صفحة جزء
[ ص: 3 ] بسم الله الرحمن الرحيم باب العتق على جعل ( ومن أعتق عبده على مال فقبل العبد عتق ) وذلك مثل أن يقول أنت حر على ألف درهم أو بألف درهم وإنما يعتق بقبوله ; لأنها معاوضة المال بغير المال إذ العبد لا يملك نفسه ومن قضية المعاوضة ثبوت الحكم بقبول العوض للحال كما [ ص: 4 ] في البيع ، فإذا قبل صار حرا ، وما شرط دين عليه حتى تصح الكفالة به ، بخلاف بدل الكتابة ; لأنه ثبت مع المنافي وهو قيام الرق على ما عرف ، [ ص: 5 ] وإطلاق لفظ المال ينتظم أنواعه من النقد والعرض والحيوان ، وإن كان بغير عينه ; لأنه معاوضة المال بغير المال فشابه النكاح والطلاق والصلح عن دم العمد ، وكذا الطعام والمكيل والموزون إذا كان معلوم الجنس ، ولا تضره جهالة الوصف ; لأنها يسيرة .


[ ص: 3 ] ( باب العتق على جعل ) أخر هذا الباب عن أبواب العتق منجزها ومعلقها كما أخر الخلع في الطلاق ; لأن المال في هذين البابين من الإسقاط غير أصل ، بل الأصل عدمه ، فأخر ما ليس بأصل عما هو أصل ، والجعل ما يجعل للإنسان على شيء يفعله ، وكذا الجعيلة ، ويقال الجعالة ضبط جيمها بالكسر في الصحاح ، وفي غيره من غريب الحديث للقتبي وديوان الأدب للفارابي بالفتح فيكون فيه وجهان . ( قوله : ومن أعتق عبده على مال فقبل العبد عتق ) وذلك مثل أن يقول أنت حر على ألف درهم أو بألف درهم أو على أن لي عليك ألفا أو على ألف تؤديها أو على أن تعطيني ألفا أو على أن تجيئني بألف أو بعتك نفسك بألف أو وهبتكها على أن تعوضني ألفا فإنه يعتق إذا قبل ، وإنما يعتق بمجرد قبوله ، والولاء للمولى ; لأنه عتق على ملكه ، وهو موجب للولاء بعوض وبلا عوض ; لأنه معاوضة ، ومن [ ص: 4 ] حكم المعاوضات ثبوت الحكم بقبول العوض في الحال كما في البيع ، وكما إذا طلقها على مال فقبلت ، وهذا لأن المولى ثبت ملكه في العوض الكائن من جهة العبد بقبوله فيلزم زوال ملكه عن المعوض ، وإلا اجتمع العوضان في ملكه حكما للمعاوضات وصار كالبيع فيشترط القبول في مجلسه ذلك إن كان حاضرا ، وإن كان غائبا اعتبر مجلس علمه . فإن قبل عتق ولزمه المال دينا يطالب به بعد الحرية ، وإن رده أو أعرض إما بالقيام أو باشتغاله بعمل آخر بطل وليس له أن يقبل بعده ، وإذا صار دينا على حر صحت الكفالة به ، وعليه ما ذكر في الأصل .

أعتق أمته على مال فولدت ثم ماتت ولم تترك شيئا فليس على المولود من ذلك المال شيء ; لأنه ليس على الوارث من دين المورث شيء ، ولو كانت أعطته في حال حياتها كفيلا بالمال الذي أعتقها عليه جاز ; لأنها حرة مديونة ، بخلاف بدل الكتابة لا تصح به الكفالة ; لأنه دين ثبت مع المنافي لثبوته بالشرع لضرورة حصول العتق للعبد والبدل [ ص: 5 ] للمولى فيتقدر بقدره فلا يتعدى إلى الكفيل ، والمنافي هو الرق فإنه ينفي أن يكون للمولى على مرقوقه دين ; ولأن الكفالة إنما تصح بدين صحيح وهو ما لا يخرج المديون عنه إلا بأداء أو إبراء ممن له ، وبدل الكتابة يسقط بدونهما بأن عجز نفسه ، وكما تصح الكفالة به جاز أن يستبدل به ما شاء يدا بيد ; لأنه دين لا يستحق قبضه في المجلس فيجوز أن يستبدل به كالأثمان ، ولا خير فيه نسيئة ; لأن الدين بالدين حرام .

