صفحة جزء
[ ص: 310 ] ( وحد الخمر والسكر في الحر ثمانون سوطا ) لإجماع الصحابة رضي الله عنهم [ ص: 311 ] ( يفرق على بدنه كما في حد الزنا على ما مر ) ثم يجرد في المشهود من الرواية . وعن محمد أنه لا يجرد إظهارا للتخفيف لأنه لم يرد به نص . ووجه المشهور أنا أظهرنا التخفيف مرة فلا يعتبر ثانيا ( وإن كان عبدا فحده أربعون سوطا ) لأن الرق متصف على ما عرف .


( قوله وحد الخمر والسكر ) أي من غيرها ( ثمانون سوطا ) وهو قول مالك وأحمد . وفي رواية عن أحمد وهو قول الشافعي : أربعون إلا أن الإمام لو رأى أن يجلده ثمانين جاز على الأصح . واستدل المصنف على تعين الثمانين بإجماع الصحابة .

روى البخاري من حديث السائب بن يزيد قال : { كنا نؤتى بالشارب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإمرة أبي بكر وصدرا من خلافة عمر فنقوم إليه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا حتى كان آخر إمرة عمر ، فجلد أربعين ، حتى إذا عتوا أو فسقوا جلد ثمانين } . وأخرج مسلم عن أنس بن مالك { أن النبي صلى الله عليه وسلم جلد في الخمر بالجريد والنعال ثم جلد أبو بكر أربعين ، فلما كان عمر ودنا الناس من الريف والقرى قال : ما ترون في جلد الخمر ؟ فقال عبد الرحمن بن عوف : أرى أن نجعله ثمانين كأخف الحدود ، قال : فجلد عمر ثمانين } .

وفي الموطأ أن عمر استشار في الخمر يشربها الرجل . فقال له علي بن أبي طالب رضي الله عنه : نرى أن تجلده ثمانين ، فإنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذى ، وإذا هذى افترى ، وعلى المفتري ثمانون .

وعن مالك رواه الشافعي ولا مانع من كون كل من علي وعبد الرحمن بن عوف أشار بذلك فروى الحديث مرة مقتصرا على هذا ومرة على هذا .

وأخرج الحاكم في المستدرك عن ابن عباس { أن الشرب كانوا يضربون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأيدي والنعال والعصي حتى توفي ، فكان أبو بكر يجلدهم أربعين حتى توفي إلى أن قال : فقال عمر ماذا ترون ؟ فقال علي رضي الله عنه : إذا شرب } إلخ . وروى مسلم عن أنس قال { أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب الخمر فضربه بجريدتين نحو الأربعين ، وفعله أبو بكر ، فلما كان عمر استشار فقال عبد الرحمن بن عوف : أخف الحدود ثمانون فأمر به عمر } فيمكن بجريدتين متعاقبتين بأن انكسرت واحدة فأخذت أخرى وإلا فهي ثمانون ، ويكون مما رأى عليه الصلاة والسلام في ذلك الرجل . وقول الراوي بعد ذلك : فلما كان عمر استشار إلخ لا ينافي ذلك ، فإن حاصله أنه استشارهم فوقع اختيارهم على تقدير الثمانين التي انتهى إليها فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلا أن قوله وفعله أبو بكر يبعده ، وإلا لزم أن أبا بكر جلد ثمانين ، وما تقدم مما يفيد أن عمر هو الذي جلد الثمانين ، بخلاف أبي بكر والله أعلم .

وقد أخرج البخاري ومسلم عن علي رضي الله عنه أنه قال : ما كنت أقيم على أحد حدا فيموت فيه فأجد منه في نفسي إلا صاحب الخمر ، فإنه إن مات وديته لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسنه ، والمراد لم يسن فيه عددا معينا ، وإلا فمعلوم قطعا أنه أمر بضربه .

فهذه الأحاديث تفيد أنه لم يكن مقدرا في زمنه عليه الصلاة والسلام بعدد معين ، ثم قدره أبو بكر وعمر بأربعين ، ثم اتفقوا على ثمانين ، وإنما جاز لهم أن يجمعوا على تعينه ، والحكم المعلوم منه عليه الصلاة والسلام عدم تعينه لعلمهم بأنه عليه الصلاة والسلام انتهى إلى هذه الغاية في ذلك الرجل لزيادة فساد فيه ، ثم رأوا أهل الزمان تغيروا إلى نحوه أو أكثر على ما تقدم من قول السائب : حتى إذا عتوا وفسقوا وعلموا أن الزمان كلما تأخر كان فساد أهله أكثر [ ص: 311 ] فكان ما أجمعوا عليه هو ما كان حكمه عليه الصلاة والسلام في أمثالهم . وأما ما روي من جلد علي أربعين بعد عمر فلم يصح . وذلك ما في السنن من حديث معاوية بن حصين بن المنذر الرقاشي قال : { شهدت عثمان بن عفان رضي الله عنه وقد أتي بالوليد بن عقبة فشهد عليه حمران ورجل آخر فشهد أنه رآه يشربها وشهد الآخر أنه رآه يتقيؤها ، فقال عثمان : إنه لم يتقيأها حتى شربها ، فقال لعلي : أقم عليه الحد ، فقال علي للحسن : أقم عليه الحد ، فقال : ول حارها من تولى قارها ، فقال : علي لعبد الله بن جعفر : أقم عليه الحد ، فأخذ السوط وجلده وعلي يعد إلى أن بلغ أربعين ، قال : حسبك ، جلد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين وجلد أبو بكر أربعين وجلد عمر ثمانين ، وكل سنة ، وهذا أحب إلي } .

( قوله يفرق الضرب على بدنه كما في حد الزنا ) ونقل من قول ابن مسعود رضي الله عنه للضارب أعط كل ذي عضو حقه : يعني ما خلا الوجه والرأس والفرج ، وعند أبي يوسف يضرب الرأس أيضا وتقدم ( قوله ثم يجرد في المشهور من الرواية : وعن محمد أنه لا يجرد إظهارا للتخفيف لأنه لم يرد به نص . وجه المشهور أنا أظهرنا ) أي الشرع أظهر ( التخفيف مرة ) بنقصان العدد ( فلا يعتبر ثانيا ) بعدم التجريد وإلا قارب المقصود من الانزجار الفوات ، وتقدم له مثله في الطهارة حيث قال في جواب تخفيفهما الروث والخثى للضرورة . قلنا الضرورة قد أثرت في النعال مرة فتكفي مؤنتها : أي فلا تخفف مرة أخرى ، وله ضده في الصلاة حيث قال في تخفيف القراءة للمسافر ، ولأن السفر قد أثر في إسقاط شطر الصلاة فلأن يؤثر في تخفيف القراءة أولى . وتقدم هناك الجمع بينه وبين ما في الطهارة أن لا ملازمة بين نفي التخفيف ثانيا ووجوده أولا من حيث هو وجوده ، والمعول عليه في كل موضع الدليل وعدمه .

( قوله وإن كان عبدا فحده أربعون على ما عرف ) من أن الرق مؤثر في تنصيف النعمة والعقوبة ، فإذا قلنا إن حد الحر ثمانون قلنا إن حد العبد أربعون ، ومن قال حد الحر أربعون قال حد العبد عشرون

التالي السابق


الخدمات العلمية