صفحة جزء
( ولا جزية على امرأة ولا صبي ) لأنها وجبت بدلا عن القتل أو عن القتال وهما لا يقتلان ولا يقاتلان لعدم الأهلية . قال ( ولا زمن ولا أعمى ) وكذا المفلوج والشيخ الكبير [ ص: 51 ] لما بينا . وعن أبي يوسف أنه تجب إذا كان له مال لأنه يقتل في الجملة إذا كان له رأي ( ولا على فقير غير معتمل ) خلافا للشافعي . له إطلاق حديث معاذ رضي الله عنه . ولنا أن عثمان رضي الله عنه لم يوظفها على فقير غير معتمل وكان ذلك بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم ، ولأن خراج الأرض لا يوظف على أرض لا طاقة لها فكذا هذا الخرج ، والحديث محمول على المعتمل ( ولا توضع على المملوك والمكاتب والمدبر وأم الولد ) لأنه بدل عن القتل في حقهم وعن النصرة في حقنا ، وعلى اعتبار الثاني لا تجب فلا تجب بالشك ( ولا يؤدي عنهم مواليهم ) [ ص: 52 ] لأنهم تحملوا الزيادة بسببهم ( ولا توضع على الرهبان الذين لا يخالطون الناس ) كذا ذكر هاهنا . وذكر محمد عن أبي حنيفة أنه يوضع عليهم إن كانوا يقدرون على العمل ، وهو وقول أبي يوسف . وجه الوضع عليهم أن القدرة على العمل هو الذي ضيعها فصار كتعطيل الأرض الخراجية .

ووجه الوضع عنهم أنه لا قتل عليهم إذا كانوا لا يخالطون الناس ، والجزية في حقهم لإسقاط القتل ، ولا بد أن يكون المعتمل صحيحا ويكتفي بصحته في أكثر السنة .


( قوله ولا جزية على امرأة وصبي ) وكذا على مجنون بلا خلاف ; لأن الجزية بدل عن قتلهم على قول الشافعي ، أو عن قتالهم نصرة للمسلمين على قولنا ، وهؤلاء ليسوا كذلك ( ولا على أعمى أو زمن ولا المفلوج ) وعن الشافعي تؤخذ منهم لاعتبارها أجرة الدار ( ولا ) تؤخذ ( من الشيخ الكبير ) [ ص: 51 ] الذي لا قدرة له على قتال ولا كسب ( وعن أبي يوسف تؤخذ منه إذا كان له مال ; لأنه يقتل في الجملة إذا كان له رأي ) في الحرب .

وجه الظاهر أنه لا يقتل ولا يقاتل ، وهو المراد بقوله ( لما بينا ) والجزية بدل عنهما ويقال زمن الرجل كعلم يزمن زمانة ( قوله : ولا على فقير غير معتمل ) أي الذي لا يقدر على العمل وإن أحسن حرفة ، وعلى قول الشافعي عليه الجزية في ذمته . ( له إطلاق حديث معاذ رضي الله عنه ) وهو قوله عليه الصلاة والسلام { : خذ من كل حالم } ( ولنا أن عثمان لم يوظف الجزية على فقير غير معتمل ) أراد بعثمان هذا عثمان بن حنيف حين بعثه عمر رضي الله عنه .

وروى ابن زنجويه في كتاب الأموال : حدثنا الهيثم بن عدي عن عمر بن نافع قال : حدثني أبو بكر العبسي صلة بن زفر قال : أبصر عمر شيخا كبيرا من أهل الذمة يسأل ، فقال له ما لك ؟ قال : ليس لي مال ، وإن الجزية تؤخذ مني ، فقال له عمر : ما أنصفناك ، أكلنا شبيبتك ثم نأخذ منك الجزية ثم كتب إلى عماله أن لا يأخذوا الجزية من شيخ كبير ( ولأن خراج الأرض كما لا يوظف على أرض لا طاقة لها فكذا خراج الرأس ) بجامع عدم الطاقة ; لحكمة دفع الضرر الدنيوي ( والحديث محمول على المعتمل ) بالمعنى الذي ذكرنا وبتوظيف عمر المقترن بالإجماع جمعا بين الدليلين .

فإن قلت : ما تقدم من توظيف عمر ليس فيه المعتمل . قلنا : قد جاء في بعض طرقه وعلى الفقير المكتسب اثني عشر درهما أخرجه البيهقي . لا يقال : فنفيه عن غير المكتسب بالمفهوم المخالف ولا يقولون به ; لأنا نقول ليس ذلك بلازم بل جاز أن يضاف إلى الأصل وهو عدم التوظيف على من لم يذكر ، ثم إنما توظف على المعتمل إذا كان صحيحا في أكثر السنة ، وإلا فلا جزية عليه ; لأن الإنسان لا يخلو عن قليل مرض فلا يجعل القليل منه عذرا وهو ما نقص عن نصف العام .

( قوله : ولا توضع على المملوك والمكاتب والمدبر وأم الولد ; لأنه بدل عن القتل في حقهم وعن النصرة في حقنا ) وعلى الاعتبار الأول تجب ; لأن المملوك الحربي يقتل ( وعلى الاعتبار الثاني لا تجب ) ; لأن المملوك عاجز عن النصرة فامتنع الأصل في حقه فامتنع الخلف ; لأن شرطه انتفاء الأصل ، وإمكانه فدار بين الوجوب وعدمه ( فلا تجب بالشك ) والوجه أن يقال : إنها بدل عن القتل في حقهم وعن القتال في حقنا جميعا فلا يتحقق الثاني لما ذكرنا ، فلم يتحقق الموجب لانتفاء الكل بنفي الجزء ، وهذا لما نذكره فيما يلي هذه المسألة ، وإذا كان خلفا عن المجموع فلا يحسن قوله : فلا تجب بالشك بل لا تجب بلا شك ، ثم لا يخفى أنه ذكر أم الولد ليس على ما ينبغي فإن من المعلوم أن لا جزية على النساء ولعله ابن أم الولد فسقطت لفظة ابن . ( قوله : ولا يؤدي عنهم مواليهم ) يعني لما قلنا لا توضع عليهم جاز أن يقال إنها تؤخذ من مواليهم فيؤدون [ ص: 52 ] عنهم ، فأزال هذا الاحتمال بقوله ولا يؤدي عنهم مواليهم ( لأنهم تحملوا الزيادة ) في الجزية حتى لزمهم جزية الأغنياء ( بسببهم ) فلا يؤخذ منهم عنهم شيء آخر وإلا كانوا ملزمين بجزيتين ، ويقرر بوجه آخر وهم أنهم تحملوا الزيادة بسببهم فكانت الجزية عنه وعنهم معنى شرعا فلا يجب شيء آخر ، وهذا بناء على أن غنى الملاك بهم ; لأنهم مال ويجرون المال بالكسب . ( قوله : ولا توضع على الرهبان ) جمع راهب ، وقد يقال للواحد رهبان أيضا ، وشرط أن لا يخالط الناس ، ومن خالط منهم عليه الجزية .

( هكذا ذكر ) القدوري ( وذكر محمد عن أبي حنيفة أنه توضع عليهم إذا كانوا يقدرون على العمل ، وهو قول أبي يوسف . ووجه الوضع أنه الذي ضيع القدرة على العمل فصار كتعطيل أرض الخراج ) من الزراعة . ( ووجه وضع الجزية عنهم أنه لا قتل عليهم إذا كانوا لا يخالطون الناس والجزية في حقهم لإسقاط القتل ) ولا يخفى أن هذا أصل قول الشافعي على ما تقدم أنها عندنا بدل عن نصرتهم التي فاتت بالكفر وعنده بدل عن القتل ، فأفاد صحة هذا الاعتبار عندنا ولكنه ليس هو المعتبر فقط بل المجموع منه ومن كونه خلفا عن نصرتهم إيانا فمتى تخلف أحدهما انتفى وجوبها . وعن محمد لا جزية على السياحين . قيل يجوز أنه أراد من لا يقدر على العمل منهم فيكون اتفاقا ، ويجوز أن يقول هو من لا يخالط الناس ومن لا يخالط الناس لا يقتل .

التالي السابق


الخدمات العلمية