صفحة جزء
قال : ( وإن لحق بدار الحرب مرتدا وحكم الحاكم بلحاقه عتق مدبروه وأمهات أولاده وحلت [ ص: 79 ] الديون التي عليه ونقل ما اكتسبه في حال الإسلام إلى ورثته من المسلمين ) . وقال الشافعي : يبقى ماله موقوفا كما كان ; لأنه نوع غيبة فأشبه الغيبة في دار الإسلام . ولنا أنه باللحاق صار من أهل الحرب وهم أموات في حق أحكام الإسلام لانقطاع ولاية الإلزام كما هي منقطعة عن الموتى فصار كالموت ، إلا أنه لا يستقر لحاقه إلا بقضاء القاضي لاحتمال العود إلينا فلا بد من القضاء ، وإذا تقرر موته ثبتت الأحكام المتعلقة به وهي ما ذكرناها كما في الموت الحقيقي ، ثم يعتبر كونه وارثا عند لحاقه في قول محمد ; لأن اللحاق هو السبب والقضاء [ ص: 80 ] لتقرره بقطع الاحتمال ، وقال أبو يوسف : وقت القضاء ; لأنه يصير موتا بالقضاء ، والمرتدة إذا لحقت بدار الحرب فهي على هذا الخلاف . .


( قوله : وإن لحق بدار الحرب مرتدا ) وحكم الحاكم بلحاقه عتق مدبروه وأمهات أولاده وحلت ديونه المؤجلة [ ص: 79 ] ونقل ما اكتسبه في دار الإسلام إلى ورثته المسلمين ) باتفاق علمائنا الثلاثة ، وكذا ما اكتسبه في أيام ردته على قولهما كما مر ولا يفعل شيء من ذلك ما كان مقيما في دار الإسلام ، وأما ما أوصى به في حال إسلامه فالمذكور في ظاهر الرواية من المبسوط وغيره أنها تبطل مطلقا من غير فرق بين ما هو قربة وغير قربة ومن غير ذكر خلاف .

وذكر الولوالجي أن الإطلاق قوله . وقولهما : إن الوصية بغير القربة لا تبطل ; لأن لبقاء الوصية حكم الابتداء ، وابتداء الوصية بغير القربة بعد الردة عندهما تصح ، وعند أبي حنيفة تتوقف فكذا هنا . قيل وأراد بالوصية بغير القربة الوصية للنائحة والمغنية .

وقال الطحاوي : لا تبطل فيما لا يصح الرجوع عنه ، وحمل إطلاق محمد لبطلان الوصية على وصية يصح الرجوع عنها . ووجه البطلان مطلقا أن تنفيذ الوصية لحق الميت ، ولا حق له بعدما قتل على الردة أو لحق بدار الحرب فكان ردته كرجوعه عن الوصية فلا يبطل ما لا يصح الرجوع عنه كالتدبير ; لأن حق العتق ثبت للمدبر ، وبهذا عرف معنى تقييد الطحاوي الذي ذكرناه آنفا .

( وقال الشافعي ) ومالك وأحمد : ( يبقى ماله موقوفا ) ويحفظه الحاكم إلى أن يظهر موته ثمة أو يعود مسلما فيأخذه ( لأنه ) أي اللحاق نوع غيبة فأشبه الغيبة في دار الإسلام وهذا ; لأن الدار عندهم واحدة ( ولنا أنه باللحاق صار من أهل الحرب وهم أموات في حق أحكام الإسلام لانقطاع ولاية إلزام أحكامه عنهم كما هي منقطعة عن الموتى ) بخلاف الغيبة في بلدة أخرى من دار الإسلام ، فإن أحكام الإسلام وولاية إلزامنا ثابتة فيها فلا يلحق بذلك ، وإذا صار اللحاق كالموت لا أنه حقيقة الموت لا يستقر حتى يقضي به سابقا على القضاء بشيء من هذه الأحكام المذكورة في الصحيح ، لا أن القضاء بشيء منها يكفي بل يسبق القضاء باللحاق ثم تثبت الأحكام المذكورة ، ولكونها كالموت قلنا : إذا لحقت الحربية فلزوجها أن يتزوج بأختها قبل انقضاء عدتها ; ولأنه لا عدة على الحربية من المسلم ; لأن في العدة حق الزوج ، وتباين الدارين مناف له ، ولو سبيت أو عادت مسلمة لم يضر نكاح أختها ; لأن العدة بعد أن سقطت لا تعود ( ثم المعتبر في كون الوارث وارثا عند اللحاق في قول محمد ; لأنه السبب ، والقضاء إنما [ ص: 80 ] لزم لتقرره بقطع الاحتمال ) أي احتمال عوده : أي اللحاق لا يوجب أحكام الموت إلا إذا كان مستقرا وهو أمر غير معلوم فبالقضاء به يتقرر . ( وعند أبي يوسف ) يعتبر كونه وارثا ( وقت القضاء ) حتى لو كان من بحيث يرث وقت الردة كافرا أو عبدا ووقت القضاء مسلما معتقا ورث عند أبي يوسف لا عند محمد ، وهذا ( لأنه ) أي اللحاق إنما ( يصير موتا بالقضاء ) ; لأنه بمجرده غيبة فتقررها بالقضاء به ، وبتقرره يصير موتا والإرث يعتبر عند الموت . وقدمنا تمام وجهي القولين ( والمرتدة إذا لحقت بدار الحرب فهي على هذا الخلاف ) في المرتد وعلى الأحكام التي ذكرناها من عتق مدبريها وحلول ديونها .

التالي السابق


الخدمات العلمية