صفحة جزء
[ ص: 66 ] باب ما يكون يمينا وما لا يكون يمينا قال : ( واليمين بالله تعالى أو باسم آخر من أسماء الله تعالى كالرحمن والرحيم أو بصفة من صفاته التي يحلف بها عرفا كعزة الله وجلاله وكبريائه ) لأن الحلف بها متعارف ، ومعنى اليمين وهو القوة حاصل ; لأنه يعتقد تعظيم الله وصفاته فصلح ذكره حاملا ومانعا . .


( باب ما يكون يمينا وما لا يكون يمينا ) ( قوله : واليمين بالله أو باسم آخر من أسمائه ) تفيد لفظة آخر أن المراد بالله اللفظ فتأمل ، والاسم الآخر كالرحمن [ ص: 67 ] والرحيم والقدير ، ومنه والذي لا إله إلا هو . ورب السموات والأرض ورب العالمين ومالك يوم الدين والأول الذي ليس قبله شيء والآخر الذي ليس بعده شيء ، وإذا قالوا في قوله والطالب الغالب إنه يمين ; لأنه تعارف أهل بغداد الحلف به لزم . إما اعتبار العرف فيما لم يسمع من الأسماء من الكتاب والسنة فإن الطالب لم يسمع بخصوصه بل الغالب في قوله تعالى { والله غالب على أمره } وإما كونه بناء على القول المفصل في الأسماء ، ويفيد قوله آخر أنه لا بد من كونه اسما خاصا ، فلو قال واسم الله فهو عام يقتضي أن لا يكون يمينا ، والمنقول أنه لو قال باسم الله ليس بيمين . وفي المنتقى رواية ابن رستم عن محمد أنه يمين فليتأمل عند الفتوى .

ولو قال وباسم الله يكون يمينا ذكر ذلك في الخلاصة . وقوله أو بصفة من صفاته التي يحلف بها عرفا قيد في الصفة فقط ، فأفاد أن الحلف بالاسم لا يتقيد بالعرف بل هو يمين تعارفوه أو لم يتعارفوه ، وهو الظاهر من مذهب أصحابنا ، وهو الصحيح ، وهو قول مالك وأحمد والشافعي في قول . وقال بعض مشايخنا : كل اسم لا يسمى به غير الله كالله والرحمن فهو يمين ، وما يسمى به غير الله تعالى كالحكيم والعليم والقادر والعزيز فإن أراد به يمينا فهو يمين ، وإن لم يرد به فليس يمينا ، ورجحه بعضهم بأنه إن كان مستعملا لله سبحانه وتعالى ولغيره لا يتعين إرادة أحدهما إلا بالنية .

وأما الصفة فالمراد بها اسم المعنى الذي لا يتضمن ذاتا ولا يحمل عليها بهو هو كالعزة والكبرياء والعظمة ، بخلاف نحو العظيم فقيده بكون الحلف بها متعارفا سواء كان من صفات الفعل أو الذات ، وهو قول مشايخ ما وراء النهر ، ولهذا قال محمد في قولهم : وأمانة الله أنه يمين ، ثم سئل عن معناه فقال لا أدري ; لأنه رآهم يحلفون به فحكم بأنه يمين .

ووجهه أنه أراد معنى والله الأمين ، فالمراد الأمانة التي تضمنتها لفظة الأمين كعزة الله التي هي ضمن العزيز ونحو ذلك ، وعلى هذا فعدم كون وعلم الله وغضبه وسخطه ورحمته يمينا لعدم التعارف ، ويزداد العلم بأنه يراد به المعلوم . فقول الشيخ أبي المعين في تبصرة الأدلة : إن الحلف بالعلم والرحمة والغضب مشروع إن كان مراده الصفة القائمة به فليس على هذا الأصل ، بل هو على محاذاة قول القائلين في الأسماء : إن ما كان بحيث يسمى به الله تعالى وغيره إن أراد به الله تعالى كان يمينا وإلا لا ، فجعل مثله في الصفات المجردة عن الدلالة على الذات إن أريد صفته القائمة به فهو يمين وإلا لا . لا يقال : مقتضى هذا أن يجري في قدرة الله مثله ، إن أريد به الصفة كان يمينا أو المقدور على أن يراد بالمصدر المفعول أو المصدر ويكون على حذف مضاف : أي أثر قدرته لا يكون يمينا وليس المذهب ذلك ; لأنا نقول : إنما اعتبر ذلك فيما لم يتعارف الحلف به وقدرة الله الحلف بها متعارف فينصرف إلى الحلف بلا تفصيل في الإرادة . ولمشايخ العراق تفصيل آخر هو أن الحلف بصفات الذات يكون يمينا أو بصفات الفعل لا يكون يمينا ، وصفات الذات ما يوصف سبحانه بها ولا يوصف بأضدادها كالقدرة والجلال والكمال والكبرياء والعظمة والعزة .

وصفات الفعل ما يصح أن يوصف بها وبأضدادها كالرحمة والرضا لوصفه سبحانه بالغضب والسخط . وقالوا : ذكر صفات الذات كذكر الذات ، وذكر صفات الفعل ليس كالذات . قيل يقصدون بهذا الفرق الإشارة إلى مذهبهم أن صفات الفعل غير الله . والمذهب عندنا أن صفات الله لا هو ولا غيره ، وهذا ; لأن الغير هو ما يصح انفكاكه بزمان أو بمكان أو بوجود . ولا يخفى أن هذا اصطلاح محض لا ينبغي أن يبتنى الفقه باعتباره . وظاهر قول هؤلاء أنه لا اعتبار بالعرف وعدمه ، بل صفة الذات مطلقا [ ص: 68 ] يحلف بها تعورف أو لا ، وصفة الفعل لا يحلف بها ولو تعورف ، وعلى هذا فيلزم أن سمع الله وبصره وعلمه يكون يمينا على قول هؤلاء ، وعلى اعتبار العرف لا يكون يمينا ; لأنه لم يتعارف الحلف بها وإن كانت من صفات الذات . وقال بعضهم : الأسماء التي لا يسمى بها غيره كرب العالمين والرحمن ومالك يوم الدين إلى آخر ما قدمنا أول الباب يكون الحلف بها يمينا بكل حال ، وكذا الصفات التي لا تحتمل أن تكون غير صفاته كعزة الله وعظمته وجلاله وكبريائه وكلامه فينعقد بها اليمين بكل حال ولا حاجة إلى عرف فيها ، بخلاف الأسماء التي تطلق على غيره تعالى كالحي والمؤمن والكريم يعتبر فيها العرف أو نية الحالف ، وكذا ما يكون من صفته تعالى كعلم الله وقدرته فإنه قد يستعمل في المقدور والمعلوم اتساعا . كما يقال اللهم اغفر علمك فينا ، وكذا صفات الفعل كخلقه ورزقه ، ففي هذه يجري التعليل بالتعارف وعدمه ، ووجه الله يمين إلا إن أراد الجارحة .

التالي السابق


الخدمات العلمية