صفحة جزء
( ويرفع يديه مع التكبير وهو سنة ) [ ص: 281 ] { لأن النبي صلى الله عليه وسلم واظب عليه } ، وهذا اللفظ يشير إلى اشتراط المقارنة ، وهو المروي عن أبي يوسف والمحكي عن الطحاوي ، والأصح أنه يرفع يديه أولا ثم يكبر لأن فعله نفي الكبرياء عن غير الله والنفي مقدم على الإثبات ( ويرفع يديه حتى يحاذي بإبهاميه شحمتي أذنيه ) وعند الشافعي رحمه الله : يرفع إلى منكبيه ، وعلى هذا تكبيرة القنوت والأعياد والجنازة له حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم { إذا كبر رفع يديه إلى منكبيه } ولنا رواية وائل بن حجر والبراء وأنس رضي الله عنهم { أن النبي عليه الصلاة والسلام [ ص: 282 ] كان إذا كبر رفع يديه حذاء أذنيه } ولأن رفع اليد لإعلام الأصم [ ص: 283 ] وهو بما قلناه ، وما رواه يحمل على حالة العذر ( والمرأة ترفع يديها حذاء منكبيها ) وهو الصحيح لأنه أستر لها


( قوله وهو سنة ) أثبته بالمواظبة ، وهي وإن كانت من غير ترك تفيد الوجوب ، لكن إذا [ ص: 281 ] لم يكن ما يفيد أنها ليست لحامل الوجوب وقد وجد وهو تعليمه الأعرابي من غير ذكره وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز .

على أنه حكى في الخلاصة خلافا في تركه ، قيل يأثم وقيل لا .

قال : والمختار إن اعتاده أثم لا إن كان أحيانا انتهى .

وينبغي أن نجعل شقي هذا القول محمل القولين فلا اختلاف حينئذ ولا إثم لنفس الترك بل لأن اعتياده للاستخفاف وإلا فمشكل أو يكون واجبا ( قوله وهو المروي عن أبي يوسف ) قولا ( والمحكي عن الطحاوي ) فعلا ، واختاره شيخ الإسلام وصاحب التحفة وقاضي خان ( قوله والأصح ) عليه عامة المشايخ ( قوله والنفي مقدم على الإيجاب ) أورد عليه أن ذاك في اللفظ فلا يلزم في غيره وليس بشيء إذا لم يدع لزومه في غيره فإن تقديره هكذا حكمة شرعية هذا الرفع نفي الكبرياء عن غير الله ليحصل من النفي الفعلي والإثبات القولي حصر الكبرياء عليه سبحانه ، والمعهود في الدلالة على هذا الحاصل باللفظ تقديم مفيد النفي ، فإذا دل عليه بغيره كان المناسب أن يسلك به سبيل المعهود استحسانا لا لزوما : وليس الكلام إلا في وجه أولوية هذا .

