صفحة جزء
( ولو ) ( نزل ) من الرأس ( إلى ما لان من الأنف ) ( نقض بالاتفاق ) لوصوله إلى موضع يلحقه حكم التطهير فيتحقق الخروج ( والنوم مضطجعا أو متكئا أو مستندا إلى شيء لو أزيل عنه لسقط ) لأن الاضطجاع سبب لاسترخاء المفاصل فلا يعرى عن خروج شيء عادة ، والثابت عادة كالمتيقن به ، والاتكاء يزيل مسكة اليقظة لزوال المقعد عن الأرض ، ويبلغ الاسترخاء [ ص: 48 ] غايته بهذا النوع من الاستناد ، غير أن السند يمنعه من السقوط ، بخلاف النوم حالة القيام والقعود والركوع والسجود في الصلاة وغيرها هو الصحيح ، لأن بعض الاستمساك باق ، إذ لو زال لسقط فلم يتم الاسترخاء ، [ ص: 49 ] والأصل فيه قوله عليه الصلاة والسلام { لا وضوء على من نام قائما أو قاعدا أو راكعا أو ساجدا ، إنما الوضوء على من نام مضطجعا ، فإنه إذا نام مضطجعا استرخت مفاصله }


( قوله ويبلغ الاسترخاء إلخ ) ظاهر المذهب عن أبي حنيفة عدم النقض بهذا الاستناد ما دامت المقعدة مستمسكة للأمن من الخروج ، والانتقاض مختار الطحاوي اختاره المصنف والقدوري ; لأن مناط النقض الحدث لا عين النوم ، فلما خفي بالنوم أدير الحكم على ما ينتهض مظنة له ، ولذا لم ينقض نوم القائم والراكع والساجد ، ونقض في المضطجع ; لأن المظنة منه ما يتحقق معه الاسترخاء على الكمال وهو في المضطجع لا فيها ، وقد وجد في هذا النوع من الاستناد إذ [ ص: 48 ] لا يمسكه إلا السند ، وتمكن المقعدة مع غاية الاسترخاء لا يمنع الخروج ، إذ قد يكون الدافع قويا خصوصا في زماننا لكثرة الأكل فلا يمنعه إلا مسكة اليقظة ، ولو كان محتبيا ورأسه على ركبتيه لا ينقض ( قوله في الصلاة وغيرها ) هذا إذا نام على هيئة السجود المسنون خارج الصلاة بأن جافى ، أما إذا لصق بطنه بفخذيه فينقض ، ذكره علي بن موسى القمي .

وفي الأسرار قال علماؤنا : لا يكون النوم حدثا في حال من أحوال الصلاة .

وكذا قاعدا خارج الصلاة إلا أن يكون متوركا ; لأنها جلسة تكشف عن المخرج انتهى .

ولا يخالفه ما في الخلاصة من عدم نقض المتورك ; لأنه فسره بأن يبسط قدميه من جانب ويلصق أليتيه بالأرض .

وفي الأسرار علله بأن يكشف عن المقعدة فهذا اشتراك في استعمال لفظ التورك .

وفي الذخيرة : من نام واضعا أليتيه على عقبيه وصار شبه المنكب على وجهه واضعا بطنه على فخذيه لا ينتقض وضوءه .

وفي غيرها لو نام متربعا ورأسه على فخذيه نقض ، وهذا خلاف ما في الذخيرة : ثم أطلق في الكتاب قوله في الصلاة فشمل ما كان عن تعمد وما عن غلبة .

وعن أبي يوسف : إذا تعمد النوم في الصلاة نقض ، والمختار الأول .

وفي فصل ما يفسد الصلاة من فتاوى قاضي خان : لو نام في ركوعه أو سجوده إن لم يتعمد لا تفسد ، وإن تعمد فسدت في السجود دون الركوع ا هـ كأنه مبني على قيام المسكة حينئذ في الركوع دون السجود .

ومقتضى النظر أن يفصل في ذلك السجود إن كان متجافيا لا يفسد للمسكة وإلا يفسد ( قوله هو الصحيح ) احتراز عن قول ابن شجاع : إنه إنما لا يكون حدثا في هذه الأحوال في الصلاة .

وفي ظاهر الرواية لا فرق .

ولو نام قاعدا فسقط ، عن أبي حنيفة إن انتبه قبل أن يصل جنبه الأرض أو عند الإصابة بلا فصل لم ينتقض .

وعن أبي يوسف ينتقض .

وعن محمد إن انتبه قبل أن يزايل مقعده الأرض لم ينتقض ، وإن زال قبله نقض .

والفتوى على رواية أبي حنيفة .

وقال الحلواني : ظاهر مذهب أبي حنيفة كما روي عن محمد قيل هو المعتمد ، وسواء سقط أو لم يسقط ، وإن نام جالسا يتمايل ربما يزول مقعده وربما لا .

قال الحلواني : [ ص: 49 ] ظاهر المذهب أنه ليس بحدث ا هـ .

ويشهد له ما في أبي داود { كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء حتى تخفق رءوسهم ثم يصلون ولا يتوضئون } وأما ما في سنن البزار بإسناد صحيح : { كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون الصلاة فيضعون جنوبهم ، فمنهم من ينام ثم يقوم إلى الصلاة } فيجب حمله على النعاس .

وقد قال الحلواني : لا ذكر للنعاس مضطجعا ، والظاهر أنه ليس بحدث ; لأنه نوم قليل .

وقال الدقاق : إن كان لا يفهم عامة ما قيل حوله كان حدثا ، وإن كان يسهو حرفا أو حرفين فلا وأما ما في الصحيحين عن ابن عباس { نمت عند خالتي ميمونة ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم من الليل إلى أن قال : فتأملت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة ركعة ثم اضطجع فنام حتى نفخ ، فأتاه بلال فآذنه بالصلاة ، فقام فصلى ولم يتوضأ } فهو من خصوصياته صلى الله عليه وسلم .

في القنية : نومه صلى الله عليه وسلم ليس بحدث ، وهو من خصائصه ( قوله : والأصل فيه قوله صلى الله عليه وسلم إلخ ) أقرب الألفاظ إلى اللفظ المذكور ما روى البيهقي عنه صلى الله عليه وسلم { لا يجب الوضوء على من نام جالسا أو قائما أو ساجدا حتى يضع جنبه ، فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله } وقال : تفرد به يزيد بن عبد الرحمن الدالاني .

وروى أبو داود والترمذي من حديث أبي خالد يزيد الدالاني هذا عن قتادة عن أبي العالية عن ابن عباس { أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم نام وهو ساجد حتى غط أو نفخ ثم قام وصلى ، فقلت : يا رسول الله إنك قد نمت ، قال : إن الوضوء لا يجب إلا على من نام مضطجعا ، فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله } وقال أبو داود : قوله إنما الوضوء على من نام مضطجعا منكر لم يروه إلا يزيد الدالاني . وروى أوله جماعة عن ابن عباس ولم يذكروا شيئا ، من هذا ا هـ وقال ابن حبان في الدالاني : كثير الخطأ لا يجوز الاحتجاج به إذا وافق الثقات ، فكيف إذا انفرد عنهم ؟ وقال غيره : صدوق لكنه يهم في الشيء وقال ابن عدي : فيه لين الحديث ، ومع لينه يكتب حديثه ، وقد تابعه على روايته مهدي بن هلال ثم أسند عن مهدي حدثنا يعقوب بن عطاء بن أبي رباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول صلى الله عليه وسلم { ليس على من نام قائما أو قاعدا وضوء حتى يضطجع جنبه إلى الأرض } وأخرج أيضا عن بحر بن كثير السقاء عن ميمون الخياط عن ابن عباس عن حذيفة بن اليمان قال { كنت جالسا في مسجد المدينة [ ص: 50 ] أخفق ، فاحتضنني رجل من خلفي ، فالتفت فإذا أنا بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فقلت : يا رسول الله وجب علي وضوء ؟ قال : لا حتى تضع جنبك على الأرض } قال البيهقي : تفرد به بحر بن كثير السقاء وهو ضعيف .

وأنت إذا تأملت فيما أوردناه لم ينزل عندك الحديث عن درجة الحسن ، ولو لم يكن فالحديث الذي عيناه سابقا من أن عين النوم ليس حدثا فاعتبرت مظنته إلخ يستقل بالمطلوب ، هذا وسجدة التلاوة في هذا كالصلبية ، وكذا سجدة الشكر عند محمد خلافا لأبي حنيفة كذا قيل ، وقياس ما قدمناه من عدم الفرق بين كونه في الصلاة أو خارجها يقتضي عدم الخلاف في عدم الانتقاض بالنوم فيها .

نعم ينتقض على مقابل الصحيح وخلاف المشايخ المنقول في الانتقاض به في سجود السهو ينبغي أن يحكم على الخلاف بالخطأ ; لأن سجود السهو يقع في الصلاة فلا ينقض ، ولو صلى المريض مضطجعا فنام اختلف المشايخ فيه ، وصحح النقض .

التالي السابق


الخدمات العلمية