صفحة جزء
( والرجل والمرأة في ذلك سواء ) ; لأن النصوص تشملهما ( غير أن المرأة لا ينزع من ثيابها إلا الفرو والحشو ) [ ص: 234 ] لأن في تجريدها كشف العورة والفرو والحشو يمنعان وصول الألم إلى المضروب والستر حاصل بدونهما فينزعان ( وتضرب جالسة ) لما روينا ، ولأنه أستر لها ( وإن حفر لها في الرجم جاز ) ; لأنه عليه الصلاة والسلام حفر للغامدية إلى ثندوتها ، وحفر علي رضي الله تعالى عنه لشراحة الهمدانية وإن ترك لا يضره لأنه عليه الصلاة والسلام لم يأمر بذلك وهي مستورة بثيابها ، والحفر أحسن ; لأنه أستر ويحفر إلى الصدر لما روينا ( ولا يحفر للرجل ) ; لأنه عليه الصلاة والسلام ما حفره لماعز ، ولأن مبنى الإقامة على التشهير في الرجال ، والربط والإمساك غير مشروع


( قوله والرجل والمرأة في ذلك سواء ) لشمول النصوص إياهما ، فإن كان كل منهما محصنا رجم وإلا فعلى كل الجلد ، أو أحدهما محصنا فعلى المحصن الرجم وعلى الآخر

[ ص: 234 ] الجلد ، وكذلك في ظهور الزنا عند القاضي بالبينة أو الإقرار يكون على ما شرط . وقوله : غير أن المرأة إلخ استثناء من قوله : سواء فلا ينزع عن المرأة ثيابها إلا المحشو والفرو ( ولأن في تجريدها كشف العورة ) ; لأن بدنها كله عورة إلا ما عرف ، ووجهه ظاهر ( وتضرب ) المرأة ( جالسة لما روينا ) يعني من كلام علي ( ولأنه أستر لها ) قوله ( وإن حفر لها في الرجم جاز ) لهذا ولذلك حفر عليه الصلاة والسلام للغامدية إلى ثندوتها . والثندوة بضم الثاء والهمزة مكان الواو وبفتحها مع الواو مفتوحة ، والدال مضمومة في الوجهين : ثدي الرجل أو لحم الثديين ، وما قيل الثدي للمرأة والثندوة للرجل هو غير صحيح بحديث الذي وضع سيفه بين ثدييه ( ولذا حفر علي لشراحة الهمدانية ) بسكون الميم وهي قبيلة كانت عيبة علي ، وقد مدحهم وقال في مديحه لهم :

فلو كنت بوابا على باب جنة لقلت لهمدان ادخلي بسلام

وتقدم حديث شراحة وفيه من رواية أحمد عن الشعبي أنه حفر لها إلى السرة . ثم قال المصنف ( وإن ترك ) الحفر ( لم يضره ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بذلك ) يعني لم يوجبه بناء على أن حقيقة الأمر هو الإيجاب ، وقال : إنه عليه الصلاة والسلام حفر للغامدية .

ومعلوم أن ليس المراد إلا أنه أمر بذلك فيكون مجازا عن أمره ، وإلا كانت مناقضة غريبة ، فإن مثلها إنما يقع عند بعد العهد ، أما معه في سطر واحد فغريب وهو هنا كذلك ، والله الموفق ( قوله ولا يحفر للرجل ; لأنه عليه الصلاة والسلام لم يحفر لماعز ) تقدم من رواية مسلم ، وتقدم من روايته أيضا من حديث بريدة الأسلمي أنه حفر له وهو منكر لمخالفته الروايات الصحيحة المشهورة والروايات الكثيرة المتضافرة ( قوله ولأن مبنى الحد على التشهير في الرجال ) لا حاجة إلى التخصيص ، بل الحد مطلقا مبني على التشهير ، غير أنه يزاد في شهرته في حق الرجل ; لأنه لا يضره ذلك ، ويكتفي في المرأة بالإخراج والإتيان بها إلى مجتمع الإمام والناس وخصوصا في الرجم . وأما في الجلد فقد قال تعالى { وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين } أي الزانية والزاني ، فاستحب أن يأمر الإمام طائفة : أي جماعة أن يحضروا إقامة الحد . وقد اختلف في هذه الطائفة فعن ابن عباس واحدة وبه قال أحمد ، وقال عطاء وإسحاق اثنان ، وقال الزهري ثلاثة ، وقال الحسن البصري عشرة ، وعن الشافعي ومالك أربعة . وأما قوله ( والربط والإمساك غير مشروع ) فلما تقدم من قول ابن مسعود وليس في هذه الأمة تجريد ولا مد ، ولأن ماعزا انتصب لهم قائما لم يمسك ولم يربط ، إلا أن لا يصبر

[ ص: 235 ] وأعياهم فحينئذ يمسك فيربط ، فإذا هرب في الرجم ، فإن كان مقرا لا يتبع وترك ، وإن كان مشهودا عليه اتبع ورجم حتى يموت ; لأن هربه رجوع ظاهرا ورجوعه يعمل في إقراره لا في رجوع الشهود . وذكر الطحاوي صفة الرجم أن يصفوا ثلاثة صفوف كصفوف الصلاة كلما رجمه صف تنحوا . ولم يذكره في الأصل ، بل في حديث علي في قصة شراحة على ما قدمناه من رواية البيهقي عن الأجلح عن الشعبي وفيه : أحاط الناس بها وأخذوا الحجارة قال : ليس هكذا الرجم إذن يصيب بعضكم بعضا ، صفوا كصف الصلاة صفا خلف صف ، إلى أن قال : ثم رجمها ثم أمرهم فرجم صف ثم صف ثم صف . ولا يقام حد في مسجد بإجماع الفقهاء ولا تعزير ، إلا ما روي عن مالك أنه لا بأس بالتأديب في المسجد خمسة أسواط . قال أبو يوسف : أقام ابن أبي ليلى الحد في المسجد فخطأه أبو حنيفة . وفي الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قال { جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم ورفع أصواتكم وشراءكم وبيعكم وإقامة حدودكم ، وجمروها في جمعكم وصفوا على أبوابها المطاهر } ولأنه لا يؤمن خروج النجاسة من المحدود فيجب نفيه عن المسجد

التالي السابق


الخدمات العلمية