صفحة جزء
[ ص: 384 ] وقال ( والحرز على نوعين حرز لمعنى فيه كالبيوت والدور . وحرز بالحافظ ) قال العبد الضعيف : الحرز لا بد منه لأن الاستسرار لا يتحقق دونه ، ثم هو قد يكون بالمكان وهو المكان المعد لإحراز الأمتعة كالدور والبيوت والصندوق والحانوت ، وقد يكون بالحافظ كمن جلس في الطريق أو في المسجد وعنده متاعه فهو محرز به ، وقد { قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم من سرق رداء صفوان من تحت رأسه وهو نائم في المسجد } ( وفي المحرز بالمكان لا يعتبر [ ص: 385 ] الإحراز بالحافظ هو الصحيح ) لأنه محرز بدونه وهو البيت وإن لم يكن له باب أو كان وهو مفتوح حتى يقطع السارق منه ، لأن البناء لقصد الإحراز إلا أنه لا يجب القطع إلا بالإخراج منه لقيام يده فيه قبله . بخلاف المحرز بالحافظ حيث يجب القطع فيه ، كما أخذ لزوال يد المالك بمجرد الأخذ فتتم السرقة ، ولا فرق بين أن يكون الحافظ مستيقظا أو نائما والمتاع تحته أو عنده هو الصحيح لأنه لم يعد النائم عند متاعه حافظا له في العادة . [ ص: 386 ] وعلى هذا لا يضمن المودع والمستعير بمثله لأنه ليس بتضييع ، بخلاف ما اختاره في الفتاوى . .


( قوله قال ) أي المصنف ( الحرز لا بد منه ) لوجوب القطع ( لأن الاستسرار لا يتحقق دونه ) لأنه إذا لم يكن له حافظ من بناء ونحوه أو إنسان متصد للحفظ يكون المال سائبا فلا يتحقق إخفاء الأخذ والدخول فلا تتحقق السرقة . وعلى هذا يكون قوله تعالى { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } بنفسه يوجب الحرز إذ لا تتصور السرقة دون الإخفاء ، ولا يتحقق الإخفاء دون الحافظ ، فيخفي الأخذ منه أو البناء فيخفي دخوله بيت غيره من الناس . والأحاديث الواردة بعد ذلك في اشتراطه كقوله صلى الله عليه وسلم { لا قطع في ثمر معلق ، ولا في حريسة الجبل ، فإذا آواه المراح أو الجرين فالقطع فيما بلغ ثمن المجن } ونحوه وارد على وفق الكتاب لا مبين مخصص ( ثم هو على نوعين : حرز ) بالمكان ( كالدور والبيوت ) والجدران والحوانيت للتجار وليست هي التي تسمى في عرف بلاد مصر الدكاكين والصناديق والخيام والخركاه وجميع ما أعد لحفظ الأمتعة ، وقد يكون بالحافظ وهو بدل عن الأماكن المبنية على ما ذكر في المحيط .

وذلك ( كمن جلس في الطريق ) أو في الصحراء ( أو في المسجد وعنده متاع فهو محرز به . وقد { قطع النبي صلى الله عليه وسلم من سرق رداء صفوان من تحت رأسه وهو نائم في المسجد } ) على ما رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه ومالك في الموطإ وأحمد في مسنده من غير وجه والحاكم ، وحكم صاحب التنقيح ابن عبد الهادي أنه حديث صحيح ، وله طرق كثيرة وألفاظ مختلفة ، وإن كان في بعضها انقطاع وفي بعضها من هو مضعف ، ولكن تعددت طرقه واتسع مجيئه اتساعا يوجب الحكم بصحته بلا شبهة . وفي طريق السنن { عن عبد الله بن صفوان عن أبيه أنه طاف بالبيت وصلى ثم لف رداء له من برد فوضعه تحت رأسه فنام . فأتاه لص فاستله من تحت رأسه . فأخذه فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن هذا سرق ردائي . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : أسرقت رداء هذا ؟ قال نعم ، قال : اذهبا به فاقطعا يده ، فقال صفوان : ما كنت أريد أن تقطع يده في ردائي ، قال : فلولا كان قبل أن تأتيني به }

زاد النسائي " فقطعه " وفي المستدرك : سماه خميصة ثمن ثلاثين درهما ( قوله وفي المحرز بالمكان لا يعتبر [ ص: 385 ] الإحراز بالحافظ هو الصحيح ) احتراز عما في العيون أن على قول أبي حنيفة يقطع السارق من الحمام في وقت الإذن : أي في وقت دخولها إذا كان ثمة حافظ . وقال أبو يوسف ومحمد : لا يقطع .

وبه أخذ أبو الليث والصدر الشهيد وفي الكافي : وعليه الفتوى وهو ظاهر المذهب . وجه الصحيح ( أنه محرز بدون الحافظ ) لأن المكان في نفسه صالح للإحراز وهو المنع من وصول يد غير صاحبه إلى ما فيه ، ويكون المال مع ذلك مختفيا ، وليس هذا مع الحافظ فهو فرع ، ولا اعتبار للفرع مع وجود الأصل فلا يعتبر وجوده معه ، فلذا كان الأصح أنه إذا دخل الحمام في وقت الإذن في دخولها وسرق منها ما عنده حافظ لا يقطع ، لأن الحمام في نفسه صالح لصيانة الأموال ، إلا أنه اختل الحرز للإذن في دخولها ولذا يقطع إذا سرق منها ليلا ، بخلاف المسجد فإنه ما وضع لإحراز الأموال فيقطع السارق بمال عنده من يحفظه فيه ، وقد قطع سارق رداء صفوان وكان نائما في المسجد . ولكون المكان هو الحرز الذي يقتصر النظر عليه قلنا يقطع السارق منه وإن لم يكن له باب أو له باب ولكنه مفتوح لأن البناء للإحراز ( إلا أنه لا يجب القطع إلا بالإخراج لقيام يد المالك قبل الإخراج ) من داره فلا يتحقق الأخذ إلا بإزالة يده وذلك بالإخراج من حرزه ( بخلاف المحرز بالحافظ فإنه يقطع كما أخذه لزوال يد المالك بمجرد الأخذ فتتم السرقة ) فيجب موجبها ( ولا فرق ) في وجوب القطع ( بين كون الحافظ ) في الطريق والصحراء والمسجد ( مستيقظا أو نائما والمتاع تحته ) أو تحت رأسه ( أو عنده ) وهو بحيث يراه ( لأنه يعد النائم عند متاعه ) وبحضرته كيفما نام مضطجعا أو لا ( حافظا له في العادة ) وقوله ( هو الصحيح ) احتراز عن قول بعضهم باشتراط كون المتاع تحت [ ص: 386 ] رأسه أو تحت جنبه .

وجه الصحيح ما ذكرنا ( ولهذا لا يضمن المودع والمستعير ) إذا حفظ الوديعة والعارية كذلك فسرقت ، ولو لم يكن ذلك حفظا لضمنا ( بخلاف ما اختاره في الفتاوى ) فإنه أوجب فيها الضمان على المودع والمستعير إذا نام مضطجعا ، ثم ما كان حرزا لنوع يكون حرزا لجميع الأنواع هو الصحيح كما ذكره الكرخي ، حتى لو سرق لؤلؤة من إصطبل أو حظيرة غنم يقطع ، بخلاف ما إذا سرق الغنم من المرعى فقد أطلق محمد عدم القطع فيه وفي الفرس والبقر ، وهو مقيد بما إذا لم يكن معها من يحفظها ، فإن كان قطع إذا لم يكن راعيا ، فإن كان الذي يحفظها الراعي ففي البقالي لا يقطع ، وهكذا في المنتقى عن أبي حنيفة . وأطلق خواهر زاده ثبوت القطع إذا كان معها حافظ . ويمكن التوفيق بأن الراعي لم يقصد لحفظها من السراق بخلاف غيره . ونقل الإسبيجابي عن بعض أصحابنا أن كل شيء يعتبر بحرز مثله فلا يقطع باللؤلؤة من الأماكن المذكورة والثياب النفيسة منها ، وهذا قول الشافعي .

التالي السابق


الخدمات العلمية