صفحة جزء
( و ) يستحب ( تعجيل المغرب ) لأن تأخيرها مكروه لما فيه من التشبه باليهود .

[ ص: 228 ] وقال عليه الصلاة والسلام { لا تزال أمتي بخير ما عجلوا المغرب وأخروا العشاء } .


( قوله ويستحب تعجيل المغرب ) هو بأن لا يفصل بين الأذان والإقامة إلا بجلسة خفيفة أو سكتة على الخلاف الذي سيأتي : وتأخيرها لصلاة ركعتين مكروه ، وهي خلافية وستذكر في باب النوافل إن شاء الله تعالى .

قال في القنية إلا أن يكون قليلا ، وما روى الأصحاب عن ابن عمر رضي الله عنه أنه أخرها حتى بدا نجم فأعتق رقبة يقتضي أن ذلك القليل الذي لا يتعلق به كراهة هو ما قبل ظهور النجم ، وفي المنية لا يكره في السفر وللمائدة أو كان [ ص: 228 ] يوم غيم ، وفي القنية لو أخرها بتطويل القراءة فيه خلاف .

وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه لا يكره ما لم يغب الشفق ولا يبعد ، ودليل الكراهة التشبه باليهود .

وأما قوله صلى الله عليه وسلم { لا تزال أمتي بخير } إلخ ، وهو ما روى أبو داود عن مرثد بن عبد الله وفي سنده محمد بن إسحاق قال : قدم علينا أبو أيوب غازيا وعقبة بن عامر يومئذ على مصر ، فأخر المغرب ، فقام إليه أبو أيوب فقال : ما هذه الصلاة يا عقبة ؟ قال شغلنا ، قال : أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { لا تزل أمتي بخير } أو قال { على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم } فيه نظر إذ مقتضاه ندب ، وبتقديره تفويت ما ندب إليه لا تثبت الكراهة لجواز الإباحة كما في العشاء يندب تأخيرها إلى ما قبل الثلث ويصليها إذ ذاك ، فإن لم يفعل إلى النصف انتفى الندب وكان مباحا ، وما بعده مكروه ، وحاصل الحديث ضمان الخير والفطرة ، أي السنة بالتعجل ، ولا يلزم ثبوت ضدهما في التأخير لجواز حصولهما معه بسبب آخر ، وهذا إنما يلزم من استدل بالحديث على كراهة تأخيرها ، وليس بلازم في كلام المصنف لجواز كونه فيه دليلا على قوله ويستحب تعجيل المغرب ، هذا إن صح الحديث بتوثيق ابن إسحاق وهو الحق الأبلج ، وما نقل عن مالك فيه لا يثبت ، ولو صح لم يقبله أهل العلم ، كيف وقد قال شعبة وهو أمير المؤمنين في الحديث .

وروى عنه مثل الثوري وابن إدريس وحماد بن زيد ويزيد بن زريع وابن علية وعبد الوارث وابن المبارك ، واحتمله أحمد وابن معين وعامة أهل الحديث غفر الله لهم ، وقد أطال البخاري في توثيقه في كتاب القراءة خلف الإمام له ، وذكره ابن حبان في الثقات وأن مالكا رجع عن الكلام في ابن إسحاق واصطلح معه وبعث إليه هدية [ ص: 229 ] ذكرها .

التالي السابق


الخدمات العلمية