صفحة جزء
[ ص: 75 ] قال ( وإن مات أو قتل على ردته انتقل ما اكتسبه في إسلامه إلى ورثته المسلمين ، وكان ما اكتسبه في حال ردته فيئا ) وهذا عند أبي حنيفة ( وقال أبو يوسف ومحمد : كلاهما لورثته ) وقال الشافعي : كلاهما فيء ; لأنه مات كافرا والمسلم لا يرث الكافر ، ثم هو مال حربي لا أمان له فيكون فيئا . ولهما أن ملكه في الكسبين بعد الردة باق على ما بيناه فينتقل بموته إلى ورثته ويستند إلى ما قبيل ردته إذ الردة سبب الموت فيكون توريث المسلم من المسلم . [ ص: 76 ] ولأبي حنيفة أنه يمكن الاستناد في كسب الإسلام لوجوده قبل الردة ، ولا يمكن الاستناد في كسب الردة لعدمه قبلها ومن شرطه وجوده ، ثم إنما يرثه من كان وارثا له حالة الردة وبقي وارثا إلى وقت موته في رواية عن أبي حنيفة اعتبارا للاستناد . وعنه أنه يرثه من كان وارثا له عند الردة ، ولا يبطل استحقاقه بموته بل يخلفه وارثه ; لأن الردة بمنزلة الموت . وعنه أنه يعتبر وجود الوارث عند الموت [ ص: 77 ] لأن الحادث بعد انعقاد السبب قبل تمامه كالحادث قبل انعقاده بمنزلة الولد الحادث من المبيع قبل القبض .


( قوله : وإن مات أو قتل على ردته أو حكم بلحاقه انتقل ما اكتسبه في إسلامه إلى ورثته المسلمين ، وكان ما اكتسبه في حال ردته فيئا ) لجماعة المسلمين يوضع في بيت المال ( وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله ، وقالا : كلا الكسبين لورثته . وقال الشافعي ) ومالك وأحمد : ( كلاهما فيء ; لأنه مات كافرا والمسلم لا يرث الكافر ) إجماعا ( فبقي مال حربي لا أمان له ) لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ( فيكون فيئا . ولهما أن ملكه في الكسبين بعد الردة باق على ما بيناه ) من أنه مكلف محتاج إلى آخره ( فينتقل بموته إلى ورثته ويستند إلى ما قبيل ردته إذ الردة سبب الموت فيكون توريث المسلم من المسلم ) وهذا لا ينتهض على الشافعي إلا إذا بينا علية الاستناد ، وهو أن يقال : إن أخذ المسلمين له إذا لم يكن له وارث بطريق الوراثة ، وهو يوجب الحكم باستناده شرعا إلى ما قبيل ردته وإلا كان توريث الكافر من المسلم ، ومحمل الحديث الكافر الأصلي الذي لم يسبق له إسلام .

أو نقول : استحقاق المسلمين له بسبب الإسلام والورثة ساووا المسلمين في ذلك وترجحوا بجهة القرابة فكانوا كقرابة ذات جهتين بالنسبة إلى قرابة ذات جهة كالأخ الشقيق مع الأخ لأب قال تعالى : { أو من [ ص: 76 ] كان ميتا فأحييناه } ( ولأبي حنيفة ) ما قالاه في وجه التوريث إلا ( أنه إنما يمكن في كسب الإسلام لوجوده قبل الردة ) وهي الموت فيستند الإرث إلى ما قبله . وقد قلت إن بمجرد ردته زال ملكه ، فما اكتسبه بعد الردة لا يقع مملوكا له ليمكن استناد التوريث فيه إلى ما قبيل موته الحكمي : أعني الردة ; لأنه إنما يورث ما هو مملوك للميت عند الموت فيظهر أن الاختلاف بينه وبينهما في توريث كسب الردة مبني على الحكم الخلافي المتقدم ، وهو أن المرتد تزول أملاكه بالردة المستمرة على ما حققناه عنده ، وعندهما لا يزول حتى يتحقق الموت الحقيقي أو الحكمي باللحاق ، وإذا كان كذلك فما اكتسبه في زمن الردة يكون مملوكا له ، ثم إذا تحقق الموت وقلنا بوجوب إرثهم إياه .

والفرض أن له مالا مملوكا فلا بد من إرثهم له وإرثهم يستدعي استناده إلى ما قبيل ردته فيلزم بالضرورة اعتبار ما اكتسبه في زمن الردة موجودا قبلها حكما لوجود سببه ، وهو نفس المرتد وإن كان معدوما حسا وقتئذ ، والله أعلم . ( قوله : ثم إنما يرثه من كان وارثا له حالة الردة ) بأن كان حرا مسلما ( وبقي كذلك إلى وقت موته ) أو لحاقه ( في رواية عن أبي حنيفة ) رواها عنه الحسن بن زياد ، وهذا لاعتبار الاستناد في الإرث ، فإن المستند لا بد أن يثبت أولا ثم يستند فيجب أن يصادف عند ثبوته من هو بصفة استحقاق الإرث وهو المسلم الحر وكذا عند استناده ، حتى لو أسلم بعض قرابته أو ولد من علوق حادث بعد الردة لا يرثه على هذه الرواية . ( وعنه أنه يرثه من كان وارثا عند الردة ) فقط من غير اشتراط بقائه بالصفة إلى الموت ، وهذه رواية عن أبي يوسف عنه ( فلا يبطل استحقاقه ) أي استحقاق من كان وارثا عند الردة بعروض موت ذلك الوارث أو ردته بعد ردة أبيه ( بل ) إذا مات أو ارتد ( يخلفه وارثه ) وهو وارث الوارث ، وعلى هذه الرواية عول الكرخي ; لأن الردة بمنزلة الموت فيعتبر وقتها لاستحقاق الميراث ( وعنه أنه يعتبر وجود الوارث عند الموت ) واللحاق وهي رواية محمد عنه .

قال في المبسوط : وهذا أصح [ ص: 77 ] لأن الحادث بعد انعقاد السبب قبل تمامه كالحادث قبل انعقاده ) ألا ترى أن الولد الذي يحدث من المبيع بعد البيع قبل القبض يجعل كالموجود عند ابتداء العقد في أنه يصير معقودا عليه ويكون له حصة من الثمن إلا أنها غير مضمونة . حتى لو هلك في يد البائع قبل القبض بغير فعل أحد هلك بغير شيء ، وبقي الثمن كله على البائع ، فلو كان من بحيث يرثه كافرا أو عبدا يوم ارتد فعتق بعد الردة قبل أن يموت أو يلحق أو أسلم ورثه ، وهو قول أبي يوسف ومحمد ، إلا أن الكرخي حكى بينهما خلافا في اللحاق ، فعند أبي يوسف يعتبر حال الوارث يوم الحكم باللحاق ، وعند محمد يوم اللحاق لا الحكم .

وجه أبي يوسف أن العارض يعني الردة متصور زواله فتوقف ثبوت حكمه على القضاء . ووجه محمد أن اللحاق تزول به العصمة والأمان والذمة في حق المستأمن والذمي فكان هذا بمنزلة المكاتب يموت ويترك وفاء فتؤدى الكتابة فإنه يعتبر حال وارثه يوم مات لا حال أداء الكتابة . وجوابه من قبل أبي يوسف أن اللحاق ليس حقيقة الموت المأيوس عن ارتفاعه ليثبت الحكم به بلا قضاء ، بل في حكمه لانقطاع ولايتنا عنه وأحكامنا ، فلا يثبت به أحكام الموت قبل أن يتأكد وذلك بالحكم به .

التالي السابق


الخدمات العلمية