صفحة جزء
فصل قال : ( وإذا دخل الحربي إلينا مستأمنا لم يمكن أن يقيم في دارنا سنة ويقول له الإمام : إن أقمت تمام السنة وضعت عليك الجزية ) والأصل أن الحربي لا يمكن من إقامة دائمة في دارنا إلا بالاسترقاق أو الجزية ; لأنه يصير عينا لهم وعونا علينا فتلتحق المضرة بالمسلمين ، ويمكن من الإقامة اليسيرة ; لأن في منعها قطع الميرة والجلب وسد باب التجارة ، ففصلنا بينهما بسنة ; لأنها مدة تجب فيها الجزية فتكون الإقامة لمصلحة الجزية ، ثم إن رجع بعد مقالة الإمام قبل تمام السنة إلى وطنه فلا سبيل عليه ، وإذا مكث سنة فهو ذمي ; لأنه لما أقام سنة بعد تقدم الإمام إليه صار ملتزما الجزية فيصير ذميا ، وللإمام أن يؤقت في ذلك ما دون السنة كالشهر والشهرين ( وإذا أقامها بعد مقالة الإمام يصير ذميا ) [ ص: 23 ] لما قلنا ( ثم لا يترك أن يرجع إلى دار الحرب ) ; لأن عقد الذمة لا ينقض ، كيف وأن فيه قطع الجزية وجعل ولده حربا علينا وفيه مضرة بالمسلمين .


( فصل ) ( قوله : وإذا دخل الحربي إلينا مستأمنا لم يمكن أن يقيم في دارنا سنة ) ثم يرجع ( بل يقول له الإمام إن أقمت تمام السنة وضعت عليك الجزية . وأصل هذا أن الحربي لا يمكن من إقامة دائمة في دارنا إلا بالاسترقاق أو بالجزية ; لأنه يصير عينا لهم ) أي جاسوسا ( وعونا علينا فتلتحق المضرة بالمسلمين ويمكن من الإقامة اليسيرة ; لأن في منعها قطع الميرة والجلب ) وهو ما يجلب من حيوان وغيره ( ففصلنا بين الدائمة واليسيرة بسنة ; لأنها مدة تجب فيها الجزية ، فإن رجع قبلها فلا سبيل عليه ، وإن أقامها بعد تقدم الإمام إليه ) أي قوله : له ما يعتمده في ضرب الجزية عليه صار [ ص: 23 ] ذميا ( فلا يمكن بعدها من العود إلى داره ) ; لأن عقد الذمة لا ينقض إذ فيه قطع الجزية ( وتصييره وولده حربا علينا وفيه مضرة بالمسلمين ) ولا يؤخذ منه جزية للسنة التي أقامها إلا إن قال له : إن أقمتها أخذت منك الجزية .

وقوله بعد تقدم الإمام يفيد اشتراط تقدم الإمام إليه في منعه من العود إذا أقام سنة ، وبه صرح العتابي فقال : ( لو أقام سنين من غير أن يتقدم إليه الإمام فله الرجوع ) . قيل : ولفظ المبسوط يدل على أن تقدم الإمام ليس شرطا لصيرورته ذميا ، فإنه قال : ينبغي للإمام أن يتقدم إليه فيأمره إلى أن قال : وإن لم يقدر له مدة فالمعتبر الحول وليس بلازم ; لأنه يصدق بقوله إن أقمت طويلا منعتك من العود ، فإن أقام سنة منعه ، وفي هذا اشتراط التقدم غير أنه لم يوقت له مدة خاصة ، والوجه أن لا يمنعه حتى يتقدم إليه ولا أن يوقت مدة قليلة كالشهر والشهرين ، ولا ينبغي أن يلحقه عسرا بتقصير المدة جدا خصوصا إذا كان له معاملات يحتاج في اقتضائها إلى مدة مديدة .

[ فروع ] لو مات المستأمن في دار الإسلام عن مال وورثته في دار الحرب وقف ماله لورثته ، فإذا قدموا فلا بد أن يقيموا البينة على ذلك فيأخذوا ، فإن أقاموا بينة من أهل الذمة قبلت استحسانا ; لأنهم لا يمكنهم إقامتها من المسلمين ; لأن أنسابهم في دار الحرب لا يعرفها المسلمون فصار كشهادة النساء فيما لا يطلع عليه الرجال ، فإذا قالوا : لا نعلم له وارثا غيرهم دفع إليهم المال ، وأخذ منهم كفيلا لما يظهر في المآل من ذلك . قيل : هو قولهما لا قول أبي حنيفة كما في المسلمين . وقيل بل هو قولهم جميعا ، ولا يقبل كتاب ملكهم ولو ثبت أنه كتابه ، وإذا رجع إلى دار الحرب لا يمكن أن يرجع معه بسلاح اشتراه من دار الإسلام بل بالذي دخل به ، فإن باع سيفه واشترى به قوسا أو نشابا أو رمحا لا يمكن منه ، وكذا لو اشترى سيفا أحسن منه ، فإن كان مثل الأول أو دونه مكن منه ، ومن وجد في دارنا بلا أمان فهو وما معه فيء ، فإن قال : دخلت بأمان لم يصدق وأخذ ، ولو قال : أنا رسول ، فإن وجد معه كتاب يعرف أنه كتاب ملكهم بعلامة تعرف بذلك كان آمنا فإن الرسول لا يحتاج إلى أمان خاص بل بكونه رسولا يأمن ، وإن لم يعرف فهو زور فيكون هو وما معه فيئا ، وإذا دخل دار الإسلام بلا أمان فأخذه واحد من المسلمين لا يختص به عند أبي حنيفة بل يكون فيئا لجماعة المسلمين ، وهو رواية بشر عن أبي يوسف ، وظاهر قول أبي يوسف وهو قول محمد يختص به ، ولو دخل الحرم قبل أن يؤخذ فعند أبي حنيفة يؤخذ ويكون فيئا للمسلمين ، وعلى قولهما لا ولكن لا يطعم ولا يسقى ولا يؤذى حتى يخرج .

التالي السابق


الخدمات العلمية