صفحة جزء
[ ص: 33 ] ( وكل أرض فتحت عنوة فأقر أهلها عليها فهي أرض خراج ) وكذا إذا صالحهم ; لأن الحاجة إلى ابتداء التوظيف على الكافر والخراج أليق به ، ومكة مخصوصة من هذا ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحها عنوة وتركها لأهلها ، ولم يوظف الخراج ( وفي الجامع الصغير كل أرض فتحت عنوة فوصل إليها ماء الأنهار فهي أرض خراج ، وما لم يصل إليها ماء الأنهار واستخرج منها عين فهي أرض عشر ) ; لأن العشر يتعلق بالأرض النامية ، ونماؤها بمائها فيعتبر السقي بماء العشر أو بماء الخراج .


( وكل أرض فتحت عنوة ، وأقر أهلها عليها فهي أرض خراج ، وكذا إذا صالحهم ; لأن الحاجة إلى ابتداء التوظيف على الكافر والخراج أليق به ) ; لأن فيه معنى العقوبة للتعلق بالتمكن من الزراعة ، وإن لم يزرع ، وفيه نظر نذكره في آخر الفصل إن شاء الله تعالى . ( ومكة مخصوصة من هذا ) العموم ( فإنها فتحت عنوة ) على ما أسلفناه في باب الغنائم وقسمتها بما لا يشك معه أنها فتحت عنوة ( ولم يوظف عليها خراجا ) ولنخص هذا المكان بحديث زيادة على ما في باب الغنائم . أخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه ذكر فتح مكة فقال { أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل مكة ، فبعث الزبير رضي الله عنه إلى إحدى المجبنتين وبعث خالد بن الوليد على المجبنة الأخرى وبعث أبا عبيدة على الجسر ، وأخذوا من بطن الوادي ورسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبة ، قال : فنظر إلي وقال : يا أبا هريرة قلت لبيك يا رسول الله ، قال : اهتف لي بالأنصار فلا يأتيني إلا أنصاري ، فهتف بهم فجاءوا فأطافوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ووبشت قريش أوباشها ، فقال لهم : ألا ترون إلى أوباش قريش ، وأتباعهم ، ثم قال بيده فضرب بإحداهما على الأخرى وقال : احصدوهم حصدا حتى توافوني على الصفا ، قال أبو هريرة : فانطلقنا فما شاء أحد منا أن يقتل من شاء منهم إلا قتله } الحديث بطوله ، فاضمم هذا إلى ما هناك .

وقد ذكر القتبي ما فتح عنوة وصلحا من البلاد فذكر أن الأهواز وفارس ، وأصبهان فتحت عنوة لعمر رضي الله عنه على يدي أبي موسى وعثمان بن أبي العاص وعتبة بن غزوان ، وكانت أصبهان على يدي أبي موسى خاصة ، وأما خراسان ومرو الروذ فتحتا صلحا في خلافة عثمان إلى يدي عبد الله بن عامر بن كريز ، وأما ما وراءهما فافتتح بعد عثمان على يد سعيد بن عثمان بن عفان لمعاوية صلحا وسمرقند وكش ونسف وبخارى بعد ذلك على يدي المهلب بن أبي صفرة وقتيبة بن مسلم . وأما الري فافتتحها أبو موسى في خلافة عثمان صلحا ، وفي ولايته فتحت طبرستان على يدي سعيد بن العاص صلحا ، ثم فتحها عمرو بن العلاء والطالقان ودنباوند سنة سبع وخمسين ومائة . وأما جرجان ففي خلافة سليمان بن عبد الملك سنة ثمان وتسعين ، وكرمان وسجستان فتحهما عبد الله بن عامر في خلافة عثمان صلحا . وافتتح الجبل كله عنوة في وقعة جلولاء ، ونهاوند على يدي سعد والنعمان بن مقرن .

وأما الجزيرة ففتحت صلحا على يدي عياض بن غنم والجزيرة ما بين الفرات ودجلة والموصل من الجزيرة ، وأما هجر فأدوا الجزية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكذا دومة الجندل ، وأما اليمامة فافتتحها أبو بكر رضي الله عنه . وأما الهند فافتتحها القاسم بن محمد الثقفي سنة ثلاث وتسعين .

( قوله : وفي الجامع الصغير كل أرض فتحت عنوة فوصل إليها ماء الأنهار إلخ ) قد علم من عادة المصنف أنه إذا وقعت مخالفة بين ما في القدوري والجامع أو زيادة في الجامع يقول بعد لفظ [ ص: 34 ] القدوري في الجامع الصغير إلى آخره ، وهنا المخالفة ظاهرة ; فإن قول القدوري : كل أرض فتحت عنوة فأقر أهلها عليها فهي أرض خراج مطلق ، فهو أعم من أن يصل إليها ماء الأنهار أو لا يصل بأن استنبط فيها عين ، ولفظ الجامع قيد خراجيتها بأن يصل إليها ماء الأنهار ، ونحن نقطع أن الأرض التي أقر أهلها عليها لو كانت تسقى بعين أو بماء السماء لم تكن إلا خراجية ; لأن أهلها كفار . والكفار لو انتقلت إليهم أرض عشرية ومعلوم أن العشرية قد تسقى بعين أو بماء السماء لا تبقى على العشرية بل تصير خراجية في قول أبي حنيفة وأبي يوسف خلافا لمحمد ، فكيف يبتدأ الكافر بتوظيف العشر ، ثم كونها عشرية عند محمد إذا انتقلت إليه كذلك ، أما في الابتداء فهو أيضا يمنعه ، والعبارة التي نقلها عن الجامع في غاية البيان ليست كما في الهداية . فإنه قال : ولفظ الجامع الصغير : محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة قال : كل أرض فتحت عنوة بالقتال فصارت أرض خراج ، وكل شيء يصل إليها ماء الأنهار فهي أرض خراج ، وكل شيء لم يصل إليها ماء الأنهار فاستخرج فيه عين فهي أرض عشر والأراضي التي أسلم أهلها عليها فهي أرض عشر . فقوله : وكل شيء يصل إليها ماء الأنهار فهي أرض خراج عطف على كل أرض فتحت عنوة ، والعطف يوجب المغايرة فيصير المعنى : وكل أرض فتحت عنوة صارت أرض خراج ، وكل أرض لم تفتح عنوة ووصفها أنها يصل إليها ماء الأنهار فهي أرض خراج .

وحاصله تقسيم أرض الخراج إلى ما يفتح عنوة ، وإلى ما لم يفتح عنوة لكنها تسقى بماء الأنهار . نعم يجب تقييد الأول بأن يقر أهلها عليها بالضرورة ، وكأن هذا معلوم ، إذ لا يبتدئ المسلم في أول الفتح قط بتوظيف الخراج في الأراضي المقسومة كما يجب تقييد الأنهار فإنها لا تكون خراجية ما لم تكن حولها الأنهار العظام كالنيل والفرات .

والحاصل أن التي فتحت عنوة إن أقر الكفار عليها لا يوظف عليهم إلا الخراج ، ولو سقيت بماء المطر ، وإن قسمت بين المسلمين لا يوظف إلى العشر ، وإن سقيت بماء الأنهار ، وإن كان كذلك فبالضرورة يراد الأرض التي أحياها محي ، فإن التي فتحت عنوة مما يبتدأ فيها التوظيف غير المقسومة ، والمقرر أهلها عليها ليس إلا الموات التي أحييت ، ويصير المعنى كل أرض فتحت عنوة صارت أرض خراج إذا أقام أهلها عليها ، وكل أرض لم تفتح عنوة بل أحياها مسلم إن كان صفتها أنها يصل إليها ماء الأنهار فهي خراجية أو ماء عين ونحوه فعشرية ، وهذا قول محمد ، وهو قول أبي حنيفة ، ولو شرحه هكذا استغنى به عن ذكر المسألة التي تليه فإنها هي . وحاصلها أن محمدا قال فيمن أحيا أرضا ميتة ببئر حفرها أو عين استخرجها أو ماء دجلة والفرات أو باقي الأنهار العظام التي لا يملكها أحد أو بالمطر فهي عشرية ، وإن أحياها بماء الأنهار التي شقتها الأعاجم مثل نهر الملك ونهر يزدجرد وهو ملك من العجم فهي خراجية ; لأن الاعتبار في مثله للماء ; لأنه السبب لنماء الأرض ; ولأنه لا يمكن توظيف الخراج على المسلم ابتداء كرها فيعتبر السقي ; لأن السقي بماء الخراج دلالة على التزامه فتصير خراجية عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية