صفحة جزء
( وبدن الحرة كلها عورة إلا وجهها وكفيها ) لقوله عليه الصلاة والسلام { المرأة عورة مستورة } [ ص: 259 ] واستثناء العضوين للابتداء بإبدائهما . قال رضي الله عنه : وهذا تنصيص على أن القدم عورة . ويروى أنها ليست بعورة وهو الأصح ( فإن صلت وربع ساقها أو ثلثه مكشوف [ ص: 260 ] تعيد الصلاة عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وإن كان أقل من الربع لا تعيد وقال أبو يوسف رحمه الله : لا تعيد إن كان أقل من النصف ) لأن الشيء إنما يوصف بالكثرة إذا كان ما يقابله أقل منه إذ هما من أسماء المقابلة ( وفي النصف عنه روايتان ) فاعتبر الخروج عن حد القبلة أو عدم الدخول في ضده ولهما أن الربع يحكي حكاية الكمال كما في مسح الرأس والحلق في الإحرام ، ومن رأى وجه غيره يخبر عن رؤيته وإن لم ير إلا أحد جوانبه الأربعة .


( قوله كلها ) وفي بعض النسخ كله وهما تأكيدان للبدن ، ولما أضيف إلى المؤنث جاز اكتسابه التأنيث وهو على الوجه القياسي في ذلك أعني صحة حذف المضاف ونسبة الحكم إلى المضاف إليه ، فإنه يصح أن يقال : المرأة عورة إلا كذا كما يصح بدن المرأة عورة إلا كذا .

وفي الظهيرية : الصغيرة جدا ليست عورة حتى يباح النظر والمس ( قوله لقوله عليه الصلاة والسلام { المرأة عورة مستورة } ) أخرج الترمذي [ ص: 259 ] في الرضاع عن ابن مسعود عنه صلى الله عليه وسلم { المرأة عورة ، فإذا خرجت استشرفها الشيطان } وقال حسن صحيح غريب ، ولم يعرف فيه لفظ مستورة ( قوله تنصيص ، إلى قوله : وهو الأصح ) لا شك أن ثبوت العورة إن كان بقوله صلى الله عليه وسلم { المرأة عورة } مع ثبوت مخرج بعضها وهو الامتلاء بالابتداء فمقتضاه إخراج القدمين لتحقق الابتلاء ، وإن كان قوله تعالى { ولا يبدين زينتهن } الآية ، فالقدم ليس موضع الزينة الظاهرة عادة ، ولذا قال الله تعالى { ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن } يعني قرع الخلخال ، فأفاد أنه من الزينة الباطنة .

وقد روى أبو داود فيه مرسلا عنه صلى الله عليه وسلم { إن الجارية إذا حاضت لم يصلح أن يرى منها إلا وجهها ويدها إلى المفصل } ثم كما هو تنصيص على ما ذكرنا ، كذلك هو تنصيص على أن ظهر الكف عورة بناء على دفع ما قيل إن الكف يتناول ظاهره ، لكن الحق أن المتبادر عدم دخول الظهر ، ومن تأمل قول القائل الكف يتناول ظاهره أغناه عن توجيه الدفع إذ إضافة الظاهر إلى مسمى الكف يقتضي أنه ليس داخلا فيه ، وفي مختلفات قاضي خان : ظاهر الكف وباطنه ليسا عورتين إلى الرسغ ، وفي ظاهر الرواية ظاهره عورة ، وتنصيص أيضا على أن الذراع عورة وعن أبي يوسف ليس بعورة .

وفي المبسوط في الذراع روايتان ، والأصح أنه عورة ، وفي الاختيار لو انكشف ذراعها جازت صلاتها لأنها من الزينة الظاهرة وهو السوار وتحتاج إلى كشفه للخدمة وستره أفضل .

وصحح بعضهم أنه عورة في الصلاة لا خارجها . واعلم أنه لا ملازمة بين كونه ليس عورة [ ص: 260 ] وجواز النظر إليه ، فحل النظر منوط بعدم خشية الشهرة مع انتفاء العورة ولذا حرم النظر إلى وجهها ووجه الأمرد إذا شك في الشهوة ولا عورة .

وفي كون المسترسل من شعرها عورة روايتان . وفي المحيط الأصح أنه عورة وإلا جاز النظر إلى صدغ الأجنبية وطرف ناصيتها وهو يؤدي إلى الفتنة وأنت علمت أنه لا تلازم بينهما كما أريتك في المثال . [ فرع ]

صرح في النوازل بأن نغمة المرأة عورة ، وبنى عليه أن تعلمها القرآن من المرأة أحب إلي من الأعمى ، قال : لأن نغمتها عورة ، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام { التسبيح للرجال والتصفيق للنساء } فلا يحسن أن يسمعها الرجل انتهى كلامه .

وعلى هذا لو قيل إذا جهرت بالقراءة في الصلاة فسدت كان متجها ، ولذا منعها عليه الصلاة والسلام من التسبيح بالصوت لإعلام الإمام لسهوه إلى التصفيق ( قوله تعيد الصلاة ) يعني إذا استمر زمانا كثيرا إلا إذا كان قليلا وقدر الكثير ما يؤدى فيه ركن ، والقليل دونه فلو انكشفت فغطاها في الحال لا تفسد ، فالحاصل [ ص: 261 ] أن الانكشاف الكثير في الزمن القليل لا يفسد ، والانكشاف القليل في الزمن الكثير أيضا لا يفسد ووجهه أن القليل عفو لاعتباره عدما باستقراء قواعد الشرع بخلاف الكثير ، وقدر بالربع لأنه يحكي حكاية الكمال بالدليل المذكور ، وهو أن من رأى أحد جوانب وجه إنسان صح أن يخبر بأنه رأى وجهه ، وهذا يدفع قول أبي يوسف رحمه الله : إن الكثرة يقابلها القلة حتى أجاز صلاته مع انكشاف أقل من النصف لأن ذلك إذا اعتبر بالنسبة والإضافة إلى مقابله ، وليس هذا الاعتبار لازما بل كما يجوز ذلك يجوز اعتباره في نفسه كما في قوله تعالى { يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا } .

وإذا صح الاعتباران كان الاحتياط في الثاني هنا ، وعلى اعتباره تثبت الكثرة بالربع لما ذكرنا فتمنع ، إلا أن قوله كما في مسح الرأس والحلق في الإحرام يفيد أنه مما حكى فيه الربع حكاية الكل ، وهو موقوف على أن النص فيهما يفيد تعميمها بالفعل ، واكتفى بالربع لحكايته إياه ، وإلا فلو كان المفاد بالنص هو الربع ابتداء فمن أين كون ذلك الربع طلبا لحكايته ، حكاه الكمال .

لا يقال : لأن المطلوب في باقي الأعضاء استيعابها فالظاهر في الرأس مثله لأن الملازمة ممنوعة أولا . وكونه في باقي الأعضاء كذلك ممنوع ثانيا فإن اليد اسم إلى الإبط باعترافهم ولم يجب استيعابها . ثم سوى في الكتاب بين الغليظة والخفيفة في اعتبار الربع . وقال الكرخي : يعتبر في الغليظ ما زاد على قدر الدرهم .

وفي الخفيفة الربع اعتبارا بالنجاسة الغليظة والخفيفة ، وغلط بأنه تغليظ يؤدي إلى التخفيف أو الإسقاط ، لأن من الغليظة ما ليس أكثر من قدر الدرهم فيؤدي إلى أن كشف جميعها أو أكثرها لا يمنع . وقد يقال : إنه قيل إن الغليظ القبل والدبر مع ما حولهما فيجوز كونه اعتبر ذلك فلا يلزم ما ذكر .

التالي السابق


الخدمات العلمية