( قوله : وإطلاق لفظ المال ) أي في قوله على مال ينتظم أنواعه من النقد والمكيل والموزون والعرض والحيوان وإن كان بغير عينه بعد كونه معلوم الجنس كمائة قفيز حنطة ، وإن لم يقل جيدة أو صعيدية وكفرس أو حمار أو عبد ; لأن الجهالة يسيرة فتتحمل ; لأنه معاوضة مال بغير المال فشابه النكاح . وعلل المصنف كونه معاوضة بما ليس بمال بأن العبد لا يملك نفسه : يعني الحاصل له في مقابلة المال ليس مالا ; لأن نفسه بالنسبة إليه ليس مالا ; لأنه مبقى على أصل الحرية بالنسبة إلى نفسه حتى صح إقراره بالحدود والدين وإن تأخر عنه إلى الحرية ، وكذا الخلع والصلح عن دم العمد ، وفيها يغتفر ذلك كما تقدم ، ويلزمه الوسط في تسمية الحيوان والثوب بعد تسمية جنسهما من الفرس والحمار والعبد والثوب الهروي . ولو أتاه بالقيمة أجبر المولى على القبول كما في المشهور ، وهو مذهب مالك وأحمد ، ولو لم يسم الجنس بأن قال على ثوب أو حيوان أو دابة فقبل عتق ولزمه قيمة نفسه .

ولو أدى إليه العبد أو العرض فاستحق ، وإن كان بغير عينه في العقد فعلى العبد مثله ، وقد علمت أن القيمة في مثله مخلص ، وإن كان معينا بأن قال أعتقتك على هذا العبد أو الثوب أو بعتك نفسك بهذه الجارية فقبل وعتق وسلمه فاستحق رجع على العبد بقيمة نفسه عند أبي حنيفة وأبي يوسف . وقال محمد : يرجع بقيمة المستحق ، وعلى هذا الخلاف إذا هلك قبل التسليم ، وإذا كان الحكم أنه لو اشترى شيئا بعبد الغير صح البيع فكذا هنا ، إلا أن في البيع إذا لم يجز مالك العبد يفسخ العقد وهنا لا يفسخ بعد نزول العتق بالقبول . ولو اختلفا في المال جنسه أو مقداره بأن قال المولى أعتقتك على عبد وقال العبد على كر حنطة أو على ألف وقال العبد على مائة فالقول للعبد مع يمينه ، وكذا لو أنكر أصل المال كان القول له ; لأنه عتق باتفاقهما والمال عليه للمولى فالقول في بيانه قوله والبينة بينة المولى إما لإثبات الزيادة أو ; لأنه يثبت حق نفسه ببينته ، ولو كان هذا الاختلاف في مسألة التعليق بالأداء وهي التي تلي هذه المسألة : أعني قوله إن أديت إلي ألفا فأنت حر فالقول قول المولى مع يمينه ; لأن التعليق بالشرط تم به فالقول قوله في بيانه بخلاف ما قبلها فإن العبد عتق بالقبول فيكون الاختلاف بينهما في الدين الواجب عليه ، أما هنا فلا يعتق إلا بالأداء ، وإنما الاختلاف بينهما فيما يقع العتق فكان القول للمولى ، فإن أقاما البينة فالبينة بينة العبد ، إذ لا منافاة بين البينتين ; لأنه يجعل كأن الأمرين كانا فأي الشرطين أتى به العبد يعتق ; ولأن البينتين للإلزام ، وفي بينة العبد معنى الإلزام أتم ، فإنها إذا قبلت عتق العبد بأداء خمسمائة ، وليس في بينة المولى إلزام فإنها إذا قبلت لا يلزم العبد أداء المال هكذا ، فاعرف هاتين المسألتين .

ولو قال المولى أعتقتك أمس على ألف فلم تقبل وقال العبد قبلت فالقول قول المولى مع يمينه ; لأنه أقر بتعليق العتق بقبوله المال وهو يتم بالمولى ، ولهذا يتوقف بعد المجلس إذا كان العبد غائبا . [ ص: 6 ] ثم العبد يدعي وجود الشرط بقبوله وزوال ملك المولى به والمولى ينكر فالقول قوله كما لو قال قلت لك أمس أنت حر إن شئت ولم تشأ ، وقال العبد بل قد شئت فالقول قول المولى ، بخلاف قوله لغيره بعتك هذا الثوب أمس بألف فلم تقبل وقال الآخر بل قبلت القول للمشتري ; لأن القائل أقر بالبيع ، ولا يتحقق البيع إلا بقبول المشتري فهو في قوله لم تقبل راجع عما أقر به .

التالي السابق


الخدمات العلمية