صفحة جزء
[ ص: 450 ] قال ( ولا بأس بإخراج النساء والمصاحف مع المسلمين إذا كانوا عسكرا عظيما يؤمن عليه ) لأن الغالب هو السلامة والغالب كالمتحقق ( ويكره إخراج ذلك في سرية لا يؤمن عليها ) لأن فيه تعريضهن على الضياع والفضيحة وتعريض المصاحف على الاستخفاف فإنهم يستخفون بها مغايظة للمسلمين ، وهو التأويل الصحيح لقوله عليه الصلاة والسلام { لا تسافروا بالقرآن في أرض العدو } ولو دخل مسلم إليهم بأمان لا بأس بأن يحمل معه المصحف إذا كانوا قوما يفون بالعهد لأن الظاهر عدم التعرض ، والعجائز يخرجن في العسكر العظيم لإقامة عمل يليق بهن كالطبخ والسقي والمداواة ، فأما الشواب فمقامهن في البيوت أدفع للفتنة [ ص: 451 ] ولا يباشرن القتال لأنه يستدل به على ضعف المسلمين إلا عند ضرورة ، ولا يستحب إخراجهن للمباضعة والخدمة ، فإن كانوا لا بد مخرجين فبالإماء دون الحرائر


( قوله : ولا بأس بإخراج النساء والمصاحف مع المسلمين إذا كانوا عسكرا عظيما يؤمن عليه ; لأن الغالب هو السلامة والغالب كالمتحقق ، ويكره إخراج ذلك في سرية لا يؤمن عليها ; لأن فيه تعريضهن على الضياع والفضيحة ، وتعريض المصاحف على الاستخفاف ) منهم لها .

قال المصنف ( وهو التأويل الصحيح لقوله عليه الصلاة والسلام { لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو } ) وهذا الحديث رواه الستة إلا الترمذي ، من حديث مالك عن نافع عن ابن عمر .

وقوله وهو التأويل الصحيح احتراز عما ذكر فخر الإسلام عن أبي الحسن القمي ، والصدر الشهيد عن الطحاوي أن ذلك إنما كان عند قلة المصاحف كي لا ينقطع عن أيدي الناس ، وأما اليوم فلا يكره . أما التأويل الصحيح فما ذكره المصنف وهو منقول عن مالك راوي الحديث ، فإن أبا داود وابن ماجه زادا بعد قوله { إلى أرض العدو } ، قال مالك : أرى ذلك مخافة أن يناله العدو . والحق أنها من قول النبي صلى الله عليه وسلم على ما أخرجه مسلم وابن ماجه عن الليث عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم { أنه كان ينهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو ويخاف أن يناله العدو } وأخرجه مسلم عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا تسافروا بالقرآن فإني لا آمن أن يناله العدو } وفي رواية لمسلم { فإني أخاف } فلذا حكم القرطبي والنووي بأنها من قول النبي صلى الله عليه وسلم وغلطا من زعم أنها من قول مالك ، وقد يكون مالك لم يسمعها فوافق تأويله أو شك في سماعه إياها . وفي فتاوى قاضي خان : قال أبو حنيفة : أقل السرية أربعمائة وأقل العسكر أربعة آلاف . وفي المبسوط : السرية عدد قليل يسيرون بالليل ويكمنون بالنهار انتهى .

وكأن المراد من شأنهم ذلك ، وإلا فقد لا يكمنون ، وكأنه مأخوذ من السرى ، وهو السير ليلا فكان الأولى أن يقال بعد قوله : يؤمن عليه ، ويكره إخراجه فيما ليس كذلك . فإن الانتقال من العسكر العظيم إلى السرية طفرة كبيرة ليست مناسبة ; والذي يؤمن عليه في توغله في دار الحرب ليس إلا العسكر العظيم . وينبغي كونه اثني عشر ألفا لما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال { لن يغلب اثنا عشر ألفا من قلة } وهو أكثر ما روى فيه هذا باعتباره أحوط ، وهذا ظاهر مذهبنا ، ومذهب الشافعي ومذهب مالك إطلاق المنع أخذا بإطلاق الحديث . قال القرطبي : لا فرق بين [ ص: 451 ] الجيش والسرايا عملا بإطلاق النص ، وهو وإن كان نيل العدو له في الجيش العظيم نادرا فنسيانه وسقوطه ليس بنادر ، وأنت علمت أن العلة المنصوصة لما كانت مخافة نيله فيناط بما هو مظنته فيخرج الجيش العظيم ، والنسيان والسقوط نادر مع الاهتمام والتشمر للحفظ الباعث عليه ، وذلك أن حمله لا يكون إلا ممن يخاف نسيان القرآن فيأخذه لتعاهده فيبعد ذلك منه وكتب الفقه أيضا كذلك ، ذكره في المحيط معزوا إلى السير الكبير فكتب الحديث أولى ، ثم الأولى في إخراج النساء العجائز للطب والمداواة والسقي دون الشواب ، ولو احتيج إلى المباضعة فالأولى إخراج الإماء دون الحرائر ( ولا يباشرن القتال لأنه يستدل به على ضعف المسلمين إلا عند الضرورة ) وقد { قاتلت أم سليم يوم خيبر وأقرها عليه الصلاة والسلام حيث قال لمقامها خير من مقام فلان وفلان } يعني بعض المنهزمين

التالي السابق


الخدمات العلمية