صفحة جزء
[ ص: 374 - 375 ] فصل ( وإذا أرادت المطلقة أن تخرج بولدها من المصر فليس لها ذلك ) لما فيه من الإضرار بالأب ( إلا أن تخرج به إلى وطنها وقد كان الزوج تزوجها فيه ) لأنه التزم المقام فيه عرفا وشرعا ، قال عليه الصلاة والسلام { من تأهل [ ص: 376 ] ببلدة فهو منهم } ولهذا يصير الحربي به ذميا ، وإن أرادت الخروج إلى مصر غير وطنها وقد كان التزوج فيه أشار في الكتاب إلى أنه ليس لها ذلك ، وهذا رواية كتاب الطلاق ، وقد ذكر في الجامع الصغير أن لها ذلك لأن العقد متى وجد في مكان يوجب أحكامه فيه كما يوجب البيع التسليم في مكانه ، ومن جملة ذلك حق إمساك الأولاد . وجه الأول أن التزوج في دار الغربة ليس [ ص: 377 ] التزاما للمكث فيه عرفا ، وهذا أصح . والحاصل أنه لا بد من الأمرين جميعا : الوطن ووجود النكاح ، وهذا كله إذا كان بين المصرين تفاوت ، أما إذا تقاربا بحيث يمكن للوالد أن يطالع ولده ويبيت في بيته فلا بأس به ، وكذا الجواب في القريتين ، ولو انتقلت من قرية المصر إلى المصر لا بأس به لأن فيه نظرا للصغير حيث يتخلق بأخلاق أهل المصر وليس فيه ضرر بالأب ، وفي عكسه ضرر بالصغير لتخلقه بأخلاق أهل السواد فليس لها ذلك .


[ ص: 375 ] ( فصل ) . إذا ثبت حق الحضانة للأم فأرادت أن تخرج بالولد إلى بلد آخر والنكاح قائم كان للزوج منعها لأن حق السكنى له بعد إيفاء معجل المهر خصوصا بعدما خرجت معه ، وإن كانت بائنة وقد انقضت عدتها فلا يخلو من كون البلدة التي تريد الخروج إليها بلدها وقد وقع العقد فيها أولا ، ففي الأول ليس للأب منعها وإن بعدت كالكوفة من الشام إلا أن تكون دار حرب وهو مسلم أو ذمي وإن كانت هي حربية ، ولو كان كلاهما مستأمنا جاز لها ذلك لأنه لما عقد النكاح به فالظاهر أنه يقيم به غير أنه إذا خرج بعد ذلك وقد أعطاها المهر وجب عليها المتابعة أو تابعته بلا وجوب . وإذا زالت الزوجية لم تجب المتابعة فيعود الأمر إلى الأول ، ولو كانت الأولاد غيبا بأن تزوجها مثلا بالبصرة فولدت له أولادا فخرج بهم إلى الكوفة ثم طلقها فخاصمته فيهم ليردهم إليها ، فإن أخرجهم بإذنها ليس عليه أن يجيء بهم إليها ويقال لها اذهبي إليهم فخذيهم ، وإن كان بغير إذنها فعليه أن يجيء بهم إليها . وفي الثاني له منعها سواء كان مصرها ولم يعقد فيه أو عقد فيه وليس مصرها على أصح الروايتين كما سيذكره المصنف إلا أن تخرج إلى مصر قريب ، بحيث لو خرج الأب لمطالعة الولد أمكنه أن يبيت في أهله أو قريته كذلك وكان العقد في قرية لأنه كالانتقال من حارة إلى حارة ، وإن لم يكن العقد في قرية بل مصر فليس لها إخراجه إلى القرية القريبة ، هذا فيما بين الأب والأم . أما لو كانت الأم ماتت وصارت الحضانة للجدة فليس لها أن تنتقل بالولد إلى مصرها لأنه لم يكن بينهما عقد ، وكذا أم الولد إذا أعتقت لا تخرج الولد من المصر الذي فيه الغلام لأنه لا عقد بين الأب وأم الولد . ولنتكلم على فصول الكتاب .

( قوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) [ ص: 376 ] في مسند ابن أبي شيبة : حدثنا المعلى بن منصور عن عكرمة بن إبراهيم الأزدي عن عبد الرحمن بن الحارث بن أبي ذئاب ، أن عثمان رضي الله عنه صلى بمنى أربعا ثم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من تأهل في بلدة فهو من أهلها يصلي صلاة المقيم } وإني تأهلت منذ قدمت مكة ، ورواه أبو يعلى كذلك ولفظه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { إذا تزوج الرجل ببلد فهو من أهله } وإنما أتممت لأني تزوجت بها منذ قدمتها . وقد ضعف عكرمة الأزدي .

( ولهذا يصير الحربي به ذميا ) ظاهره أن بالتزوج يصير الحربي ذميا ودفع في الكافي بأنه خلاف المصرح به بل لا يصير الحربي بالتزوج في دار الإسلام ذميا لأنه لا يستلزم التزام المقام لتمكنه من الطلاق والعود ، وإنما ذلك في الحربية إذا تزوجت في دار الإسلام تصير ذمية لعدم كون الطلاق في يدها فيكون التزاما وإنما يصح بحمل الحربي على إرادة الشخص الحربي فيصح مرادا به الحربية وبتجويز أن يكون مرجع الضمير التزام المقام . قال : وهو ظاهر لو سيق الكلام له . وفي النهاية : وجدت بخط شيخي ليس في النسخة التي قوبلت مع نسخة المصنف هذه الجملة بل اتصل قوله وإن أرادت الخروج بقوله فهو منهم ، وما ذكر هنا في بعض النسخ وقع سهوا انتهى . وعلى هذا لا حاجة إلى تكلف توجيهه بما قلنا وبغيره ، وتحميل المصنف إياه مع أنه لا يصح لأن مرجع الضمير إن كان التزوج فهو تزوج الرجل فلا يصح الاستيضاح بتزوج المرأة الحربية على صيرورته من أهلها ، والحال أن صيرورتها كذلك لأمر يخصها لا يوجد في حقه ، وإن كان التزام المقام فليس السوق لإثباته .

( قوله أشار في الكتاب ) أي القدوري وقيل المبسوط ، والأول أولى لأنه معتاد المصنف ، ولا يستفاد الثاني لعدم المعهودية . ووجهه أن قوله إلا أن تخرج بها إلى وطنها يفيد أن غيره داخل في الحظر ، والذي وقع فيه التزوج غير وطنها . وقوله وهو رواية كتاب الطلاق : أي من الأصل ، وفي العكس وهو ما إذا أرادت الانتقال إلى مصرها ولم يقع فيه العقد لم يكن لها الانتقال به باتفاق الروايات .

( قوله كما يوجب البيع التسليم في مكانه ) أي إذا كان [ ص: 377 ] المبيع في ذلك المكان لا مطلقا ، فإن في الفتاوى : من باع شعيرا والشعير في القرية والمشتري يعلم ذلك يستحق تسليمه في مكانه لا في مكان العقد ، وإن لم يعلم فهو بالخيار إن شاء تسلمه في مكانه وإن شاء فسخ ، ولو تعين مكان العقد لم يكن له خيار فكذا حق إمساك الأولاد لأن الأولاد من ثمرات النكاح فيجب مراعاة الثمرات في مكان العقد اعتبارا للثمرات بالأحكام من وجوب التسليم والتسلم .

( قوله تفاوت ) أي بعد ، وفي عكسه وهو أن ينتقل من المصر إلى القرية لا يجوز ، وإن كانت القرية قريبة إلا إذا وقع العقد فيها وهي قريتها فحينئذ لها ذلك ، ذكره في شرح الطحاوي . وفي شرح البقالي ليس لها ذلك بحال وقع العقد هناك أو لا ، والأول هو المنصوص . ذكر الحاكم الشهيد في الكافي الذي هو كلام محمد : إذا كان أصل النكاح في رستاق وله قرى متفرقة فأرادت أن تخرج بهم من قرية إلى قرية فلها ذلك ، إن كانت القرى قريبة ينظر بعضها إلى بعض ما لم يكن ذلك يقطعه عن أبيه إذا أراد أن ينظر إليه من يومه . وإذا أرادت أن تخرجه من مصر جامع إلى قرى ، إن كانت قريبة منها فليس لها ذلك إلا أن يكون النكاح وقع في تلك القرى . وفيه أيضا : وليس للمرأة أن تشتري لولدها وتبيع وإن كانت أحق به إلا أن تكون وصية ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية