صفحة جزء
قال ( ويزول ملك المرتد عن أمواله بردته زوالا مراعى ، [ ص: 74 ] فإن أسلم عادت على حالها ، قالوا : هذا عند أبي حنيفة ، وعندهما لا يزول ملكه ) ; لأنه مكلف محتاج ، فإلى أن يقتل يبقى ملكه كالمحكوم عليه بالرجم والقصاص . وله أنه حربي مقهور تحت أيدينا حتى يقتل ، ولا قتل إلا بالحراب ، وهذا يوجب زوال ملكه ومالكيته ، غير أنه مدعو إلى الإسلام بالإجبار عليه ويرجى عوده إليه فتوقفنا في أمره ، فإن أسلم جعل العارض كأن لم يكن في حق هذا الحكم وصار كأن لم يزل مسلما ولم يعمل السبب ، وإن مات أو قتل على ردته أو لحق بدار الحرب وحكم بلحاقه استقر كفره فيعمل السبب عمله وزال ملكه .


( قوله : ويزول ملك المرتد عن أملاكه زوالا مراعى ) أي موقوفا غير بات في الحال [ ص: 74 ] فإن أسلم عادت أمواله على حالها ) الأول ( وإن مات أو قتل على ردته أو لحق بدار الحرب وحكم ) الحاكم ( بلحاقه استقر أمره فعمل السبب ) وهو كونه كافرا حربيا ( عمله ) مستندا إلى وقت الردة كالمشتري بشرط الخيار يثبت ملكه عند الإجازة مستندا إلى وقت البيع ، وجعله كخيار المجلس عند الشافعي يقتضي أنه ملك بات ثم يرتفع بالخيار شرعا كالرجوع في الهبة ، وبه صرح بعض الشارحين حين ورد عليه أن لا معنى للزوال المراعى والموقوف ; لأنه إما أن يزول أو لا فأجاب بأنه يزول ثم يعود بالإسلام وهذا ليس واقعا ، وإلا لم يستند إلى ما قبله كالملك الراجع بالرجوع ( قالوا ) أي المشايخ ( هذا عند أبي حنيفة رحمه الله وعندهما لا يزول ملكه ) والأصح من قول الشافعي مثل قوله ، وبه قال مالك وأحمد في رواية وقولهما قول آخر للشافعي .

وجهه ( أنه مكلف محتاج ) ولا يتمكن من إقامة التكليف إلا بماله ، وأثر الردة في إباحة دمه لا في زوال ملكه ، فإن لم يقتل يبقى ملكه وصار ( كالمحكوم عليه بالرجم والقصاص ) لا يزول ملكه ما لم يقتل ( ولأبي حنيفة أنه كافر حربي مقهور تحت أيدينا إلى أن يقتل ) والملك عبارة عن القدرة والاستيلاء على التصرف في المال ولا يكون ذلك إلا بالعصمة ، وكونه حربيا ( يوجب زوال ملكه ومالكيته ) ومقتضى هذا أن يزول في الحال على البتات ( إلا أنه مدعو إلى الإسلام ويرجى عوده إليه ) ; لأنه كان ممن دخله وعرف محاسنه وأنس به نسأل الله حفظه علينا إلى الجنة بمنه وكرمه فالغالب على الظن عوده إلى الإسلام . ( فتوقفنا في أمره ، فإن أسلم جعل العارض كأن لم يكن في حق هذا الحكم ) وهو زوال الملك ( وصار كأن لم يزل مسلما ولم يعمل السبب ) عمله ، وإن ثبت منه أحد ما قلنا عمل عمله من وقت وجوده ، ولا [ ص: 75 ] يخفى أن الحرابة لا توجب انتفاء الملك بل زوال العصمة ، فإن الحربي يملك غير أن مملوكه لا عصمة له ، فإذا استولي عليه زال ملكه ، فكون المرتد حربيا قصارى ما يقتضي زوال عصمة ماله ونفسه تبعا ، وهو لا ينفي قيام الملك في الحال فلا يوجب الحكم بالزوال مستندا ، ولهذا زاد قوله : مقهورا تحت أيدينا فيكون ماله مستولى عليه .

واعلم أن حقيقة المراد أن بالردة يزول ملكه زوالا باتا ، فإن استمر حتى مات حقيقة أو حكما باللحاق استمر بالزوال الثابت من وقت الردة ، وإن عاد عاد الملك وهما هربا من الحكم بالزوال ; لأن الساقط لا يعود ، فيقول أبو حنيفة : إن الردة لما اقتضت الزوال والإجماع على أنه إن عاد وماله قائم كان أحق به وجب أن يعمل بهما فيقول بالردة يزول ، ثم بالعود يعود شرعا ، هذا بعد اتفاقهما على عدم زوال ملكه . قال الشيخ أبو نصر البغدادي : إن أبا يوسف جعل تصرفه بمنزلة تصرف من وجب عليه القصاص فتصير تبرعاته من جميع المال ، وجعله محمد بمنزلة المريض فتعتبر من الثلث .

وجه قول محمد أنه في معرض التلف فهو أسوأ من المريض حالا ، وأبو يوسف يمنعه ويقول : المرتد متمكن من دفع الهلاك بالإسلام والمريض غير قادر عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية