صفحة جزء
قال ( وما سوى ذلك فهو سنة ) أطلق اسم السنة ، وفيها واجبات كقراءة الفاتحة [ ص: 277 ] وضم السورة إليها ومراعاة الترتيب فيما شرع مكررا من الأفعال ، والقعدة الأولى وقراءة التشهد في القعدة الأخيرة والقنوت في الوتر وتكبيرات العيدين والجهر فيما يجهر فيه والمخافتة فيما يخافت فيه ، ولهذا تجب عليه سجدتا السهو [ ص: 278 ] بتركها ، هذا هو الصحيح ، وتسميتها سنة في الكتاب لما أنه ثبت وجوبها بالسنة .


( قوله فيما شرع مكررا من الأفعال ) أراد به ما تكرر في كل الصلاة كالركعات إلا لضرورة الاقتداء حيث يسقط به الترتيب ، فإن المسبوق يصلي آخر الركعات قبل أولها وفي كل ركعة ، والأصل عندنا أن المشروع فرضا في الصلاة أربعة أنواع : ما يتحد في كل الصلاة كالقعدة ، أو في كل ركعة كالقيام والركوع ، وما يتعدد في كلها كالركعات أو في كل ركعة كالسجود .

والترتيب شرط بين ما يتحد في كل الصلاة وجميع ما سواه مما يتعدد في كلها أو في كل ركعة وما يتحد في كل ركعة ، حتى لو تذكر بعد القعدة قبل السلام أو بعده قبل أن يأتي بمفسد ركعة أو سجدة صلبية أو للتلاوة فعلها وأعاد القعدة وسجد للسهو ، وكذا إذا تذكر ركوعا قضاه وقضى ما بعد السجود أو قياما أو قراءة صلى ركعة تامة ، وكذا يشترط الترتيب بين ما يتحد في كل ركعة كالقيام والركوع ، ولذا قلنا آنفا في ترك القيام وحده إنه يصلي ركعة تامة .

وإذا عرف هذا فقوله في النهاية : الترتيب ليس بشرط بين ما يتعدد في كل الصلاة : يعني الركعات أو يتحد في كل ركعة ، وبين ما يتعدد في ركعة ليس على إطلاقه بل بين السجود والمتحد في كل ركعة تفصيل إذا كان سجود ذلك الركوع بأن يكونا ركوعا وسجودا من ركعة واحدة فالترتيب شرط ، وإن كان ركوعا من ركعة وسجودا من أخرى بأن تذكر في سجدة ركوع ركعة قبل هذه السجدة قضى الركوع مع سجدتيه ، وعلى قلبه بأن تذكر في ركوع أنه لم يسجد في الركعة التي قبلها سجدها وهل يعيد الركوع والسجود المتذكر فيه ففي الهداية أنه لا يجب إعادته بل يستحب معللا بأن الترتيب ليس بفرض بين ما يتكرر من الأفعال .

والذي في فتاوى قاضي خان وغيره أنه يعيده معللا بأنه ارتفض بالعود إلى ما قبله من الأركان لأنه قبل الرفع منه يقبل الرفض ولهذا ذكره فيما لو تذكر سجدة بعد ما رفع من الركوع أنه يقضيها ولا يعيد الركوع لأنه بعد ما تم بالرفع لا يقبل الرفض ، فعلم أن الاختلاف في إعادتها ليس بناء على اشتراط الترتيب وعدمه ، بل على أن الركن المتذكر فيه هل يرتفض بالعود إلى ما قبله من الأركان أو لا .

وفي كافي الحاكم الشهيد أبي الفضل الذي هو جمع كلام محمد رحمه الله : رجل افتتح الصلاة وقرأ وركع ولم يسجد ثم قام فقرأ وسجد ولم يركع فهذا قد صلى ركعة ، وكذلك إن ركع أولا ثم قرأ وركع وسجد فإنما صلى ركعة واحدة ، وكذلك إن سجد أولا سجدتين ثم قام فقرأ في الثانية وركع ولم يسجد ثم قام فقرأ وسجد في الثالثة ولم يركع فإنما صلى ركعة واحدة ، وكذلك إن ركع في الأولى ولم يسجد وركع في الثانية ولم يسجد ثم سجد في الثالثة ولم يركع فإنما صلى [ ص: 278 ] ركعة واحدة ، ثم لم يذكر المصنف قراءة التشهد في الأولى وتعديل الأركان ، قيل للاختلاف فيهما كما سيذكر ، لكن قد نقل عن الطحاوي والكرخي سنية القعدة الأولى ومع ذلك ذكرها فليس الصارف حينئذ ذلك ، ويجوز كونه اختار هنا سنيتهما ثم تبدل رأيه في سجود السهو فاختار وجوب القعدة ، وبقي من الواجبات بعد هذا إصابة لفظة السلام ، وتعيين القراءة في أولي الفرض ، وحينئذ فالأولى أن لا يحمل كلام المصنف على أنه حصر المتفق عليه وترك المختلف فيه ، ولا تبدل رأيه بل إنه قصد إعطاء نظائر لا على الحصر ولذا أتى بكاف التشبيه المشعرة بعدم الحصر ( قوله هذا هو الصحيح ) احتراز عن جواب القياس في التشهد والقنوت وتكبيرات العيد ، وكذا في السلام لأنها أذكار ، ومبنى الصلاة على الأفعال لا عليها ، ولم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم سجد إلا في الأفعال والاستحسان هو الصحيح ، وهو أنها تضاف إلى كل الصلاة نحو قنوت الوتر وتشهد الصلاة فكانت من خصائصها ، بخلاف نحو تسبيحات الركوع .

وقد يقال الاختصاص المستفاد من الإضافة إنما يعطى أنها لا وجود لها في غير الصلاة شرعا ، وكون ذلك يستلزم الوجوب محل نظر .

فالأولى أن يستدل في وجوبها بالمواظبة المقرونة بالترك في التشهد للنسيان فلا يلتحق بالمبين : أعني الصلاة لتكون فرضا ، أما في قنوت الوتر وتكبيرات العيد فلأن أصلهما بظني فلا تكون المواظبة فيها محتاجة إلى الاقتران بالترك ليثبت به الوجوب ، والمواظبة في السلام معارضة بقوله صلى الله عليه وسلم { إذا قلت هذا أو فعلت هذا فقد تمت صلاتك } فلم يتحقق بيانا لما تقرر جزءا للصلاة ( قوله وتسميتها سنة إلخ ) يعني أريد بلفظ السنة ما ثبت بالسنة فيدخل فيه الواجبات بطريق عموم المجاز ، ولا حاجة إلى [ ص: 279 ] اعتباره جمعا بين الحقيقي والمجازي في محلين على رأي العراقيين

التالي السابق


الخدمات العلمية