صفحة جزء
[ ص: 324 ] ( وإذا كان المقذوف محصنا جاز لابنه الكافر والعبد أن يطالب بالحد ) خلافا لزفر . هو يقول : القذف يتناوله معنى لرجوع العار إليه ، وليس طريقه الإرث عندنا فصار كما إذا كان متناولا له صورة ومعنى . ولنا أنه عيره بقذف محصن فيأخذه بالحد ، وهذا لأن الإحصان في الذي ينسب إلى الزنا شرط ليقع تعييرا على الكمال ثم يرجع هذا [ ص: 325 ] التعيير الكامل إلى ولده ، والكفر لا ينافي أهلية الاستحقاق ، بخلاف إذا تناول القذف نفسه لأنه لم يوجد التعيير على الكمال لفقد الإحصان في المنسوب إلى الزنا ( وليس للعبد أن يطالب مولاه بقذف أمه الحرة ، ولا للابن أن يطالب أباه بقذف أمه الحرة المسلمة ) لأن المولى لا يعاقب بسبب عبده ، وكذا الأب بسبب ابنه ، ولهذا لا يقاد الوالد بولده ولا السيد بعبده ، ولو كان لها ابن من غيره له أن يطالب لتحقق السبب وانعدام المانع .


( قوله وإذا كان المقذوف محصنا جاز لابنه الكافر ولابنه العبد أن يطالب بالحد خلافا لزفر ) ولكل من قال طريقه للإرث : يعني إذا كان المقذوف ميتا بأن وقع بعد موت المقذوف لأنه لا يورث ولا يطالب به الابن في حال حياة المقذوف ( هو يقول القذف تناول الابن معنى لا صورة لرجوع العار إليه ) وليس الحد الآن والمطالبة به لأجل أمه إذ ليس طريقه الإرث عندنا .

وإذا تناوله معنى فغاية أمره أن يجعل كأنه تناوله صورة ومعنى بأن يكون هو المقصود بالقذف ، ولو كان كذلك لم يكن له المطالبة لعدم إحصانه ، فكذا إذا كان مقذوفا معنى فقط ( ولنا أنه ) أي القاذف ( عيره بقذف محصن ) هو أمه أو أبوه ( فيأخذه بالحد ، وهذا لأن الإحصان في ) المقذوف قصدا وهو ( الذي ينسب إلى الزنا شرط ليقع تعييرا على الكمال ) لأنه لا يقع تعييرا كاملا إلا إذا كان محصنا ( ثم يرجع هذا [ ص: 325 ] التعيير الكامل إلى ولده ) فيثبت له حق المطالبة على طريق الأصالة للشين الذي لحقه لا للخلافة ، ثم يترتب على المطالبة إقامة الحد حقا لله تعالى ( والكفر لا ينافي أهلية استحقاق المطالبة بخلاف ما إذا قذفه نفسه ) لعدم إحصانه فلم يقع التعيير إذ لم يكن محصنا على الكمال .

والحاصل أن السبب للتعيير الكامل وهو بإحصان المقذوف فإن كان حيا كانت المطالبة له أو ميتا طالب به أصله أو فرعه ، وإن لم يكن محصنا لم يتحقق التعيير الكامل في حقه .

( قوله وليس للعبد أن يطالب مولاه بقذف أمه الحرة ) أي التي قذفها في حال موتها ( ولا للابن أن يطالب أباه ) وإن علا ( بقذف أمه الحرة المسلمة ) التي قذفها في حال موتها بأن قال رجل لعبده يا ابن الزانية وأمه ميتة حرة ، أو قال لابنه أو لابن ابنه وإن سفل بعد وفاة أمه يا ابن الزانية ، وهو قول الشافعي وأحمد ورواية عن مالك ، والمشهور عنه أن للابن أن يطالب أباه بقذف أمه وهو قول أبي ثور وابن المنذر لإطلاق آية { فاجلدوهم } ولأنه حد هو حق الله فلا يمنع من إقامته قرابة الولاد .

وقال مالك : إذا حد الأب سقطت عدالة الابن لمباشرته سبب عقوبة أبيه مع قوله تعالى { فلا تقل لهما أف } والجواب أن الإطلاق أو العموم مخرج منه الولد على سبيل المعارضة بقوله تعالى { فلا تقل لهما أف } والمانع مقدم ( ولهذا لا يقاد الوالد بولده ) ولا يقطع بسرقته فانتقضت عليه الحد بالإجماع على عدم القطع وصار الأصل لنا عموم الآية ، أعني قوله تعالى { فلا تقل لهما أف } وقوله عليه الصلاة والسلام { لا يقاد الوالد بولده ، ولا السيد بعبده } وأما الإجماع على عدم القطع فلشبهة الملك للأب في المسروق فلا يرد على مالك . نعم دلالة الإجماع على كونه لا يقاد به لازمة ، فإن إهدار جنايته على نفس الولد توجب إهدارها في عرضه بطريق أولى مع أن القصاص متيقن بسببه والمغلب فيه حق العبد ، بخلاف حد القذف فيهما ، ولضعف الاستدلال بعدم القطع بسبب مال الابن اقتصر المصنف على قوله ولهذا لا يقاد الوالد بولده . وقول المصنف ( لأن المولى لا يعاقب بسبب عبده ) استدلال على عدم اعتبار مطالبة العبد لسيده بقذف أمه ، قيل لأن حق عبده حقه فلا يجوز أن يعاقب بسبب حق نفسه ( قوله ولو كان لها ) أي لزوجته الميتة التي قال لولدها بعد موتها يا ابن الزانية ( ولد آخر من غيره كان له حق المطالبة ) بإجماع الأئمة الأربعة لأن لكل منهما حق الخصومة وظهر في حق أحدهما [ ص: 326 ] مانع دون الآخر فيعمل المقتضي عمله في الآخر ، ولذا لو كان جماعة يستحقون المطالبة فعفا أحدهم كان للآخر المطالبة به ، بخلاف عفو أحد مستحقي القصاص بمنع استيفاء الآخر لأن القصاص حق واحد للميت موروث للوارثين ، فبإسقاط أحدهما بالعفو لا يتصور بقاؤه لأن القتل الواحد لا يتصور تجزيه ، أما هنا فالحق في الحد لله تعالى ولكل ولاية المطالبة به فلا يبطل بإسقاط أحدهما .

[ فرع ]

يجوز التوكيل بإثبات الحدود من الغائب في قول أبي حنيفة ومحمد خلافا لأبي يوسف ، وكذا في القصاص لأن خصومة الوكيل تقوم مقام خصومة الموكل ، وشرط الحد لا يثبت بمثله ، والإجماع أنه لا يصح باستيفاء الحد والقصاص لأنها عقوبة تندرئ بالشبهات ، ولو استوفاه الوكيل مع غيبة الموكل كان مع احتمال أنه عفا أو أن المقذوف قد صدق القاذف أو أكذب شهوده ، ولا يخفى قصور التعليل الأول لأن حقيقة العفو بعد ثبوت السبب لا يسقط الحد فمع احتماله أولى

التالي السابق


الخدمات العلمية