [ ص: 342 ] لا فائدة فيه لأن لها الزينة والتطيب بعد شرائها والوجوب يستتبع الفائدة .

التالي السابق


الخدمات العلمية