صفحة جزء
[ ص: 321 ] ( ومن قال لغيره في غضب لست بابن فلان لأبيه الذي يدعى له يحد ، ولو قال في غير غضب لا يحد ) لأن عند الغضب يراد به حقيقته سبا له ، وفي غيره يراد به المعاتبة بنفي مشابهته أباه في أسباب المروءة ( ولو قال لست بابن فلان يعني جده لم يحد ) لأنه صادق في كلامه ، ولو نسبه إلى جده لا يحد أيضا لأنه قد ينسب إليه مجازا .


( قوله ومن قال لغيره في غضب لست بابن فلان لأبيه الذي يدعى إليه يحد ، ولو قال في غير غضب لا يحد لأن عند الغضب يراد به حقيقته ) أي حقيقة نفيه عن أبيه لأنه حالة سب وشتم ، وفي غيره يراد به المعاتبة على عدم تشبهه به في محاسن أخلاقه . ولا يخفى أن في حالة الغضب ليس نسبة أمه إلى الزنا أمرا لازما لجواز نفيه عنه . والقصد إلى إثباته من غيره لشبهة أو نكاح فاسد كالتي قبلها ، فثبوت الحد به بمعونة قرائن الأحوال ، وهذا لا يثبت القذف بصريح الزنا . وكذا ذكر في المبسوط أن في الأول الحد استحسانا بأثر ابن مسعود ، وهو ما ذكره الحاكم في الكافي من قول محمد : بلغنا عن عبد الله بن مسعود أنه قال : لا حد إلا في قذف محصنة أو نفي رجل عن أبيه . ثم حملوا الأثر على النفي حالة الغضب ، وحكموا بأنه حالة عدمه لم ينفه عن أبيه بدلالة الحال فليس هذا من التخصيص في شيء إذ ليس قذفا ، وإنما يكون تخصيصا لو كان قذفا أخرج من حكم القذف . ولو قال لست بابن فلان ولا ابن فلانة لا يحد مطلقا لأن حده في قوله لست ابن فلان في حالة الغضب مقتصرا عليه باعتبار أنه قذف أمه ، وإذا نفى نسبه عن أمه فقد نفى ولادتها إياه فقد نفى زناها به فكيف يحد . هذا ، وأما إذا قال يا ولد الزنا أو يا ابن الزنا فلا يتأتى فيه تفصيل بل يحد ألبتة ، بخلاف ما لو قال يا ابن القحبة فإنه يعزر ، ولو قال لامرأته يا حليلة فلان لا يحد ولا يعزر .

( قوله ولو قال لست بابن فلان يريد بفلان جده لا يحد لأنه صادق في كلامه ) وكذا لو قال أنت ابن فلان : يعني جده هو صادق لأنه قد ينسب إلى الجد مجازا متعارفا [ ص: 322 ] وفي بعض أصحابنا ابن أمير الحاج وأمير الحاج جده ، وكذا لو قال أنت ابن فلان لعمه أو خاله أو زوج أمه لا يحد لأن كلا منهما أطلق عليه اسم الأب كما سيأتي . واعلم أن قوله لست ابن فلان لأبيه المعروف له معنى مجازي هو نفي المشابهة ومعنى حقيقي هو نفي كونه من مائه مع زنا الأم به أو عدم زناها بل بشبهة ، فهي ثلاثة معان : يمكن إرادة كل منها على الخصوص ، وقد حكموا بتحكيم الغضب وعدمه ، فمعه يراد نفي كونه من مائه مع زنا الأم به ، ومع عدمه يراد المجازي .

وقوله لست ابن فلان لجده له معنى مجازي هو نفي مشابهته لجده ، ومعنيان حقيقيان أحدهما نفي كونه مخلوقا من مائه والآخر نفي كونه أبا أعلى له ، وهذا يصدق بصورتين : نفي كون أبيه خلق من مائه بل زنت جدته به ، أو جاءت به بشبهة ، وكل هذه المعاني يصح إرادة كل منها ، وقد حكم بتعيين الغضب : أحدها بعينه في الأول وهو كونه ليس من مائه مع زنا الأم به ، إذ لا معنى لأن يخبره في السباب بأن أمه جاءت به بغير زنا بل بشبهة ، فيجب أن يحكم أيضا بتعيين الغضب في المعنى الثاني الذي هو نفي نسب أبيه عنه وقذف جدته به ، فإنه لا معنى لإخباره في حالة الغضب بأن لم تخلق من ماء جدك ، وهو مع سماجته أبعد في الإرادة من أن يراد نفي أبوته لأبيه ، لأن هذا كقولنا السماء فوق الأرض ، ولا مخلص إلا أن يكون فيها إجماع على نفي الحد بلا تفصيل ، كما أن في تلك إجماعا على ثبوته بالتفصيل .

ولو قال له أنت ابن فلان لغير هؤلاء حد مع أنه ليس بقذف صريح لجواز كونه ابنه شرعا بلا زنا على ما قلنا ، فإنما هو استحسان بمعنى حديث ابن مسعود ، وهذه الصور ستأتي في الكتاب لكنها هنا أنسب

التالي السابق


الخدمات العلمية