والسنة أن ينشر أصابعه في الرفع غير متكلف في ضمها وتفريجها واختار غير المصنف قول أبي يوسف فإن لم يكن في مختار المصنف سمع وإلا انتظم المروي عنه صلى الله عليه وسلم { أنه كان يكبر عند كل خفض ورفع } ، قول أبي يوسف فيكون أولى ، لكن قد وجد في النسائي عن ابن عمر { أنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه ثم يكبر } وهنا قول ثالث قيل به وهو أنه يكبر أولا ثم يرفع ، وفيه أيضا خصوص النقل ، فإن رواية أنس صريحة فيه كما ستسمع ، ورواية أبي وائل والبراء ظاهرة فيه ، وحينئذ ففي الأقوال الثلاثة رواية عنه صلى الله عليه وسلم فيؤنس بأنه صلى الله عليه وسلم فعل كل ذلك ، ويترجح من بين أفعاله هذه تقديم الرفع بالمعنى الذي أبداه المصنف ( قوله حتى يحاذي بإبهاميه شحمتي أذنيه ) وبرءوس أصابعه فروع أذنيه ( قوله وعلى هذا ) أي هذا الخلاف ( قوله له حديث أبي حميد ) وهو ما رواه البخاري عن محمد بن عمرو بن عطاء أنه كان جالسا مع نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 282 ] فذكرنا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو حميد الساعدي : { أنا كنت أحفظكم لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رأيته إذا كبر جعل يديه حذاء منكبيه ، وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه ثم هصر ظهره ، فإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كل فقار مكانه ، فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما ، واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة : فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى ، فإذا جلس في الركعة الأخيرة قدم رجله اليسرى ونصب الأخرى وقعد على مقعدته } ، وقد أعله الطحاوي بأنه من طريق آخر عن محمد هذا قال : حدثني رجل أنه وجد عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث ، ففسد للجهالة ، وهذا هو الأرجح فإن سن محمد لا يحتمل مثل هذا ، وليس أحد يجعل هذا الحديث سماعا لمحمد من أبي وائل إلا عبد الحميد وهو عندك ضعيف . وفي رواية أخرى أن محمد بن عمرو حضر أبا حميد وأبا قتادة ، ووفاة أبي قتادة قبل هذا قتل مع علي وصلى عليه علي فهذا غير معروف ولا متصل عندنا انتهى . عبد الحميد هو جعفر بن الحكم الأنصاري ضعفه يحيى بن القطان والثوري ووثقه ابن معين وغيره ، ومحمد بن عمرو بن عطاء صرح غير واحد من الحفاظ بسماعه من أبي قتادة وأبي حميد ، منهم الحافظ عبد الغني قال : توفي في خلافة الوليد بن يزيد بن عبد الملك وخلافته أول سنة ثمان وستين ومدتها تسع سنين وأشهر . وأبو قتادة قيل قتل بالكوفة سنة ثمان وثلاثين . قال الحافظ عبد الغني : الأصح أنه مات بالمدينة سنة أربع وخمسين ، وأبو حميد عبد الرحمن الساعدي توفي في آخر خلافة معاوية ، ووفاة معاوية سنة ستين وقيل تسع وخمسين . فالحاصل تحقق الخلاف في جميع ما ذكر والشأن في الترجيح ولا حاجة إلى الاشتغال به ، فإنا لو سلمنا صحته كانت رواية وائل والبراء وأنس محصلات للمقصود ، ورواية وائل في صحيح مسلم { أنه رآه صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين دخل في الصلاة كبر وصفهما حيال أذنيه } ورواية أنس ذكرها الطحاوي بسند فيه مؤمل بن إسماعيل ويزيد بن أبي زياد ، ويقال ابن زياد ، وقد ضعف مؤمل بأنه دفن كتبه وكان يحدث من حفظه فكثر خطؤه ، ويزيد ضعفه علي ويحيى وابن المبارك وأبو حاتم الرازي والبخاري والنسائي . وقال ابن حبان : كان صدوقا إلا أنه لما كبر ساء حفظه فكان يتلقن ما لقن فوقعت المناكير في حديثه ، فسماع من سمع منه قبل التغير صحيح .

والرواية عن أنس في السنن الكبير للبيهقي { كان صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة كبر ثم رفع يديه حتى يحاذي بإبهاميه أذنيه } قال أبو الفرج إسناده كلهم ثقات ، ولا معارضة ، فإن محاذاة الشحمتين بالإبهامين تسوغ حكاية محاذاة اليدين بالمنكبين والأذنين ، لأن طرف الكف مع الرسغ يحاذي المنكب أو يقاربه ، والكف نفسه يحاذي الأذن واليد تقال على الكف إلى أعلاها ، فالذي نص على محاذاة الإبهامين بالشحمتين وفق في التحقيق بين الروايتين فوجب اعتباره .

ثم رأينا رواية أبي داود عن وائل صريحة فيه قال { إنه أبصر النبي صلى الله عليه وسلم حين قام إلى الصلاة فرفع يديه حتى كانتا بحيال منكبيه وحاذى بإبهاميه أذنيه } ومما وفق به حمل مرويه على حالة الاشتمال بالأكسية في الشتاء ، فإن الإبط مشغول بحفظها ، وهو ما ذكره المصنف بقوله على حالة العذر ، لكن الحق أن لا معارضة كما أسمعتك فلا حاجة إلى هذا الحمل ليدفع التعارض ، إلا أن رواية البيهقي تقتضي تأخير الرفع عن التكبير وهو ما قدمناه عن بعض المشايخ ( قوله ولأن الرفع لإعلام الأصم ) لا ينفي ما ذكره من أنه لنفي الكبرياء عن غير الله لجواز أن يعتبر في شرعيته كل من الأمرين ، أو أن [ ص: 283 ] أصل الرفع للنفي ، وكونه إلى الأذن ليحصل به إعلام الأصم لتوفية الرفع حينئذ وظهوره ( قوله هو الصحيح ) هو رواية محمد بن مقاتل عن أصحابنا ، واحترز به عن رواية الحسن عن أبي حنيفة أنها ترفع حذاء أذنيها

التالي السابق


الخدمات العلمية