صفحة جزء
[ ص: 410 ] فصل ( ونفقة الأولاد الصغار على الأب لا يشاركه فيها أحد كما لا يشاركه في نفقة الزوجة ) [ ص: 411 ] لقوله تعالى { وعلى المولود له رزقهن } والمولود له هو الأب [ ص: 412 ] ( فإن كان الصغير رضيعا فليس على أمه أن ترضعه ) لما بينا أن الكفاية على الأب وأجرة الرضاع كالنفقة ولأنها عساها لا تقدر عليه لعذر بها فلا معنى للجبر عليه . وقيل في تأويل قوله تعالى { لا تضار والدة بولدها } بإلزامها الإرضاع مع كراهتها ، وهذا الذي ذكرنا بيان الحكم ، وذلك إذا كان يوجد من ترضعه ، أما إذا كان لا توجد من ترضعه تجبر الأم على الإرضاع صيانة للصبي عن الضياع .

قال ( ويستأجر الأب من ترضعه عندها ) أما استئجار الأب فلأن الأجر عليه ، وقوله عندها معناه إذا أرادت ذلك لأن الحجر لها .


( فصل )

( قوله ونفقة الأولاد الصغار على الأب لا يشاركه فيها أحد ) قيد بالصغر فخرج البالغ وليس هذا على الإطلاق بل الأب إما غني أو فقير ، والأولاد إما صغار أو كبار ، فالأقسام أربعة : الأول أن يكون الأب غنيا والأولاد كبارا ، فإما إناث أو ذكور ، فالإناث عليه نفقتهن إلى أن يتزوجن إذا لم يكن لهن مال ، وليس له أن يؤاجرهن في عمل ولا خدمة وإن كان لهن قدرة ، وإذا طلقت وانقضت عدتها عادت نفقتها على الأب ، والذكور إما عاجزون عن الكسب لزمانة أو عمى أو شلل أو ذهاب عقل فعليه نفقتهم ، وكذا إذا كان من أبناء الكرام لا يجد من يستأجره فهو عاجز ، وكذا طلبة العلم إذا كانوا لا يهتدون إلى الكسب نفقتهم على آبائهم ; قال الحلواني : ورأيت في موضع : هذا إذا كان بهم رشد ، وقوله لا يشاركه فيها أحد على الإطلاق في الصغار ، أما الكبار فعلى الظاهر كما سيأتي وإن لم يكونوا عاجزين لا نفقة لهم .

الثاني أن يكون الأب غنيا وهم صغار ، فإما أن يكون لهم مال أو لا ، فإن لم يكن فعليه نفقتهم إلى أن يبلغ الذكر حد الكسب وإن لم يبلغ الحلم ، فإذا كان هذا كان للأب أن يؤاجره وينفق عليه من أجرته وليس له في الأنثى ذلك ، فلو كان الأب مبذرا يدفع كسب الابن إلى أمين كما في سائر أملاكه ; وإن كان لهم مال فإما حاضر أو غائب ، فإن كان حاضرا فنفقتهم في مالهم لا يجب على الأب شيء منها ، وإن كان غائبا وجبت على الأب ، فإن أراد أن يرجع في مالهم ينفق بإذن القاضي في ذلك ، فلو أنفق بلا أمره ليس له الرجوع في الحكم إلا أن يكون أشهد أنه أنفق ليرجع ، ولو لم يكن أشهد لكن أنفق بنية الرجوع لم يكن له في الحكم رجوع ، وفيما بينه وبين الله تعالى يحل له أن يرجع .

الثالث أن يكون الأب فقيرا ، فإن كانوا أغنياء وكبارا [ ص: 411 ] قادرين فلا إشكال أن نفقته هو عليهم ، وإن كانوا صغارا أغنياء فكذلك أيضا .

الرابع : أن يكونوا فقراء وهم صغار أو كبار عاجزون والأب أيضا عاجز عن الكسب ، فالخصاف قال : يتكفف الناس وينفق عليهم ، وقيل نفقتهم في بيت المال ، وإن كان قادرا على الكسب اكتسب ، فإن امتنع عن الكسب حبس بخلاف سائر الديون ، ولا يحبس والد وإن علا في دين ولد له وإن سفل إلا في النفقة لأن الامتناع إتلاف النفس ولا يحل للأب ذلك ، وكذا لو عدا الأب على ابنه بسيف بحيث لا يندفع عنه إلا بقتله حل له قتله ، وإذا لم يف كسبه بحاجتهم أو لم يكتسب لعدم تيسر الكسب أنفق عليهم القريب ورجع على الأب إذا أيسر . وفي جوامع الفقه : إذا لم يكن للأب مال والجد أو الأم أو الخال أو العم موسر يجبر على نفقة الصغير ويرجع بها على الأب إذا أيسر ، وكذا يجبر الأبعد إذا غاب الأقرب ثم يرجع عليه ، فإن كان له أم موسرة فنفقته عليها ، وكذا إذا لم يكن له أب إلا أنها ترجع في الأول ، وما نقل ابن قدامة عن الأئمة الأربعة من عدم الرجوع فيه نظر ، وإن كان له جد وأم موسران فنفقته عليهما على قدر ميراثهما في ظاهر المذهب .

وروى الحسن عن أبي حنيفة أنها على الجد وحده لجعله كالأب ، وبه قال الشافعي . وفي نفقات الشهيد : خلع امرأته وغاب عنها فطالبت عمهم فعلى العم ثلثا نفقتهم وعلى الأم الثلث إذا كانا موسرين ويكون دينا على الأب يرجعان عليه إذا كان بأمر الحاكم . قال القاضي : هذا إذا كانت الغيبة منقطعة .

( قوله لقوله تعالى { وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف } ) وجه الاستدلال أنه أوجب على الأب رزق الوالدات ، وعبر عنه بالمولود له للتنبيه على علة الإيجاب عليه . وهو الولاد له لما عرف من أن تعليق الحكم بمشتق يفيد كون مبدإ الاشتقاق علة له ، فإذا وجب نفقة غيره بسببه فوجوب نفقة نفسه أولى ، وحين ثبتت نفقته بطريق أولى تبين أن نفقة الوالدة هي نفقة الولد لأن الولد يحتاج إليها في الخدمة والتربية والرضاع ، حتى إن اللبن الذي هو مئونته إنما يستحيل لبنا من غذائها ، فإيجاب نفقتها عليه إيجاب نفقته عليه ، إذ ليست النفقة سوى إخراج ما يحتاجه المحتاج إليه لكفايته ، وقد تقدم في الكتاب ما يشير إلى أن نفقة الخادم من نفقة المرأة وإن كانت نفقة شخص آخر بل يدخل فيها الكسوة والسكنى . في الخلاصة . قال هشام : سألت محمدا عن النفقة فقال هي الطعام والكسوة والسكنى ولأنه جزؤه [ ص: 412 ] فكان كنفسه ( قوله وليس على الأم أن ترضعه ) يعني في الحكم إذا امتنعت وإن كانت الزوجية قائمة وهو مقيد بالقيد الذي سنذكره .

( قوله وهذا الذي ذكرنا بيان الحكم ) أي عدم الجبر بيان الحكم قضاء بمعنى أنها إذا امطتنعت لا يجبرها القاضي عليه وهو واجب عليها ديانة ، وكذا غسل الثياب والطبخ والخبز وكنس البيت واجب عليها ديانة ، ولا يجبرها القاضي عليه إذا امتنعت لأن المستحق عليها بالنكاح تسليم نفسها للاستمتاع .

( قوله وذلك ) أي عدم الجبر إذا وجد من ترضعه ، فإذا لم يوجد أو وجد ولم يقبل هو ثدي غيرها أجبرت على إرضاعه صيانة له عن الضياع . وذكر الحلواني أن ظاهر الرواية لا تجبر لأن الولد قد يتغذى بالدهن والشراب فلا يؤدي ترك إجبارها إلى التلف ، وإلى الأول مال القدوري والسرخسي وهو الأصوب ، لأن قصر الرضيع الذي لم يأنس الطعام على الدهن والشراب سبب تمريضه وموته .

( قوله معناه إذا أرادت ذلك ، لأن الحجر لها ) أي التربية لها بحق الحضانة وهذا بناء على ما تقدم ، وقد قدمنا من اختيار الفقيهين الهندواني والسمرقندي أنها تجبر على الحضانة ، وفي كلام الحاكم الشهيد ما يفيده مما قدمناه ، ثم لا يلزم المرضعة أن تمكث في بيت الأم إلا أن يشترط ذلك ، بل لها أن ترضعه ثم ترجع إلى منزلها فيما يستغنى عنها فيه من الزمان أو تحمل الصبي معها إليه أو تقول : أخرجوه فترضعه عند فناء الدار ثم تدخل الصبي إلى أمه .

التالي السابق


الخدمات العلمية