صفحة جزء
[ ص: 426 ] فصل ( وعلى المولى أن ينفق على عبده وأمته ) لقوله صلى الله عليه وسلم في المماليك { إنهم إخوانكم جعلهم الله [ ص: 427 ] تعالى تحت أيديكم ، أطعموهم مما تأكلون وألبسوهم مما تلبسون ، ولا تعذبوا عباد الله } ( فإن امتنع وكان لهما كسب اكتسبا وأنفقا ) لأن فيه نظرا للجانبين حتى يبقى المملوك حيا ويبقى فيه ملك المالك ( وإن لم يكن لهما كسب ) بأن كان عبدا زمنا أو جارية لا يؤاجر مثلها ( أجبر المولى على بيعهما ) لأنهما من أهل الاستحقاق وفي البيع إيفاء حقهما وإبقاء حق المولى بالخلف ، بخلاف نفقة الزوجة لأنها تصير دينا فكان تأخيرا على ما ذكرنا ، ونفقة المملوك لا تصير دينا فكان إبطالا ، وبخلاف سائر الحيوانات لأنها ليست من أهل الاستحقاق فلا يجبر على نفقتها ، إلا أنه يؤمر به فيما بينه وبين الله تعالى لأنه صلى الله عليه وسلم { نهى عن تعذيب الحيوان } وفيه ذلك ، ونهى عن إضاعة المال وفيه إضاعته . وعن أبي يوسف رحمه الله أنه يجبر ، والأصح ما قلنا ، والله تعالى أعلم بالصواب .


( فصل ) . ( قوله وعلى المولى أن ينفق على عبده وأمته ) عليه إجماع العلماء ، قيل إلا الشعبي ، الأولى أن يحمل قوله على ما إذا كانوا يقدرون على الاكتساب فإنه لا يجب على المولى كما سنذكره . ولو كان العبد بين رجلين فغاب أحدهما فأنفق الآخر بغير إذن القاضي وبغير إذن صاحبه فهو متطوع ، وكذا النخل والزرع والمودع والملتقط إذا أنفقا على الوديعة واللقطة ، والدار المشتركة إذا كان أنفق أحدهما في مرمتها بغير إذن صاحبه وبغير أمر القاضي فهو متطوع ، كذا في الخلاصة . وفيها : إذاشهد شاهدان على رجل في يده أمة أن هذه حرة قبل القاضي هذه الشهادة ادعت الأمة أو جحدت ، ويضعها على يد عدل ، وتفرض نفقة الأمة إن طلبت على الذي كانت في يده ا هـ .

ولو أن عبدا صغيرا في يد رجل فقال لغيره هذا عبدك أودعته عندي فأنكر يستحلف ما أودعه ثم يقضي بنفقته على من هو في يده لأنه أقر برقه ولم يثبت لغيره فيبقى على حكم ملكه ، ولو كان كبيرا لا يحلف لأنه في يد نفسه ، والقول له في الرق والحرية ، والحديث الذي ذكره في الصحيحين من حديث أبي ذر أنه صلى الله عليه وسلم قال { هم إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل ويلبسه مما يلبس ، ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم } ورواه أبو داود بسند صحيح وزاد فيه { ومن لم يلائمكم منهم فبيعوهم [ ص: 427 ] ولا تعذبوا خلق الله } وعن علي رضي الله عنه قال : { كان آخر كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة الصلاة ، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم } رواه أحمد ، والمراد من جنس ما تأكلون وتلبسون لا مثله ، فإذا ألبسه من الكتان والقطن وهو يلبس منهما الفائق كفى ، بخلاف إلباسه نحو الجوالق والله أعلم ، ولم يتوارث عن الصحابة أنهم كانوا يلبسون مثلهم إلا الأفراد .

( قوله فإن امتنع وكان لهما كسب اكتسبا وأنفقا ) على أنفسهما . حتى لو كان يتمكن من الإنفاق على نفسه من مال السيد ليس له أن يتناول منه إلا إذا نهاه عن الكسب ، أما إذا كان عاجزا عن الكسب فله أن يتناول من مال السيد إذا أبى أن ينفق عليه .

( قوله بأن كان عبدا زمنا ) يفيد أنه إذا كان صحيحا إلا أنه غير عارف بصناعة لا يكون عاجزا عن الكسب لأنه يمكن أن يؤاجر نفسه في بعض الأعمال كحمل شيء وتحويل شيء كمعين البناء ، وما قدمناه نقلا من الكافي في نفقة ذوي الأرحام ثبوته هنا أولى ، وكذا إذا كانت جارية لا يؤاجر مثلها بأن كانت حسنة يخشى من ذلك الفتنة أجبر على الإنفاق أو البيع ، بخلاف المدبر والمدبرة وأم الولد فإنه يجبر على الإنفاق عليهم عينا إن لم يقدروا على الكسب ، بخلاف المكاتب حيث لا يؤمر على حقه بشيء . ولو أعتق عبدا زمنا سقطت نفقته عنه وتجب في بيت المال ، وكذا العبد الصغير لأنه ليس بينهما محرمية وإن كان عصبة له كابن العم .

( قوله بخلاف سائر الحيوانات إلخ ) ظاهر الرواية أنه لا يجبره القاضي على ترك الإنفاق [ ص: 428 ] عليها لأن في الإجبار نوع قضاء والقضاء يعتمد المقضي له ويعتمد أهلية الاستحقاق في المقضي له وليس فليس ، لكنه يؤمر به ديانة فيما بينه وبين الله تعالى وتكون آثما معاقبا بحبسها عن البيع مع عدم الإنفاق . وفي الحديث { امرأة دخلت النار في هرة حبستها حتى ماتت ، لا هي أطلقتها تأكل من خشاش الأرض . ولا هي أطعمتها } وذكر المصنف { أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن تعذيب الحيوان } : يعني ما تقدم من رواية أبي داود { لا تعذبوا خلق الله } ونهى عن إضاعة المال وهو ما في الصحيحين من أنه صلى الله عليه وسلم { كان ينهى عن إضاعة المال وكثرة السؤال } . وعن هذا ما ذكر أنه يكره في غير الحيوان أن لا ينفق عليها يعني كالأملاك من الدور والزروع فإنه يؤدي إلى ضياع المال . وعن أبي يوسف أنه يجبر في الحيوان وهو قول الشافعي ومالك وأحمد رحمهم الله ، وغاية ما فيه أن يتصور فيه دعوى حسبة فيجبره القاضي على ترك الواجب ولا بدع فيه ، وظاهر المذهب الأول . والحق ما عليه الجماعة ، بخلاف ما لو كانت الدابة بين شريكين فطلب أحدهما من القاضي أن يأمره بالنفقة حتى لا يكون متطوعا بالإنفاق عليها فالقاضي يقول للآبي إما أن تبيع نصيبك من الدابة أو تنفق عليها رعاية لجانب الشريك ، ذكره الخصاف . وفي المحيط : يجبر صاحبه لأنه لو لم يجبر لتضرر الشريك .

[ فروع ]

وتجب النفقة على من له المنفعة مالكا كان أو لا . مثاله أوصى بعبد لرجل وخدمته لآخر فالنفقة على من له الخدمة . ولو أوصى بجارية لإنسان وبما في بطنها لآخر فالنفقة على من له الجارية . ومثله أوصى بدار لرجل وسكناها لآخر فالنفقة على صاحب السكنى لأن المنفعة له ، فإن انهدمت فقال صاحب السكنى : أنا أبنيها وأسكنها كان له ذلك ولا يكون متبرعا لأنه مضطر فيه لأنه لا يصل إلى حقه إلا به ، فصار كصاحب العلو مع صاحب السفل إذا انهدم السفل وامتنع صاحبه من بنائه كان لصاحب العلو أن يبنيه ويمنع صاحبه منه حتى يعطيه ما غرم فيه ولا يكون متبرعا ، وكذا لو أوصى بنخل لواحد وبتمرها لآخر فالنفقة على صاحب الثمرة ، وفي التبن والحنطة إن بقي من ثلث ماله شيء فالنفقة في ذلك المال ، وإن لم يبق فالتخليص عليهما لأن المنفعة لهما . وأقول : ينبغي أن يكون على قدر قيمة ما يحصل لكل منها وإلا يلزم ضرر صاحب القليل ; ألا يرى إلى قولهم في السمسم إذا أوصى بدهنه لواحد وبشجره لآخر فإن النفقة على من له الدهن لعده عدما وإن كان قد يباع ، وينبغي أن يجعل كالحنطة والتبن في ديارنا لأن الكسب يباع لعلف البقر وغيره . وكذا أقول فيما عن محمد : ذبح شاة فأوصى بلحمها لواحد وبجلدها لآخر فالتخليص عليهما كالحنطة والتبن أنه يكون على قدر الحاصل لهما ، وقبل الذبح أجرة الذبح على صاحب اللحم لا الجلد ، ونفقة المبيع قبل أن يقبض قيل على المشتري فتكون تابعة للملك كالمرهون ، والصحيح أنه على البائع ما دام في يده ، ويجوز وضع الضريبة على العبد ولا يجبر عليها بل إن اتفقا على ذلك ، والله سبحانه أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية